
صدرت،في 2012م، عن مؤسسه دار الصادق الثقافية ــ بابل ــ العراق، مجموعة شعرية بعنوان "جذور الفجر"في 128صفحه من القطع المتوسط ، للشاعر العراقي المغترب عبدالإله الياسري..
يتصدر المجموعة إهداء :"لكل غريب في وطنه محاصر بالموت والسكوت"ص٧. ويليه تقديم يقول فيه الشاعر عن قصائده :"إنها نزيف معاناتي الذاتية الممتزج بنزيف المعذبين من أبناء وطني والمنفجر فيّ قصيدة تعاكس الواقع بكل أشكاله القمعية سياسيا وعقائديا واجتماعيا."ص8..
تتضمن المجموعة ثلاثين قصيدة.تمتد زمنيا من عام 1969م حتى عام 1979م الذي غادر فيه الشاعر وطنه العراق مرغما. وقد اعيدت للشاعر القصائد ـ حسب التقديم ـ عند عودته للوطن في 2009م بعد ان احتفظ بها الأوفياء ـ على حد تعبيره ـ من اصدقائه وذويه اثناء غيابه الطويل. وقصائد المجموعة الثلاثون تتداخل موسيقاها العروضية بين شعر التفعيلة وشعر العمود وتتمرد مضامينها الفكرية على استبداد السلطة الحكومية الرسمية واستبداد السلطات الأجتماعية الاخرى غير الرسمية كسلطة الدين وسواها .
والمجموعة في كليتها تتجزأ إلى أربعة:
1ــ فاتحة الفجر
2ــ غربة اللؤلؤ
3ــ البغداديات
4ــ مع النصف الآخر.
في الجزء الأول في قصائد فاتحة الفجرص9 يدعو الشاعرالى البذل بالنفس لتفجير الثورة الشاملة على الواقع حلما بالوليد الجديد حيث يقول في قصيدة"الإرادة":
"أريد أن أحترقْ
أريد أن يغتسل العالم بالحريقْ
أريد أن يفضّ كل فارس بكارة الطريقْ"
ويتحدى الواقع ثائرا من اجل الخصب والعطاء غير مبال بعواقب ثورته إذ يقول في قصيدة"الإختيار":
"إنني أحمل قدّام الغيوم ْ
لافتات المطرِ
ومرايا الشجرِ
فاقتلوني واقفا كالنخل في وجه الرياح
واقفا إني اموتْ"
وفي الجزء الثاني في قصائد غربة اللؤلؤ ص17 يجنح الشاعر الى الإشارات والتلميحات مستغرقا في رمزية شفيفة الإيحاء بعد أن انقلبت المفاهيم العادلة وتشوهت القيم الإنسانية كقوله في قصيدة "الغيمة":
"وقفتْ تتسوّل في باب القحط الغيمهْ
تتضرّع تقرأ أدعية الغيثْ
ما درّ القحط ولا نشفتْ أثداء الغيمة في موسمْ
لكنْ هذا زمن أعمى
ألقحط يصير به المولى
والغيمة تصبح شحّاذهْ "
وفي الجزء الثالث في قصائد البغداديات ص67 يمتزج حزن الشاعر بحزن حبيبته بغداد بعمق في قصيدته "بين يدي بغداد" حين يقول:
" إنّا حزينان ما غنّتْ ربابتنا ـــــ إلا بحشرجة من ثغر محتضرِ
ولا زوارقنـا عبّت مهلِّلة ـــــ إلا وأفزعها طيف من الخطر"
ولكن هذا الحزن المشترك رغم قسوته لا يثير فيه تشاؤما مطلقا بل يجعله يتفاءل بحتمية التغيي رقائلا:
"خلّي الحكاية سكينا تجزّ بنا ـــــ وزغردي فغدا لابدّ من مطرِ"
يحمل الشاعر الياسري من خلال قصائده البغداديات دموعا وجراحا غزيرتين في اغوار نفسه غير ان هذه المأساة الذاتية التي يعيشها لم تشغله عن هموم وطنه بل هو مستعد للفداء دائما لكي يحيا بتضحيته الشعب المعذب تحت التسلط والطغيان إذ يقول في قصيدته"قافلة الأحزان":
"تعال وخذ يا جوع قمحك من دمي ــــ ودعني أمث وحدي على رمح آلامي
أنا المغرم الهيمان شـعبي حبيبتي ــــ وأنفاســــه لحني وعينـــــاه إلهامي "
واذا كان الشاعر هائما بحب شعبه فهو قد هام بحب الفقراء منه بالذات هياما يخشاه الحاكم واعوانه. كما يصور تلك الخشية بهذا البيت من قصيدته البغدادية"نزيّف الشمس" حين يقول:
"أنا بيت شعر للجياع تخافني ــــ زبانية الوالي وتخشاني الكتبُ"
ولكن الشاعر الشاب ابن العشرين رغم وجل الحكومة من المناضلين لايستبعد موته بين لحظة واخرى بل يتوقع ان بدنه سيفنى عاجلا وسيحيا باشعاره التي ستخلد اسمه راوية للحزانى ما عاناه في حياته من اسى كما يعبر عن ذلك المعنى في البيتين التاليين من قصيدته"الضياع" :
"وإنْ أمتْ ويُخبِّ الرمل زقزقتي ـــــ وتطمر الحفرة السوداء غاباتي
ســتترك اسمي للســمّار أغنية ـــــ وللحزانى ستروي دور مأساتي”
لم يقتصر احتجاج الشاعر عبدالإله الياسري على سلطة الحكومة وحدها في شعره بل شمل السلطات الأجتماعية الأخرى وخاصة سلطة الديانة وسلطة الذكورة . ويتجلى ذلك الإحتجاج في شعره الغزلي في الجزء الرابع في قصائد "مع النصف الآخر"ص107 ، فهو يشعر أن المرأة مثقلة بالقيود ومرهقة بالظلام وانها تستغيث ثائرة للخلاص من المأساة الإجتماعية التي تعانيها نتيجة التسلط الذكوري الذي سماه (الجفاف) كما هو واضح في هذين البيتين من قصيدته"زائرة":
"أســمعها تقـول لي عيونها ــــ فكَّ قيودي مزّقِ الأســـجافْ
وفجّرِ الأنهار في صحرائنا ــــ حتى متى يحكمنا الجفافْ؟"
واذا كانت المرأة تنفرد بمعاناتها من القيود التي تفرضها سلطة الذكورة في المجتمع لصالح الرجل فانهما ( المرأة والرجل ) يعانيان معا من السلطة الدينية التي تحاول ان تباعد بينهما باسم الطائفية التي يتمرد عليها الشاعرالياسري ثائرا في قصيدته "ظمأ الطين" قائلا:
"وإلى صدري هلمّي شجرا ــــ وإلى صدرك عصفورا خذيني
خـوّفـوكِ الأهــل مني وأنـا ــــ منك باسم الدين أهلي خوفوني "
هذه الحمم النفسية التي يفجرها الشاعر وهو في العشرين من العمر قصائد غاضبة ضد السلطات المستبدة في مجتمعه، جعلته يشعر دائما انه مراقب ومستهدف حتى في علاقته العاطفيـة ويشعر أن هاجس الإغتيال يراوده باسـتمرار. وماهو في الحقيقة إلإ طيـر برئ كما يقـول في قصيدتـه " ملتقى" التي يتنبأ فيها بغربته عن وطنه مبكّرا:
"وربّما اغتالت هوانا طلقة ـــــ من مجرم أقلقه صوتي
وربّما سألتِ عني نورسا ـــــ بـ (دجلة) فقال: لن يأتي
هذا وصف تقريبي سريع ومختصر جدا لقصائد مجموعة "جذور الفجر" التي يربط بين نسيجها التمرد على المفاهيم الإجتماعية التقليدية والإحتجاج على ممارسات الظلم والتسلط بين الناس. ومهما يكن فان هذا الوصف لا يغني القارئ عن قراءة المجموعة وفهم مضامينها والإطلاع على أساليبها الفنية ـ ـ ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

