في مايو 2011عام قامت الحكومة التركيه بدعوة عدد من دول الإتحاد الأوروبي للبحث في مناهضة العنف ضد المرأة...تمخض هذا المؤتمر عن إتفاقية مفتوحه لجميع الدول’عرفت بإتفاقية إستانبول..قامت بالعمل على خلق لجنة مستقله من الخبراء المختصين يعملوا على تقديم تقريرات عن الإجراءات التي تتخذها كل من الدول الموقعة على مناهضة العنف ضد المرأة بجميع اشكاله.. مثل التحرش الجنسي والعنف المنزلي والزواج القسري أو تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.. ومدى إلتزام الدول الموقعة في الإمتثال لأحكام الإتفاقية.
تم الإتفاق والتوقيع المبدئي على هذه الإتفاقية على أن تصادق عليها الدول الموقعة في سبتمبر 2015 في روما خلال مؤتمر دولي ينظمه المجلس الأوروبي، ووزارة الشؤون الخارجية الإيطالية ومجلس النواب الإيطالي..ليتم البدء في تنفيذ بنودها.
بعد ثلاث سنوات.. و12 شهرا من دخول هذه الإتفاقية حيز التنفيذ بين الدول الموقعة الأخرى.. لم تقم الحكومة البريطانية بالتصديق عليها.
تأخر الحكومة البريطانية وترددها بالتصديق على هذه الإتفاقية.. هو ما دعا المنظمات النسوية في بريطانيا لحث جريدة الجارديان على كتابة مقال اليوم 2 أغسطس.. يعرض فيه تقاعس الحكومة في مناهضة العنف على المرأة فعليا.. برغم القول بأنها تناهضة.. وترفضة.. ويعكس تساؤل فيما إذا كان هناك إزدواجية في الموقف البريطاني.
في ذلك المقال..عرض وتقييم أسباب تقاعس أو تأخر هذه الحكومة برغم سياستها المعلنه والواضحه ضد العنف على المرأة.. أحدها تقييم فيما إذا كانت بنود الإتفاقية تتوافق مع القوانين البريطانية الموجودة والتي تعمل على حماية النساء من العنف.. إضافة إلى الخوف من الإلتزامات المالية المترتبة على التصديق.. لأنه سيلزمها بدفع نفقات العلاج النفسي وبرامج إعادة التأهيل التي تتطلبها المرأة المعنفة.. ثم النفقات الماليه التي ستترتب على خلق لجان بحوث متخصصه جديدة.. في وقت تحاول فيه الحكومة العمل على سياسة تقشفية غير ’معلنه للحد من النفقات الحكومية.
الأهم هو ما قد يتمخض عنه التصديق من مسؤولية مادية ومعنوية في البحث فيما إذا كان بإستطاعتها فرض العقوبة على مرتكبي مثل هذه الجرائم.. وبالتحديد في حالات الزواج القسري وزواج القاصرات فيما لو تم هذا الزواج خارج حدودها؟
أضيف إلى الأسباب السابقة.. السؤال الأهم في تقديري.. هل ستستطيع الحكومة البريطاني مطالبة الدولة الأم بإستعادة مثل هؤلاء المواطنين الذين أخلوا بقانونها.. وتعريض مصالحها الإقتصادية لما قد يترتب عليه من شروط قد تضعها الدول الأم أو رفض تسليم هؤلاء المجرمين.. متعللة بان ما فعلوه لا ’يعتبر جريمة.. لأنها لا تتعارض مع الدين ولا الثقافة.
بالتحديد ماذا سيكون موقف الدول العربية الإسلامية بما فيهم الدول النفطية بالذات فيما لو طالبت الحكومة البريطانية بتسليم أي من مواطنيها الذين قد يقوموا بمثل هذه الجرائم خلال تواجدهم في عطلات في الدول الأم.
. حتى ومع سياسة أردوغان باسلمة الدولة.. تبقى تركيا الدولة المسلمة الوحيدة التي قامت بالتوقيع على الإتفاقية.. حفاظا على مصالحها الإقتصادية وطموحها بالإنضمام لدول الإتحاد الأوروبي.. وإبراز الوجه الحضاري لها المرتبط في هذا العصر بالتنديد بكل أشكال العنف ضد المرأة حتى ولو كان يتصل بأي تبريرات فقهية.
ولكن ’ترى ما ذا سيكون موقف الدول العربية من هذه الإتفاقية.. خاصة وأن كل اشكال العنف يقع ضمن التبريرات الدينية.. وما بات ’يعرّف بالخصوصية الثقافة.. فمثلا وفي حالات الإغتصاب..ففي بعض الدول العربية يعفى المغتصب من العقوبة إذا تزوج من المرأة التي إغتصبها.. العنف في الإغتصاب الزوجي المبرر في الدين والثقافة.. في " نساؤكم حرث لكم فأتوا نساءكم أينما شئتم ".. أما في موضوع ضرب المرأة فلا زال العديد من فقهاء الدين يتحاورون ويتناقشوا في كيفية الضرب وطول العصا.. أما تشوية الأعضاء التناسلية.. أيضا لا زال محل مد وجزر بينهم. إستنادا إلى حديث ضعيف... اما زواج القاصرات.. فحدث ولا حرج. فمثلا وفي مصر وبرغم تدخل الرئيس السيسي الذي حدده بسن 16 سنة.. لا زال هناك من ’يجادل ويبررة بزواج النبي من عائشة... أما الزواج القسري. فيدخل تبريره ضمن فقه الولاية المبرر لمعظم الجرائم ضد المرأة.
السؤال هنا.. هل ستتقاعس بريطانيا عن التوقيع والإلتزام.. خوفا من تعرض مصالحها الإقتصادية لهزة.. حتى ولو كان ذلك على حساب مبادئها.. وتضحي بالمرأة.. أشك في ذلك كليا..فقوة المنظمات النسائية ستضغط على الحكومة في مواكبة القول بالفعل...
أما في الدول العربية..’ترى ماذا سيكون موقفها الحقيقي من هذه الإتفاقية بينما يتشدقون ليل نهار بتكريمهم للمرأة.. و’يبقون على واحد من أكثر النظم القضائية إجحافا وعدم عدالة للمرأة.. وهو قانون الأحوال الشخصية المرتبط بالتبريرات والتأويلات الفقهية.. في مقاصد الشريعة.. والنصوص.
وهل ستعمل الدول العربية والإسلامية على تكتل واحد لعرقلة العمل بالإتفاقية كما حدث فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف حين تكتلت دول منظمة المؤتمر الإسلامى مع الدول العربية وبعض الدول الافريقية لتحويل المجلس إلى منصة للدفاع عن الإسلام والهجوم على كل من يتعرض لأى انتهاكات يكون سببها القانون الإسلامى، والذي لا يرتبط بأي من القوانين التجارية والإقتصادية.. الأخرى ولكنه يبقى أساس النظام القضائي فيما يتصل بأي حقوق للمرأة... السؤال.. إلى متى.. ومتى سيعوا بأن حقوق المرأة هي الطريق الأساسي للديمقراطية وللإستقرار السياسي ونبذ العنف الذي إنتقل من جيل إلى جيل خالقا معه مجتمع العنف؟