''مرسي الأخواني'' يتاجر بالعروبة والإسلام ...؟

2014-03-29
ف
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/700bd0dc-d235-4c31-98b3-2b41b3eeb558.jpeg
ي البدء أعتذر إن كان ما سأكتبه ليس فيه الكثير من الدبلوماسية ففي غياب الدبلوماسية وأخلاقياتها وديونتولوجيتها لا حاجة للغتها. فالكلمة الوقحة التي أطلقها الرئيس المصري ضد سورية، ابتعدت كثيراً عن حدود اللباقة الدبلوماسية. فقد فضل ''مرسي الإخواني'' أن يقدم، ولو متأخراً، شهادة حسن سلوك لـ''الأممية الصهيونية'' التي تمسك بشيكات النفط، وقطع نصف الطريق الى المنظومة الأردوغانية الطامحة لجعل تركيا بديلاً إقليمياً يرث وظيفة إسرائيل، وأرسل الإشارات بالانضباط الى السادة القدماء ـ الجدد في واشنطن الذين يحكمون قبضتهم على قروض صندوق النقد. لقد خمّن أن المراوغة السياسية يمكن أن تضمن له مكانة كلاعب أساسي في الخارج طالما أنها مكنته، في الداخل، من الاستحواذ على كامل السلطة وتصفية الخصوم بالتدريج. 
فقد أعلن الرئيس المصري الأخواني ''محمد مرسي العياط'' مساء السبت الماضي'' قطع العلاقات تماماً مع النظام في سورية''. وقال ''مرسي'' في كلمة ألقاها أمام آلاف الإسلاميين المحتشدين في ملعب القاهرة في مؤتمر ''لنصرة سوريا'' أن مصر ''قررت اليوم قطع العلاقات تماماً مع النظام الحالي في سوريا وإغلاق السفارة السورية في مصر وسحب القائم بالأعمال المصري'' في دمشق. 
إعلان ''مرسي الأخواني'' جاء بالتزامن مع الكذب والنفاق الأمريكي والغربي حول استخدام السلاح الكيميائي من قبل الجيش العربي السوري، ومع التهديدات الأمريكية والاسرائيلية باستهداف هذه الأسلحة المزعومة، وكذلك مع تصريحات الناطق باسم من يسمونهم '' المعارضة السورية''، ''لوران فابيوس'' وزير الخارجية الفرنسية، بأن هذه المعارضة لن تشارك في جنيف 2 إذا استمر الجيش العربي السوري التقدم باتجاه حلب وهي محاولة لتبرير الفشل الفرنسي والأوروبي والأمريكي في جمع أشلاء المعارضة التي أوجدوها وفصلوها على مقاسهم لحضور المؤتمر، وهم أي هذه الأطراف الداعمة لهذه ''المعترضة'' لا يريدون منها الاتفاق كي تستمر الأزمة السورية كما يحلو لهم تسميتها أطول مدة ممكنة معيدين الرهان على إرهابييهم الذين أعلنوا ومن خلال أمريكا تسليحهم بأسلحة جديدة يراهنون عليها لتغيير موازين القوى على الأرض لصالحهم قبل كل شيء وليس لصالح هذه الشرذمة التي جمعوها من أكثر من أربعين دولة بمن فيها الدول الأوروبية الديمقراطية والمتحضرة والمدافعة عن حقوق الإنسان كما يدعون وكما يريدون أن يسوقوا في مواجهة الحقائق الساطعة والناصعة.
للأسف... لم يكن مرسي مهموماً إلا بتسجيل نقاط أمام جمهرة إخوانية أتيح له حضورها على أنقاض ''حسني مبارك''. أما مواقفه وسلوكه وإجراءاته التي تفجّر الشارع المصري غضباً، فهي قرينة إضافية كانت تقتضي منه أن يستغل الوقت المتاح للحديث عن همومه الداخلية والخارجية في الآن ذاته والتحديات الكبرى التي تواجه مصر، وهو يضيف المزيد منها حين يقودها إلى عنق الزجاجة بوجهها الإخواني وقعرها الإسلامي.‏ 
فموقف ''مرسي الأخواني'' اللا مسؤول إنما يعكس محاولة ''مرسي'' تنفيذ أجندة الإخوان المسلمين هروباً من الاستحقاقات الداخلية القادمة، والتي تتطلبها تطلعات الشعب المصري الحريص على تحقيق أهداف ثورته الشعبية التي التف عليها مرسي وزمرته من جماعة ''الإخوان المسلمين''.
إن منظر مرسي أمام مريديه الأخوانيين، لم يكن منظر رئيس محنك يليق برئاسة مصر العريقة... كما أن طريقة إلقاء كلمته لم تكن موفقة... بل هي أشبه بخطبة شيخ في جامع الحي... 
ولنعترف، أميركا صفقت له... واعتبر الكيان الصهيوني أن كلمة ''مرسي'' مطمئنة وتدل على نهجه السياسي تجاه ''إسرائيل'' ولكن ''مرسي'' بذلك النهج أخرج نفسه وأخرج مصر من لعب دور ريادي في المنطقة العربية بعد أن تحول إلى طرف صهيوني متطرف في الأزمة السورية، ما أدى إلى نفور الشعب العربي منه وزيادة كرهه لحركة الأخوان المسلمين.‏ 
من تابع كلمة ''مرسي'' يرى أن الأنا لديه متضخمة جداً وهي أكبر من جسده الضخم ومن ذقنه العريضة ومن الملاحظ أنه تخلى عن اللباقة والدبلوماسية كما تخلى عن البروتوكول الرئاسي لدولة مصر الشقيقة فانقض على سورية وعلى شعبها ليسجل سبقاً إعلامياً أمام جمهوره الأخواني، لكن سيذكر التاريخ أن دم السوريين في عنقه، كما في أعناق عربان النفط والإبل الذين يمولون ''مرسي'' وعلماء الفتن والفجور وشذاذ الآفاق. إن دم السوريين من الجيش والمعارضة في رقبته وفي رقابهم. إنهم هم الذين يستفتون مشايخ الفتنة لتحليل ذبح وهدم أمن وتخريب سورية والانقضاض على إخوتنا. وكأن رب العالمين أوكل إليهم مفاتيح الجنة والنار والثواب والعقاب...‏ 
''مرسي الإخواني'' يرتهن بوجهه الجديد لمكاشفات صادمة ليس في الدور، وإنما في الوظيفة الموكلة إليه عبر مواقفه المصادرة منذ وقت طويل لحسابات الآخرين، والمقيدة بأغلال المقاسات والقامات السياسية الهزيلة الطافية على سطح الأحداث.‏ 
هكذا تتبدل أولوياتها دون عناء وتقودها حفنة من السياسيين الذين ارتهنوا في قرارهم ومصيرهم لتكون مؤسسة الرئاسة ناطقة باسم الإخوانية ولتقف على الضفة الأخرى المناقضة لمصالح شعوبها، وهي تبحر بيدها في جيوب المال الخليجي وترى بعيون مستأجرة لرعاية المصالح الغربية، وتتحدث بلسان تصادق مع الصهيونية في أهدافها ووقائعها، فتصمت تواطؤاً أمام سطوة الإرهاب الذي يوغل في تقطيع أوصالها بدولها وشعوبها.‏ 
المفجع أنها تنتقل من طور إلى آخر والهزال السياسي يستشري لتحط رحالها في آخر المطاف في حسابات ثالوث تتعدد جبهاته وخياراته ومصادر الارتهان فيه متنقلاً بين مال خليجي وعثمانية جديدة بأفكار ورؤى إخوانية.‏ 
من جديد يقدم مرسي القرينة على أنه من الصعب عليه الخروج من عباءة إخوانيته، وبالمنطق نفسه كان من العسير عليه أن يقرأ التاريخ إلا بمنطق الإخوانية متجاوزاً محاولة تحجيم مصر لتكون على المقاس الإخواني، فيرنو نحو تحجيم دولة مصر لتكون هي الأخرى على النبض الإخواني.‏ 
والحقيقة الساطعة أنه لم يخرج بشيء سوى المجازفة بنعي الدور المصري، والعودة إلى أحضان ''طويلي العمر'' التي حكمت على دور ''مبارك'' سابقاً بالشلل والموت السريري.
فمن سمع خطاب ''محمد مرسي العياط'' (المليء بالأخطاء والعثرات والأغلاط النحوية والسياسية)، أمام أنصاره الأخوانيين، يدرك أنه خطاب رجل وجد نفسه فجأة بين أرائك قصر القبة وقصر عابدين، وحوله الخدم والحشم ولا ينقصه سوى صولجان شهريار ليكون الملك المطاع.‏ وإذا كان لابد من ذلك الصولجان لتكتمل صورة الدكتاتور أو السلطان، فإن أميركا لن تبخل عليه. وستمنحه عصا البطش والفتنة وقد تحوله إلى ''قرضاوي'' جديد طالما يعتبر نفسه أمير المسلمين. 
لقد أبدى ''الأخواني'' حرصه على مصلحة الشعب السوري وتباكى على معاناة الشعب السوري و تناسى في الوقت نفسه الجهات التي تقف وتعمل جاهدة من أجل تدمير الدولة السورية كما أنه تناسى أنه يدعم ويؤوي ما يسمى ائتلاف الدوحة الذي يتسابق أعضاؤه لكسب إرضاء العدو الإسرائيلي ونسف محور المقاومة ويدافعون عن العصابات المسلحة وفي مقدمتهم جبهة النصرة التي ساهمت مع غيرها من العصابات بتدمير البنية التحتية للدولة وأجبرت المواطنين على ترك منازلهم ومناطقهم بعد أن استباحت الحرمات. لقد تناسى عن سبق الإصرار أن السوريين هم من صنعوا التاريخ وأعطوا للعالم و معظم الدول نموذجاً فريداً في التعايش السلمي والتسامح والمحبة وتطبيق الديمقراطية. أما هو فقد أظهر خلال تسلمه رئاسة مصر شهوته للسلطة وحبه لإقصاء الآخر الأمر الذي أدى إلى أحداث مؤلمه طالت الأبرياء في الساحات المصرية.‏ 
لم تكن كلمة ''الرئيس الأخواني'' أمام مريديه الأخوانيين في الحقيقة إلاَّ تعبيراً واضحاً عن الهيستيريا التي أصابته و شركاءه من الغرب نتيجة ذلك الفشل المتكرر والمتراكم لمحاولات إسقاط سورية رغم كل الإمكانيات الهائلة التي وظِفَتْ لهذا الغرض. ولم يستطع ''مرسي'' أن يفارق جلده كشيخ واعظ مهمته تهييج الجموع، والتلاعب بالمشاعر، والمتاجرة أخيراً بدماء المسلمين. خطيب شعبوي وقع أسير الرؤية الضيقة والانتقامية التي لا تزال تميز كل تنظيمات الإخوان المسلمين. لم يتصرف كرجل دولة يتمتع بحس المسؤولية، وأرخى العنان لبلاغته الجوفاء كي ينتزع مصر، من خلف ميكروفون، من نسق علاقاتها التاريخية مع سورية، متجاهلاً عمق الارتباط المصيري بين بلدين وشعبين طالما جمعتهما التحديات والانتصارات في مواجهة مشاريع الهيمنة الخارجية والغزو الأجنبي.
من حق ''مرسي الإخوان'' أن يصاب بهذه الخيبة و المرارة، بعد الإنجازات التي حققها الجيش العربي السوري ضد الإرهاب في مختلف أنحاء سوريا. بل و أن يصاب بالجنون لأنه يعلم تماماً أن ثبات سورية وعدم سقوطها هي في الحقيقة كارثة كبرى بالنسبة لذلك المشروع الخطير الذي تم إعداده للمنطقة و العالم، والذي لم يبدأ قبل سنة أو سنتين بل أن خيوط تلك المؤامرة الشيطانية بدأت تحاك قبل عشرات السنين، وبالتحديد منذ أن قرر اسحق أكانان روتشيلد ـ ذلك اليهودي الألماني ـ أن يسيطر اليهود الصهاينة على العالم. ‏
ورغم الأدلة الدامغة والساطعة سطوع الشمس وسط النهار التي تؤكد أن ما يجري في سورية ليس إلا إرهاباً تمارسه عصابات مسلحة... نجد أن ''مرسي الأخواني'' في كلمته المبعثرة، يستمر كغيره من عربان أمريكا في اتهام السلطات السورية بقمع شعبها وقتله... 
ونسأل الشيخ ''مرسي'': ما رأيه باستشهاد آلاف الجنود السوريين؟ هل على الدولة أن تقف متفرجة على مسرحية القتل اليومي التي يكتبها آل سعود وآل ثاني وآل أوباما والحركات التكفيرية التي نجح المستعمر أخيراً في تفجيرها؟‏ 
كأن السيد مرسي لم يسمع التكبير والدق على الطناجر... ولم يشاهد مراسم الذبح بعد التكبير والتحليل لذبح بشر يشبهون مرسي وأبناء مرسي وجيش مرسي.‏ 
هذا التجاهل والاتهام غير الشرعي وغير الأخلاقي يؤكد للشعب السوري أولاً وللشعوب الحرة في العالم ثانياً ولأنظمة الحكم التي لا ترى بعين واحدة أن تلك الدول وفي مقدمتها ''مصر الإخوان'' منغمسة انغماساً كلياً في المخطط التآمري الهادف للقضاء على سورية قيادة ونظاماً سياسياً وكياناً ومن ثم القضاء على دورها المحوري في الصراع الدائر مع ''إسرائيل'' ومع المشروع الصهيوأميركي. لم يكن مطالبة مرسي باستدعاء التدخل الخارجي وإقامة منطقة حظر جوي في الأجواء السورية إلا استباحة للمنطقة ومساً لسيادتها وحرمة أراضيها خدمة لأهداف إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وأدواتهما في المنطقة. فقد أعطى الدليل الذي يبحث عنه العالم لتأكيد شراكة جماعته في سفك الدم السوري.
فقطع العلاقات مع سورية، والمطالبة بفرض منطقة حظر جوي في الأجواء السورية، هو التزام ورضوخ لا أخلاقي للسياسة الأميركية، والضرورة السياسية التي تحدث عنها ''مرسي الأخواني'' هي ضرورة لاستمراره في اعتلاء كرسي الحكم، ذلك أن النجاح في الاختبارات التي خضع لها منذ توليه الرئاسة لا يكفي ولابد من النجاح في كل الاختبارات الأميركية، فلم يكن كافياً ما فعله لجهة التزامه بكامب ديفيد، ولا لجهة الأداء والاستجابة الكاملة لكل ما طلبته إسرائيل منه في موضوع المعابر الى غزة وأحداث سيناء الأخيرة.‏ فما صدر عن ''مرسي الأخواني'' لا ينطوي فقط على محاولة التدخل في الشأن الداخلي السوري على هذا النحو الفاضح والمرفوض، إنما تحمل أبعاداً سياسية إقليمية ودولية يقع محور المقاومة ضد السياسات الأميركية في مرمى الاستهداف، بل في صلب هذا الاستهداف. 
يكرر ''مرسي الأخواني'' ما تلوكه ألسنة أسياده ويقول: إن حل المسألة السورية يرتبط برحيل الرئيس ''بشار الأسد'' عن السلطة، وترك مقعد الرئاسة وبهذا تنتهي المشكلة وأنه يعلن فصل الخطاب بهذا الكلام عن الفئة الظالمة واستنتاجه أن رحيل الرئيس الأسد يحقق العدالة ويمنح الشعب السوري الحرية والكرامة؟! فالأمر المهم الذي كان يجب أن يدركه ''مرسي مصر'' هو أن مغادرة الرئيس الأسد لموقعه لا تحل المشكلة، وعليه أن يسأل أهل الاختصاص في الخارجية المصرية التي من المؤكد أن لديها معلومات وفهماً من خلال سفارتها في دمشق بأن المعضلة في سورية ليست معضلة رئيس يمتلك الشرعية أو لا يمتلكها أو رئيس ظالم أو غير ظالم أو أنه برحيله تنتهي المشكلة، كما كانوا سيقولون له أن في سورية تعقيدات أكبر من كلامه الساذج حول الحق والباطل، أو بين الخير والشر، إضافة إلى أن الرئيس ''مرسي'' نسي من يمثل أثناء إلقاء خطابه بملعب القاهرة، ونحا باتجاه خطاب الإخوان المسلمين المعروف والذي نسمعه صباح مساء في محطات ''الجزيرة'' و''العربية'' وغيرهما كما من خطباء الفتنة ومشرعي القتل والذبح في المنطقة مثلما فعلوا في ليبيا وغيرها.
وبوضوح أكبر يمكن القول إن الشرعية إذا قيست بنسبة النجاح في الانتخابات الرئاسية فمن المؤكد أن شرعية الرئيس الأسد تفوق شرعية السيد ''مرسي''.
ونسأله: لماذا لم تتحدث عن مقاومة الاحتلال وعن حق العودة لشعبنا الفلسطيني وعن عناوين كثيرة تستدعي منك كلمة إنصاف حقيقية تجاه القضية الفلسطينية؟ ولماذا تؤكد بمناسبة ومن غيرها التزامك بأمن العدو عبر التزامك بما وقع عليه سلفاك السابقان أنور السادات وحسني مبارك؟
وثمة سؤال يسأله كل مواطن مصري عروبي لماذا لم يعلن الرئيس الجديد موقفاً واضحاً وصريحاً من الصراع العربي الصهيوني وقضية مقاومة الاحتلال بالرغم من الآمال الكبيرة التي عقدها عليه الفلسطينيون في الأراضي المحتلة، لتخليصهم من الحصار الخانق الذي يفرضه عليهم الاحتلال ودعم مقاومتهم المشروعة ضده، فهذه القضايا هي التي أعطت لمصر مكانتها بين الدول العربية وأكسبتها احترامها بين دول العالم في مرحلة من المراحل وهي نفس القضايا التي أضعفت مصر وجعلتها خارج الاعتبارات الإقليمية والدولية...؟!‏ 
فعلى مدى سنوات طويلة تعودنا أن نجعل من الموقف من الكيان الصهيوني بوصلة أي مسؤول أو حاكم عربي وبارومتر الحكم على وطنية أي شخص أو أي حزب أو نظام ينتمي إلى هذه الأمة، فالرئيس الراحل جمال عبد الناصر أصبح الزعيم العربي الأول الذي تهتف له الجماهير برغم مرارة نكسة 5 حزيران عام 67، فقط لأنه لم يستسلم كما فعل السادات من بعده وبدأ حرب استنزاف أعطى من خلالها انطباعاً بأنه سيستعيد الكرامة والاعتبار للشعب المصري وللأمة العربية بعد تلك الهزيمة المشينة.‏ 
من الواضح أن ''مرسي الأخواني'' قرر الالتحاق بما يسمى محور الصهيوـ عربي ـ أمريكي الذي أدار ظهره للقضايا العربية المصيرية وفي مقدمتها قضية فلسطين، والتزم بمبادرة سلام مع إسرائيل لا تساوي الحبر الذي كتبت به. ودليل ذلك فقد التزم ''مرسي الأخواني'' بمعاهدة كامب ديفيد التي شكلت ببنودها المجحفة إهانة واستهتاراً بتضحيات الشعب المصري في حرب تشرين التحريرية المجيدة، وقام بانفتاح على الولايات المتحدة الأميركية التي لطالما حاربت المصريين بلقمة عيشهم ورهنت مصيرهم لمعونة اقتصادية لا تغني ولا تسمن من جوع ودعمت فساد طاغيتهم حتى لحظاته الأخيرة، ومن ثم وطد علاقاته مع الأنظمة العربية الرجعية الفاجرة التي باعت الأمة والقضية وتاجرت بمستقبل الأجيال العربية...
فماذا يبقى من الثورة المصرية سوى الشعارات البراقة التي انطوت عليها خطابات ''مرسي الأخواني'' وحزبه المتطرف...؟!‏
 فالقصة وما فيها هو أن حزب ''مرسي'' في مصر كحزب ''أردوغان'' في تركيا يبحث عن السلطة بأي شكل من الأشكال وما هذا التقارب في الأسماء بين الحزبين ''الحرية والعدالة'' و''العدالة والتنمية'' سوى دليل إضافي على استنساخ التجربة التركية، وعندما وصل حزب ''مرسي'' إلى السلطة بدأت الحقائق تتكشف كما هي دون تجميل أو تزييف.
إن قطع العلاقات في عهد ''مرسي الأخواني'' مع سوريا، صدرت عن استباق للأحداث، وضمرت موقفاً حزبياً مسبقاً لرئيس أعلن تخليه عن الحزبية، وقد أقسم ثلاث مرات ـ دون حاجة ـ مؤكداً العمل على مصلحة شعب مصر كله، بينما، وكما هو واضح، كانت كلمته تختزن خطاباً إيديولوجياً مسبقاً لا يعكس الحقيقة الكاملة في سورية والتي يدركها أشقاؤنا في مصر وغيرها، فتجاهلت التدخل الخارجي، والوجود والفعل الإجرامي المؤكّد دولياً للعصابات الإرهابية المسلحة، كما تجاهلت وجود مشروع إصلاح حقيقي ناجز شعبياً وسيادياً في سورية، وهذا لاشك سيثير مخاوف أطياف مصرية واسعة من أن تسقط الحزبية والليبرالية على السواء مع السلطة الإخوانية الجديدة، وأن يكون هناك استقرار ماكر تتقوض معه الآمال العراض التي تراقصت في مخيّلة الثائرين على نظام مبارك، والكل يعلم وبحكم التجربة التاريخية مخاطر تحالف القوى الدينية والسلطة، ولاسيما أن شعبنا العربي والإسلامي اليوم وبعد الإفادة من التطورات التكنولوجية بحاجة الى العلمانية ومنجزات العقل والعلم، وهذا ما سيرتّب مهمات كفاحية مستمرة على عاتق قوى الحداثة والتنوير، وعلى سائر الوطنيين والقوميين والتقدميين التي تعجّ بهم أوطاننا، ونحن نلحظ كيف يدمّر بعض الإسلاميين بالأمس في تمبكتو الأضرحة والآثار التراثية العالمية، وقبلها في ليبيا وفي الصومال وفي باميان بأفغانستان، وهذا غيض من فيض... سيدفعنا الى القلق على آثار مصر.
والشعب السوري الذي يستهدفه الإرهاب كل يوم من خلال المجموعات المسلحة التي تعيث قتلاً وترويعاً وتخريباً بات مقتنعاً اليوم أكثر من أي وقت مضى ولاسيّما بعد الكثير من عمليات الاغتيال للعقول والشخصيات الوطنية... أن مصر الإخوانية تبارك هذا الإرهاب وتتظلل بظلال الدول التي تدعم الإرهابيين بالمال والسلاح والإعلام... وبعضها بإيواء قادتهم على أراضيها! وبات مقتنعاً ومؤمناً أن قائد ''مصر الأخواني'' الذي يتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وبالحرص على السوريين هو أبعد ما يكون عن الديمقراطية والمصداقية ومصالح الشعب السوري... وأقرب إلى مصالح أعداء سورية... وفي ضوء هذه القناعة وهذا الإيمان فإن هذا الشعب السوري العظيم ازداد إصراراً على المضي في محاربة الإرهاب والإرهابيين وعلى تعزيز وحدته الوطنية وعلى متابعة مسيرة الإصلاح بقيادة رئيسه بشار الأسد مهما كانت التضحيات.
لقد عصف ''مرسي الأخواني'' بمصر أرض الكنانة، ليسقط في المحرمات عندما انصاع صاغراً لفتاوى شيوخ الفتنة فيما يسمى بـ(اتحاد علماء المسلمين).
والمضحك المبكي أنّ هؤلاء يدّعون الفقه والمعرفة ويسمون أنفسهم علماءً، وباسم الدين يعيثون فساداً وزندقة وانحلالاً أخلاقياً فيحللون الحرام ويحرمون الحلال تماماً كما فعلوا في مؤتمرهم الذي سمّي ''مؤتمر علماء المسلمين'' وهو في الحقيقة لايمتّ لا إلى العلماء ولا إلى المسلمين بصلة لأنّ العلماء والمسلمين يدعون إلى السلام لا إلى القتل وإلى المحبة لا‏ إلى الحقد والكراهية وإلى التآلف والتعايش بين جميع الناس على مختلف طوائفهم ومذاهبهم لا على الاقتتال وتقطيع الأوصال وأكل لحوم البشر، وإلى حرية العبادة لا إلى التكفير والدعوة إلى ذبح الناس بعضهم لبعض، والعلماء هم من يجهدون لرأب الصدع وإصلاح ذات البين وحل الخلافات وفض النزاعات وهم الذين لا يُباعون ولا يُشترون ولا يبيعون‏ ولا يشترون‏.
لم يخب أمل الاسرائيليين من ''الشيخ مرسي''، بل خيب ''مرسي الأخواني'' آمال المصريين والعرب، الذين لم يستغربوا كثيراً موقفه الإخواني، وبدلاً من أن يوجه ''المرشد'' البوصلة المصرية بالاتجاه الصحيح، والوقوف في وجه المشروع الإثيوبي الهادف لقطع مياه نهر النيل عن مصر وشعبها، قرر قطع العلاقات مع سورية وأبقاها مع الكيان الصهيوني، كيف لا وقد وصف شمعون بيريز ''بالصديق العزيز'' فهدم الجسر الذي يربط الشعبين السوري والمصري، واحتفظ بالحبل السري مع تل أبيب. 
فمواقفه تحرض السوريين علناً على الإلقاء بأنفسهم في ''صراع وجودي''، والانزلاق في متاهة الحرب الأهلية وآلية التدمير الذاتي، مطلقاً على هذا النحو، وعلى يد أخواني إسلامي، سلسلة التفاعلات التي ما كان حتى عتاة الصهاينة، وأشد المحافظين الجدد يمينية، ليحلمون بها، والتي ستنتهي حكماً الى تكريس واقع يفرض الاعتراف بيهودية إسرائيل. وأضاف ''الرئيس الأخواني'' خيبة إضافية الى خيبات ''الربيع'' المزعوم، لقد أراد سرقة الأضواء واختطاف دور فإذا به ينتهي الى المزيد من تقزيم مكانة مصر... فهو مجرد مبشر كاذب للديمقراطية يعمّق واقع الإحباط ويملأ الأفق العربي بالشكوك.
ومما سبق، فقد أصبح واضحاً أن صاحب القرار المصري في النظام العربي الراهن ليس مالكاً لزمام التخطيط لبلاده استراتيجياً ولا تكتيكياً، بل هو يساق إلى هذا وفق مصالح إسرائيل المتكفلة أميركا وأوروبا بتحقيقها دوماً ولو دمّروا العرب وقتلوهم في كل زمان. واليوم نشاهد العقل المفروض على حُكّامٍ في إطار ما يسمى بعرب الاعتلال، وهم غرباء أكثر منهم عرب. يعملون من أجل التدخل في سورية وتدميرها لا من أجل ما تحتله إسرائيل من جنوب لبنان حتى الجزر المحتلة من أراضي الجزيرة العربية في البحر الأحمر. ونجد أن حماس ''مرسي الأخواني'' ليس فيه أية قيمة مضافة في العقل الوطني والقومي والإسلامي تدعوه كي يكون وفياً لقضاياه العربية وأميناً على مصالحها لا سيما وهو من حكام الربيع الإسلامي المتأمرك.
لقد أساء مرسي عندما قرر قطع العلاقات مع سوريا وأساء إلى الشعب المصري العريق، الذي يقف إلى جانب شقيقه الشعب السوري في كفاحه ضد المرتزقة والأطلسيين والتكفيريين، وأساء إلى التاريخ المشترك للشعبين والدولتين، وحاله يقول: إنه يسدد ثمناً لجهة ما، ولكن هذا الثمن ستثبت الأيام في المستقبل أنه باهظ جداً ولن يستطيع مرسي وجماعته تحمل تداعياته في الساحة المصرية وخارجها.
‏فمواقف ''مرسي الأخواني'' ضد الشعب السوري لن تغير من المشهد السياسي المتكون دولياً بضرورة ترك الشعب السوري يقرر مصيره بنفسه، ولكنها تشكل وصلة في سلسلة حلقات التحريض الإعلامي والسياسي التي اعتاد عليها الشعب السوري منذ بداية الأزمة حتى الآن.‏
 ف ''مرسي الأخواني'' بالوكالة عن العربان والغربان حاول تقويض استقلال وسيادة سورية العربية المستقلة، وطرح شعارات اعتبرها أهمّ من تحرير الأراضي المحتلة كما تريده أن يكون عليه أميركا وإسرائيل. ومن هنا فالدولة الوطنية العربية إذا امتلكت الهدف القومي للوصول إلى الدولة القومية للعرب فهي مرفوضة ويجب أن تهدم، وحتى نلطف الأمر نسمح بدلاً عنها بالدولة القائمة على الإسلام السياسي، ثم نعود لاحقاً لهدم هذه الأخيرة والذرائع موجودة مسبقاً، فالمهم أن تكون الأزمة السورية مؤدية إلى دمار سورية وليس إلى فائض العقل الحكيم الذي يوفر شرط الوصول إلى عملية سياسية ناجحة عبر حوار وطني مكفول النتائج، وشراكة وطنية فيها كافة القيم المضافة للسياسة القائمة على منطق العقلانية المفروضة، والواقعية الآمنة والمؤمّنةِ للجميع.
إذن ''مرسي الأخواني'' يحاول أن يزرع إسفيناً آخر في الجسد العربي، هو طبعاً لا يعلم ما الذي ربط سورية ومصر عبر التاريخ، وما يربط شعبيها حتى الآن، وحتى لو كان يعلم فقد طلب منه أن يقطع صلة الأرحام العربية، وأن يحاول زرع بذور الفتنة والعداوة بين الشعبين والبلدين عبر الكذب والنفاق، وركوب موجة الناعقين حول خراب سورية ودمارها، دون أن يعلم أن مثل هذه الخطوة قد تسارع في رحيله، وهو بمثل هكذا تصرف سوف يؤجج مشاعر شعب مصر الذي رفض وما يزال يرفض بغالبيته التعامل مع كيان الاحتلال الاسرائيلي، وقد طالبت العديد من التظاهرات بطرد السفير الإسرائيلي ... الثلاثون من حزيران ليس ببعيد قد تكون فيه نهاية ''مرسي'' ورحيله مصطحباً السفير الإسرائيلي إلى مكان يمكن أن يقبلهما لكن خارج خارطة مصر التي لم تكن يوماً لتقبل العداء مع الشقيقة سورية.‏ 
وأخيراً وليس آخر، فمن يعتقد أن فتح كل الدروب أمام العدو الصهيوني للمرور في وطننا العربي الكبير ورمي طوق النجاة له كلما ضاقت الحلقة على عنقه واقترب استحقاق السلام واستعادة الحقوق في مقابل كل ما نراه على الشعب السوري وحكومته من حصار ومقاطعة أدت لحدوث تراجع خطير في مستوى المعيشة وإفقار عدد كبير من هؤلاء الذين تزعم هذه الدول المقاطعة ''بكسر الطاء'' بالتضامن معهم وحقن دمائهم سيكون أمراً طبيعياً في نظر المواطن العربي، أو أن منح الكيان الصهيوني فرصة الانفراد بالشعب الفلسطيني عبر الادعاء بانشغالهم في الهم السوري سيمر مرور الكرام ولن يلتفت إليه أحد، إن هذا الوهم سيتبدد عما قريب وستعرف كل الدول التي انصاعت للدول الغنية التابعة لأميركا أن ما قامت به كان خطأً كبيراً لا يساعد في رسم أي مستقبل للمنطقة العربية.

مصطفى قطبي

باحث وكاتب صحفي من المغرب

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved