
ألتقيتُ صديقا بعد غياب ثلث قرن أمضاه الصديق بالمنافي..بعد العناق والقبلات الأخوية والأسئلة العائلية التقليدية ،أول ماتناوله بالكلام هو ذلك الماضي. الجميل.ثم الماضي القبيح ملاحقات الأمن لنا والقاء القبض على مَن لانكتمل بسواهم ..هل كان كلانا يقوم بحماية الذات بطريقته الخاصة ؟من أجل ان صيانة الذاكرة من آفة النسيان ،وهذه الصيانة لاتتم بفعالية منولوغ يجريه الانسان مع نفسه، كما يفعل السجناء وتحديدا،ليلا حيث يصفون المدينة من مثابة معينة، ثم يحصون اسماء المحلات ومع الاحصاء تتوارد التداعيات ،وهم في ذلك يتوغلون في زمن نفسي لاوجود له إلاّ في ذاكراتهم، في الوقت الذي تكون تلك المعالم، غيرتها السلطة ومشتقاتها، هدمت بيوتا وبنت فندقا سياحيا في المكان ذاته أو هدمت معلما كبيرا،وشرعت ببناء ماتتصوره حداثة عمرانية !!صديقي وأنا كنا نقوم بحماية الذات (فتذكر الفرد لماضيه وحمله معه دائما، ربماهو الشرط الضروري لكي يحافظ كما يقال على وحدة أناه حتى لاتضمر الأنا،ولكي تحتفظ بحجمها ،ينبغي سقي الذكريات مثلما تسقى الزهور..وهذا السقي يستلزم اتصالا منتظما بشهود الماضي أي بالاصدقاء. فهم مرآتنا وذاكرتناونحن لانطالبهم بشيء سوى صقل هذه المرآة بين الفينة والأخرى،حتى نتمكن من رؤية أنفسنا/ 41/ كونديرا/ رواية الهوية)..
*منشورة في طريق الشعب / 8/ تموز/ 2014