الشعب خرج وتكلم وتحدى وسوف لن يسكت على الضيم بعد اليوم
((هادي مصر
جايه تعلن عل الملأ
كلمتها نصر))
هل ستعلن مصر نصرها، مصر التي عرفناها تاريخا وثقافة وفن، مصر التي تضج شوارعها بالبشر، مصر التي ألفناها، بعنفوانها وضجيج أزقتها وفقر أهلها وكدحهم اللامتناهي من أجل لقمة العيش، مصر التي أشعت وتشع إبداعا، مصر التي يجري نيلها دوما ويبعث سحرا وألقاً، تعيش اليوم مخاضا عسيرا، بعد ثورة وهبة جماهيرية معاصرة أطاحت بالعروش المتسلطة، التي قبعت عقودا على صدور أبناء هذا الشعب الصبور، أنها اليوم تحاكي التاريخ وتحاول أن تجتاز عتبة أقل ما يقال عنها حرجة، فهي محطة مهمة في تاريخها، لترسم سمات المرحلة المقبلة، هذا المخاض يبدو أنه سيكون عسيرا ومعقدا، فالتركة ثقيلة كونها نتيجة سنوات طويلة من الحرمان والقمع والكبت، من الفوضى والفساد والأبتزاز، عقود من الأرتهان بسبب الحاجة وتسلط القوى الطفيلية ومسكها كل عصب الحياة، فهل ستجتاز كل ذلك بسهولة...؟؟، أم أنها ستمر بمراحل عديدة صعبة...؟؟
في لقاءات مع بعض مثقفي مصر ووجوهها الاجتماعية، والتي تم حديثي معهم بهذا الخصوص، خلال زيارتي السريعة للقاهرة، وجدت آراءا مختلفة، لكنها أجمعت على الثقة بالمستقبل، كون الشعب خرج وتكلم وتحدى وسوف لن يسكت على الضيم بعد اليوم، لكن هنالك ثمة تخوف مشروع وتدور أسئلة مشروعة كذلك، من خطوات العملية السياسية وما ستؤل إليه الأنتخابات من نتائج، خصوصا بعد الأنتخابات في تونس التي أسفرت عن فوز النهضة الإسلامية، وفوز ممثلي الأخوان في مصر في العديد من أنتخابات المنظمات المهنية كأعضاء أو كرؤساء، كما حصل في انتخابات نقابة الصحفيين المصرية مؤخرا، وفي هذا الخصوص ألتقيت السفير فتحي علي مدير أتحاد الصحفيين العرب، الذي قال أن الشعب المصري أكثر نضجا اليوم، وهو قادر على أختيار من سيمثله، لكن الأخوان هم الأكثر تنظيما وأمكانيات، لكنهم صرحوا بأنهم سوف لن يقدموا مرشحا لرئاسة الجمهورية، وأنهم سوف يحصلوا على ثلث مقاعد مجلس الشعب وليس أكثر، ليكون لهم تأثير، لكنهم لا يريدون أن يمسكوا كل شيء.
وهنا أستوقفته متسائلا...، ألا تعتقد بأنهم يتعمدوا ذلك، كونهم يعرفون صعوبة المرحلة، وربما أنهم سيفشلوا في إدارة الدولة حتى لو تمكنوا من الفوز..؟، أي أنهم قدروا الظروف وتجنبوا الوقوع في مشاكل مستقبلية...؟
ويؤكد الاستاذ فتحي يوسف، أحتمالية ذلك، كون لديهم خبرة سياسية متراكمة.
وفي حديث مع الصحفية سماح عبد السلام، العاملة في جريدة القاهرة المصرية، تقول نحن الآن للأسف في حالة فوضى، والكتابات الآن تؤجج الأوضاع وتشوش على الجماهير، فالأنتخابات الرئاسية ستكون محيرة فعمر موسى يبدو أن لديه خبرة وفاهم اللعبة جيدا وحظوظه أوفر، لكنه من أتباع المنظومة القديمة، مع ذلك له شعبية، أما البرادعي فمما يؤخذ عليه، كونه عاش خارج مصر، وربما لا يعرف ما يحتاجه الشعب المصري، كذلك هنالك أشخاص من الحزب الوطني السابق، لهم حظوظ في الترشيح والفوز، وهم لهم تأثير في الشارع، رغم منعهم دستوريا بالدخول كحزب، لكن هنالك العديد منهم يستعد لخوض المعركة الانتخابية بشقيها الرئاسية ومجلس الشعب، وربما يدخلون تحت أسماء أحزاب جديدة، لكن الناس تعرف ذلك جيدا، وتدرك اللعبة، على الأقل في وسط المثقفين، لكن الناس تخشى مجئ الأخوان، لأنهم يريدون الحرية وليس نظام مستند على قمع ديني، خصوصا اليوم بعد أن تحققت حرية التعبير عن الرأي.
وعند سؤالها عن المستقبل الشعب المصري ومعاناته الاقتصادية تقول، عندنا أمل أن تتحقق طموحاته تدريجيا، فاليوم الذي لا يعجبه شيء يخرج مطالبا بتغييره، حتى الأطفال يعترضوا اليوم ويتكلموا، علينا الحفاظ على الحرية، وتخليصها من الفوضى، كون الفوضى جانب سلبي يشوه الديمقراطية والحرية.
وفي لقاءٍ آخر مع الأستاذة سميحة خالد محي الدين، مدير أدارة المغتربين العرب في جامعة الدول العربية، فهي عكست أولا معاناة الشعب المصري وظروفه الصعبة، وأحقية مطالبته بالتغيير، ومن ثم رأيها وتوقعاتها بنتائج الأنتخابات، فهي تقول لا أتمنى مجئ عمر موسى للرئاسة رغم أنني عملت معه طويلا، فهو كبير في السن أولا، وكونه من بودقة النظام السابق، كما أنه يفكر بمصالحه قبل أي شيء آخر، وربما البرادعي أفضل، لكن نتمنى مجيء أشخاص أكثر مقبولية في الشارع المصري، أما مجلس الشعب، فهنالك تخوف، ونحن لم نعد نصدق تصريحات الأحزاب، والقوى السياسية الأخرى، فهم يقولون شيئا ويعملون ما يخططوا له، لذا فليس من المستبعد صعود الأخوان.
وفي حوارٍ مع عدد آخر من المواطنين، يرى الجميع ضرورة أن يختفي الظلم ونظام الواسطات والمحسوبيات، وأن يأخذ كل شخص حقه الطبيعي، وان يتمتع الجميع بالحرية والأمان، ولكن هنالك من يطرح تخوفات مشروعة منها التخوف من الفتن الطائفية فهنالك من لهم مصلحة من الترويج لها، والتخوف من عدم أمكانية توفير الأجواء الأمنية المناسبة لأجراء الأنتخابات المقبلة بحيادية، فالفوضى يمكن أن تندلع في أية لحظة، كما حصل سابقا في ظل النظام السابق، فكيف الآن..؟.، والموقف من ذلك وربما يتم اللجوء الى تأجيل الأنتخابات وأستمرار الأوضاع الحالية، كما أنه لم تحسم حتى الآن كيفية الدخول بالانتخابات، هل سيتم بنظام الانتخاب المختلط الذي يجمع بين القائمة النسبية والفردي، ورغم عدم دقة ووضوح ذلك دستوريا، فهذا يحتاج لمن يريد خوض الأنتخابات أمكانيات مادية كبيرة، وهذا ما سيسمح للأخوان وللسلفيين ورجال الحزب الوطني من الفوز لما يملكونه من أمكانيات مادية بالأضافة الى التأثير الديني الواضح في الشارع المصري، خصوصا في الريف، فهذا النظام سيسمح للأحزاب بالأستيلاء على تلثي المقاعد بالأضافة الى الفردية، مما سيشكل تحديا كبيرا للمستقلين ويحد من فوزهم، وبالتالي عدم لعبهم دورا فعليا في لجنة أعداد الدستور الجديد للبلاد، وهنالك تخوف من اللجان الأنتخابية وتشكيلها، هل ستكون نزيهة ومهنية ومستقلة أم ستكون أداة في يد جهات معينة، كذلك سيسمح للمصريين بالخارج بالتصويت والترشيح، وهذه خطوة جيدة، كما ان تعديل المادة 76 من الدستور فسح المجال للانتخابات القادمة لمساهمة أوسع للشعب المصري في اختيار من يرغب به، وقد نصت تعديلات المادة 76 على ان، (( ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر، ويلزم لقبول الترشيح لرئاسة الجمهورية أن يؤيد المتقدم لترشيح 250 عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشوري والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات, على ألا يقل عدد المؤيدين عن خمسة وستين من أعضاء مجلس الشعب وخمسة وعشرين من أعضاء مجلس الشوري, وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبي محلي للمحافظة من أربع عشرة محافظة على الأقل. وللاحزاب السياسية التي مضى على تأسيسها خمسة أعوام متصلة قبل إعلان فتح باب الترشيح, واستمرت طوال هذه المدة في ممارسة نشاطها مع حصول أعضائها في آخر انتخابات على نسبة5% على الأقل من مقاعد المنتخبين في كل من مجلسي الشعب والشوري, أن ترشح لرئاسة الجمهورية أحد أعضاء هيئتها العليا وفقا لنظامها الأساسي متى مضي على عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة على الأقل.))
لقد فتحت أبواب التسجيل للأنتخابات والترشيحات، والشعب المصري يخوض هذه التجربة وهو متوجس من كثرة الأسماء والصور التي أخذت تملأ شوارع مصر، أكثرها لم يتعرف عليها من قبل، وبأستثناء المثقفين والسياسيين فهنالك نسبة كبيرة من المصريين في حيرة من أمرهم، لا يعرفون من ينتخبون...!!!