مع عرض مسرحية " ثلاث زوجات " على مسرح " ليتل انجل " في العاصمة اللندنية ، تكون غيوم المفهوم الذي كان مسيطرا على مسرح العرائس أوالدمى لحقبة طويلة قد تبددت ، فقد اعتاد الجمهور المسرحي على تصنيف هذا الفن في خانة الاعمار الصغيرة جدا وحجب الاضواء عن نشاطاته خاصة في القنوات الاعلامية المرئية منها والمسموعة .
تتناول المسرحية التي ازدحم عليها الكبار والصغار ، مأساة ثلاثة من النساء اللاتي فقدن أزواجهن في الحرب الدائرة منذ سنوات في افغانستان والعراق ، كانت هناك حزمة من الإيماءات والابتسامات اختلطت مع دموع نزفتها عيون الحاضرات ممن تساوين مع أولئك النسوة الثلاث في محنتهن ، هذه التأوهات اخترقها صوت عاطفي يصرخ :
أنا مع الحزن
في تلك الليلة ذهب
أنا ابكي كل ليلة
يمكنني ان ابقى هكذا
حتى مجيئه
أو ... فراقه ..
الكلمات هي اعترافات حقيقية للمرأة أو الزوجة سواء اكانوا في امريكا أو في بريطانيا ، جسدتها هذه المسرحية التي فاجأت جمهورها بإطلاق تحذير صارخ عن حالة المرأة بعد تسعة سنوات من الصراع الدائر هناك ، لكن المثير في هذه المسرحية مناقشتها المواضيع التي من شأنها ان تشكل خللا قادما لامحالة عند عودة المقاتلين من الحرب الذين قضوا فترات طويلة جدا وهم يحملون معهم الاستياء والغيرة وتفاصيل اخرى كالطلاق والاطفال ، وبات من المستحيل وجود انفراج في الافق ، هذه الصعوبات تناولتها هذه المسرحية التي كان ابطالها يتحركون برشاقة من على خيوط متدلية ، تقول احدى بطلاتها : ( انا زوجة احد العسكريين ، كنت اعرف الوصف الوظيفي عندما تزوجت منه ، لذلك اشعر أنني ليس لديّ الحق في تقديم شكوى ضده ) .
قبل عرض المسرحية بأكثر من ساعة اجرى العاملون عليها بروفات للنساء الثلاث اللواتي سيقع على عاتقهن مواجهة الجمهور ، فجرت حركات تحريك الافواه ، مع عرض صور ( سلايد ) خلفية لأكوام عالية من الاسلحة التي تذكرنا بالحرب ، واحدة من الاشياء التي تخرج من ابحاثنا هو أن التوقعات الاجتماعية فيما يعنيه أن تكوني زوجة صالحة لم تتغير فعلا في المجتمعات العسكرية ، أي التي تكون الزوجة أو الزوج منخرطين ضمن هذه المجتمعات منذ الحرب العالمية الثانية كما تقول مخرجة المسرحية ميلو التي اضافت: ( لكن التحدي المضاف في نزاع كهذا هو أنه في حين أن النساء يدعمن شركائهم لايؤيدون بالضرورة الحرب ، بعض الزوجات قد قلن ذلك ولكن هذا شيئ من الصعب القيام به ) .
واذا كان شريك حياتك بعيدا لمدة ستة اشهر فمن الطبيعي ان تكون لديك هذه المشاعر كما يقول اداء إحدى الزوجات الثلاث بصوت الممثلة " آنا ماريا نابيري " التي قالت : ( لكن الرسالة الرسمية التي لديك ان تبقي قوية في مواجهة تلك الظروف مع الاحتفاظ بكمية معينة من الرقابة الذاتية لتهذيب الزوجات في حالة تعرضهن للشكوك .
الزوجات الثلاث مستوحاة من زوجة أوديسيوس ، المرأة الصابرة على فراق زوجها حيث تبقى تنتظره بالرغم من الاغراءات التي تحيطها ، والدمى خير من يصلح لتجسيد هذه الشخوص كما تقول ميلو الراقصة السابقة من ولاية كاليفورنيا ومخرجة العمل ، هذا الكلام توافق مع ما قالته الممثلة المخضرمة فانيسا ريدغريف التي حضرت العرض قائلة : ( أتذكر أني فعلت ما فعلته النسوة الثلاث في العديد من أدواري ، لكن هنا الدمى شُيد لهم خصيصا هذا العرض وهو ابتكار يضاف لباقي جهود المسرحية ) ، ميلو عقبت على كلام ردغريف قائلة : ( اكتشفت ان للدمى سحر خاص يكمن في انها اوسع نطاقا من الشخوص البشرية بسبب محدودية جسم الانسان ، كان ذلك الاكتشاف عندما عملت مساعد مخرج في المهرجان الدولي لمسرح الدمى في نيويورك .
ميلو كانت قد أسست مسرحها العرائسي في نيويورك مع زميل لها خبير في صناعة الدمى ومجموعة من فناني الاداء الصوتي والحركي منهم براين مايكل كيلي ، وقدمت عدة عروض ناجحة منها مسرحية " اكتشاف آينشتاين " التي تحكي فيه عن معضلة اخلاقية تتلخص في صنع القنبلة الذرية واثرها السيئ على العالم ، وانتقلت من برودواي الى لندن لتقديم مسرحيتها الجديدة ثلاث زوجات تحدوها رغبة في استنطاق شعور دفين يتملك هؤلاء النسوة وباقي نساء الارض وهن يعانين مأساة الحرب ، لقد قرأت بعض الاشياء الجميلة - تقول ميلو - لعدة سنوات لكن يتعين علينا نحن النساء اعادة قراءة التاريخ مرة اخرى لكي لاننسى ان الحياة مستمرة حتى مع كل هذه المآسي .
هوامش
نوالا كالفي / كاتبة ومحررة شؤون فنية
صحيفة / تايمز اللندنية
أحمد فاضل