بدأ حياته صبيا حافظاً خطيباً في مسجد إحدى القرى التابعة لكفر الشيخ حيث ولد في نهاية عام 1931 ثم التحق بالأزهر شيخاً أزهريا حتى تخرجه من الثانوية لينتقل الى دار العلوم ليتخرج "درعمياً" وهي صفة لخريج دار العلوم التي غدت نداً ومنافساً للأزهر حيث كان التنافس على أشده في العشرينات والثلاثينات وحتى الأربعينات بين المعهدين فدرس الدين والفلسفة الإسلامية . وانتمى لحزب "مصر الفتاة". زاد على ذلك أنه شُغِف في التاريخ الذي فتح له دروب الماركسية التي قاربها ليدخل السجن عام 59 في زمن عبد الناصر، وفي السجن التقى بالمفكرين والشيوعيين اليساريين فأثّروا به، فجرّب الكتابة وأخرج معه عدة كتب في الفكر الإشتراكي والعروبي ثم اكتشف إن الماركسية دربها لا يوفر لقمة عيش ومسلكها يفضي إلى السجن فآثر العافية وانتقل إلى المعتزلة أو هكذا زعم مشيداً بدورهم العقلي ..
ثم أدار ظهره لابن رشد والتقى مع صاحب إحياء علوم الدين الإمام "الغزالي" ليصير أشعرياً وهجر إعمال العقل، ليقترب من غزاليّ آخر هو الشيخ محمد الغزالي أحد قادة الأخوان المسلمين..وشارك معه في ندوات ضد كل ما هو علمانيّ ليصبح سلفيا متعصباً عمليا ومازال يزعم أنه مع العقل والفكر لكي لايُقال عنه أنه هجر أوتنصل من مؤلفاته وناقض نفسه.. وما أظنني جانبت الصواب إن زعمت أنه زاد على السلفية باقترابه من الوهابية .
وراح يهاجم الأحياء والأموات من العلمانيين من طه حسين وتوفيق الحكيم ومحمود أمين العالم والمستشار محمد سعيد العشماوي، وفرج فودة وحامد ابو زيد ... وناصب الدكتورة نوال السعداوي العداء والكراهية هو ومن على شاكلته كالشيخ البدري لأنها داعية للمساواة بين المرأة والرجل.. لأن الدكتور محمد عمارة يرى أن المرأة لها حقوق كاملة في الإسلام، قافزاً على حقائق عملية من كونها لها نصف حق الذكر في الميراث.. وإن للزوح حقاً في أن يضربها وأن يهجرها في المضاجع وأن يتزوج عليها ويجمعها مع ثلاث زوجات وان يطلقها أنّى شاء وأن لا يتكفل بمصروفها إن منعها مرضها من ممارسة فريضة الفراش بحجة أن الغاية من الزواج من "المرأة الناقصة عقل ودين" هو إمتاع الزوج وإنجاب الأولاد.. وكان عمارة حين تنقصه الحجة يكل الأمر لحكمة المعبود التي لا يدركها عقل العبد!!
واشتهر عمارة والغزالي والهضيبي في مناظرة مشهورة ضد فرج فودة ومحمد خلف في معرض الكتاب الدولي في القاهرة عام 92 حيث كانوا الثلاثة السبب في تكفير (وتحريض الدهماء على قتل) المفكر فرج فودة لأنه أعياهم الرد على أرائه وكتبه الجريئة !
وظل عمارة يتملق الإتجاهات المتطرفة والسلفية وحتى الوهابية في قولة : إنه اكتشف حل المشكلة الإجتماعية في الإسلام وليس في الصراع الطبقي والماركسية !!
تابعت محمد العمارة بزيه الجديد، اعتمار قلنسوة والتلفع بعباءة فوق جلباب، ومسبحة لليجذب انتباه الناس له..وحتى في ندواته ومناظراته كان عالي النبرة أنانيا في احتكاره الحديث وكثرة مقاطعاته وتهميش الآخرين وتطرفه حين ينصب نفسه حامي حمى الإسلام ومن يخالفه عدو الإسلام .. من يريد الدليل فليراجع مناظرته مع الدكتور نصر حامد أبو زيد في برنامج "الاتجاه المعاكس" وليرَ سلوكه وليسمع لغته..
قرأت العديد من كتبه ومنها كتاب "الوعي بالتاريخ" وقد أعمل عقله الذي جعله يفكر أن سقوط بغداد عام 656 ه/ 1258م يرجع الى خيانة الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي، ولا أريد أن أناقشه في هذا الأمر الذي أثبتت الدراسات الحديثة خلاف الزعم الجائر ومنها كتاب وبحث دكتواراه من جامعة محمد بن سعود للدكتور سعد بن حذيفة الغامدي يثبت العكس؛ فلو سمع الخليفة المستعصم الذي كان منشغلا بحفلات المجون نصيحة ابن العلقمي لجنّب بغداد ويلات السقوط، وأن جُلَّ المؤرخين يُجمعون على نزاهته وحكمته وأدبه وعلمه وأشهر المؤرخين الذين عاصروه وشهدوا السقوط هما ابن الفوطي وابن الطقطقي، وإن ابن أبي الحديد المعتزلي ألف موسوعته عن شرح "نهج البلاغة" قد أهداها للوزير ابن العلقمي..ولم يذكر "خيانته المزعومة" سوى الدياربكري صاحب "تاريخ الخميس" ثم ردد التهمة الطائفيون الحاقدون من قبيل ابن كثير في "البداية والنهاية" والذهبي في "سير أعلام النبلاء" .
كتب محمد عمارة الذي توفي قبل أيام ثلاثة عن تسعة وثمانين عاما تجاوزت المئتين تعكس منعرجاته الفكرية والسياسية؛ لست من دعاة ذكر محاسن الموتى حين يكون منهجهم التعصب ومعاداة الديانات الأخرى وإلا ستكون منهجاً أوشعاراً للترويج للكراهية ومسلكاً لكل جبار عنيد أو كاتب تسبب في قتل الآخرين ورميهم بالكفر؛ بل ذكر الحقيقة هو الأهم ليتعظ منها الناس وليكون الحكم موضوعياً لأن إخفاء الحقائق هو التدليس الذي لا يخدم الحقيقة بل سيكون مثلا سيئاً يتبعه الآخرون !
الثالث من آذار 2020