متى تباع جامعة العرب في المزاد العلني...؟!

2012-09-06
ف//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/fe0a61b3-205c-456d-acb8-5bdda1fc1d2c.jpeg ي كل محنة تشهدها الأمة العربية، يأخذ الحديث عن الجامعة العربية مناح شتى، تتراوح بين داع إلى الحفاظ على الجامعة وتطويرها باعتبارها البيت الذي يجمع العرب، وداع إلى طيها وإلغائها من الوجود، إذ تجاوزها الزمن وأصبحت غير قادرة على العيش، ولا بد أن يحل محلها تنظيم إقليمي من نوع آخر في المظهر والجوهر. وقد رأى البعض أن إصلاحاً جذرياً لميثاق وهيكل تلك المنظمة قد يكون حلاً خلاقاً يعيد للجامعة العربية هيبتها وقدرتها على مواجهة الأحداث الخطيرة والمتلاحقة. ولو تتبعنا تاريخ الجامعة لوجدنا أن لها عملاً فيما يختص بعدم التقارب العربي ـ العربي، وفيما يختص بعدم الوصول إلى الوحدة العربية حتى يومنا هذا. والدليل موجود في عدم حماستها لتحرير الأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل، وغير إسرائيل، وعدم حماستها لمواجهة سياسات النفوذ الصهيو أمريكي على أرض العرب. وعدم حماستها لمنع احتلال الكويت ولو من قبل الشقيق العربي، وعدم حماستها لمنع احتلال العراق، وعدم حماستها لتقسيم السودان، وعدم حماستها اليوم لمنع تهويد القدس، ولفك الحصار عن غزة. ونعود هنا إلى أنها ـ أي الجامعة ـ ليست معنية بكل ما يجابه المشروع الصهيو إمبريالي على أرض العرب وبخاصة الشرق الأوسط الصغير والكبير. لقد وقفت ''حكومات ومملكات وإمارات'' عربية طوال أكثر من نصف قرن حائلاً دون ضخ الدماء في عروق الجامعة العربية خدمة للمصالح والحقوق العربية وبقيت هذه المؤسسة التي تمّ تخديرها بعد ولادتها مجرد إسم سيء الصيت والسمعة لدى المواطن العربي وصوتاً لا يسمع إلا بحقن أمريكية غربية وبدماء ملوثة بـ ''البترو دولار''. هذه الحقائق معروفة للشعب العربي ولا أحد يناقش أو يشكك فيها ولكن ما لم يتوقعه هذا الشعب العربي هو أن تنتفض هذه ''الحكومات والإمارات والمملكات'' لإحياء دور الجامعة عندما أرادت أمريكا والدول الغربية ذلك بهدف الإضرار بالمصالح العربية وتمرير الأجندات الأمريكية الصهيونية الهادفة إلى تفتيت المنطقة وإعادة تشكيلها بما يضمن السيطرة عليها بعد أن أخذت طريقها للتخلص من التأثير الأمريكي الصهيوني على قراراتها.
فالجامعة العربية التي سكتت دهراً عن كوارث حلت بالأمة العربية نطقت كفراً بما اتخذنه من قرارات تجاه سورية وكأنها لا ترى إلا بعين واحدة ولا ترى إلا ما يريده الآخرون وتُردد ما يريد الآخرون أن يسمعوه. فبعد أن تحول مسؤولو الجامعة إلى هياكل عظمية أصر بعض المصابين بقصر النظر فيها على السير بعدوان اقتصادي على الشعب السوري مواز لآخر سياسي بدؤوه ليتوهوا بعيداً عن مبدأ العمل العربي المشترك وليقضوا على ما تبقى من تضامن كان مفروضاً على الجامعة أن تعمل به وفق شهادة ولادتها. وليكن واضحاً أنني لست مع الأنظمة الحاكمة بل مع الشعوب التي هي من يتأثر بقرارات ''الجامعة'' المجحفة ويضيق عليها العيش وحرية التحرك والتجارة مما يؤدي لارتفاع الأسعار ومستوى المعيشة. فإن كان ذلك وسيلة لتضغط الشعوب على حكامها وبالتالي التخلص منهم، فكأن ''الجامعة'' تقول للشعوب لتنجوا بأنفسكم اقفزوا من المقلى إلى النار. و''الجامعة'' تتدخل كما هو واضح بالدول ذات الثقل الاقتصادي ولنقل النفطي (العراق وليبيا) وذات الثقل السياسي المؤثر على مستوى المنطقة والعالم(سوريا) ولا شأن لها بدولة كالصومال يأكل بعضه بعضاً ولا بالسودان الذي انقسم إلى دولتين وبطريقة لتفريخ دويلات أخرى. فالجامعة استنسخت تباعاً الخطوات التي اتبعتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية في عدوانها على سورية دون أن تخجل من كونها توفر بذلك الأرضية الملائمة لتدخل أجنبي يستهدف سورية. وقرار الجامعة لم يكن مفاجئاً، فهذه الوجوه هي نفسها التي رفعت أيديها موافقة قبل أشهر قليلة على طلب التدخل العسكري في ليبيا وبالتالي المساهمة في قتل ما يزيد على المائة ألف مواطن ليبي بريء، وهي نفسها أيضاً التي طأطأت رأسها خانعة للرغبة الأمريكية بغزو العراق وقتل ما يزيد على مليون ونصف مليون مواطن عراقي... ولا ننسى موقفها المخزي من عدوان إسرائيل على لبنان في عام 2006 وعلى غزة في عام 2008. ففقدان القرار العربي لعنصر المفاجأة لا يتأتى فقط من سياسات بعض الدول العربية التابعة والمرتبطة بالسياسة الأمريكية في المنطقة وأجندتها المكشوفة، إنما أيضاً من الوضع المتردي لدور الجامعة العربية ومهامها وقيادتها. فهذه الجامعة العاجزة والمشلولة استسلمت ورفعت ''أيديها وأرجلها'' إزاء كل القضايا العربية التي أضرت ولا تزال بالحقوق العربية، قرر أصحاب ''البترو دولار'' نفض الغبار عنها اليوم ليس لمناقشة الأوضاع العربية ووسائل الحفاظ على ما بقي من المصالح القومية بل لتكون قناة وأداة للانخراط في مشروع عدائي ضد العرب بخاصة والمنطقة بجغرافيتها السياسية بشكل عام ومع الأسف تتم تغطية مشروع ''سايس بيكو'' الجديد من ''أموال عربية'' إسوة بتمويل الحروب الإسرائيلية والأمريكية على فلسطين ولبنان والعراق قبل سنوات.
يبدو المشهد العربي اليوم وكأنه مرحلة صعود أنظمة المشيخات، وواضح أن السياسات الأمريكية والغربية تقود صراع كسر عظم بين الطرفين لا تخفي فيه انحيازها الكامل إلى جانب أنظمة لم يتوقف منظرو الغرب عن وصفها بأشد أوصاف الرجعية والفساد والنهب والتخلف والقمع الإنساني، وما يطرحه الصراع الحالي من بدائل لا يمت بصلة إلى تغيير ديمقراطي وإنما إلى تغيير في اتجاه إنتاج أنظمة سلفية (ثيوقراطية) تتاجر بالعواطف الدينية وتكون ذيلاً وخادماً بالمطلق لسياسات الغرب وأمريكا، وتالياً لإسرائيل على امتداد العالمين العربي والإسلامي... وقد بات واضحاً أن حكام بعض الدويلات العربية يريدون عبر الجامعة العربية قلب الموازين والحقائق وارتداء لباس الحرية والديمقراطية البعيدين عنه آلاف الأميال تفكيراً وتعبيراً وشكلاً وتصرفاً أملاً بلعب دور لا يستحقونه ولن ينالوه مهما عبثوا بأموال وحقوق شعوبهم وموّلوا الحروب والمجموعات الإرهابية. والآن جاء وقتها لتلعب الدور الذي تم تأسيسها من أجله، ويتلخص بإعطاء الغطاء اللازم للقوى الصهيو أمريكية حتى تستطيع أخذ القرار الدولي من مجلس الأمن تحت البند السابع واحتلال الأقطار العربية التي من المقرر احتلالها أولاً من أجل فتح الطريق أمام مشروع إسرائيل الكبرى ومن ثم لتجريف البترول العربي، وفي الساعة العربية التي نعيش ألم تحبط أمريكا والصهيونية مشروع قيام دولة فلسطين والاعتراف بها عضواً في مؤسسة الشرعية الدولية، وقطعت المساعدات عن اليونسكو التي قبلت عضوية فلسطين؟ أين اجتماع مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية العرب حتى يتم بحث هذا الموضوع؟ نعم الجامعة ليست في هذا الوارد لأن اهتمامها منصب على تسليم ليبيا للأطلسي وتسليم اليمن، وتسليم سورية، ومن أولوياتها اليوم هو التمزيق للدولة الوطنية السورية التي ما زالت السد المنيع أمام إنجاز المشروع الصهيوني. فقد توهم بعض الأعراب بجامعة بني يعرب، أن إسقاط نظام القذافي في ليبيا سهل إسقاط النظام السوري بطريقة مشابهة أو بسيناريو مختلف. فلا حاجة لمنطقة حظر جوي من قبل حلف شمال الأطلسي فوق سوريا لأن إسرائيل تقوم بالمهمة. وهذا توجه خطر يتحدد معه مصير لبنان، سوريا، وفلسطين، وإيران، ودول الخليج العربية. فالخيار العسكري يدفع منطقة الشرق الأوسط إلى أتون حرب طويلة الأمد. فما يجري في الدويلات النفطية وفيها سينقل حكامها إلى الصفيح الساخن قريباً جداً وفي حينها لن تفيدهم الجامعة وكل الأموال التي صرفوها. وكذلك لن تفيدهم أمريكا التي استغنت عن أمثالهم بلمحة بصر، ولن يفيدهم الظهور مع ساركوزي وأوباما وأوغلو ودعوات القرضاوي وشيوخ الفتنة أمثاله، وسيدفعون ثمن ابتعادهم عن شعوبهم والانبطاح أمام مشروع يلفظ أنفاسه الأخيرة.
لقد ثبت أن جامعة العرب عاجزة على تأمين الحد الأدنى من التضامن العربي، في ضوء الممارسات والعبر التي تمر بها الأمة العربية. وكثير من تلك الممارسات وغيرها حولت الجامعة إلى جسد عاطل بإرادة أعضائه، فلا هي حي يرجى، ولا ميت ينسى. ومن الطبيعي أن تلد الأمة المريضة مؤسسات معاقة، لا يمكنها حتى أن تحمل نفسها. فكيف تكون هذه المؤسسة جامعة لدول متفرقة؟ وكيف تكون جامعة وهي التي منذ إنشائها لم تجمع دولتين مختلفتين على مائدة وفاق وإنما كانت وراء تعميق الشروخ فيما بين هذه الدولة وتلك تحقيقاً لهدف وجودها وهو تعزيز القطرية وجعلها حقيقة نفسية وسياسية وجغرافية بحيث لا يبقى بين دول العرب ما يجمعها سوى ذكريات التاريخ ومعجم اللغة؟ وأنا كمواطن عربي أرى أنه على العرب الذين تركوا هذا البيت خاوياً من مقومات الحياة، وأشبعوه أصداء أمنيات وبيانات وخطب ذهبت كلها أدراج الرياح، وقرارات كثيرة وافق عليها أصحابها دون أن تكون لهم نية العودة إلى معظمها إلا للذكرى، أن يعرضوا الجامعة العربية وكل ما تفرع عنها للبيع في المزاد العلني، وتحويل تلك الأموال لفقراء الأمة العربية، وأطفالها، ومظلوميها، وجياعها وأعتقد أن هذا العمل سيكون العمل المشرق الوحيد في تاريخ الجامعة منذ تأسيسها عام (1945)، وستذكر الشعوب العربية أن جامعة الدول العربية كان لها الفضل الأكبر في إطعام بعض من فقرائهم، وجياعهم ... خير من أن يذكروها كجسد بلا روح.

 

مصطفى قطبي

باحث وكاتب صحفي من المغرب

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved