مزاد علني

2009-02-16

عرضت إحدى القنوات العربية على شاشتها وقائع مزاد علني على بعض الأغراض الرياضية المستعملة التي أرسلت من أمريكا لبيعها لصالح جمعيات خيرية تحمل نفس الجنسية, جرت تفاصيل المزاد في بلد عربي وتقدم رجال أعمال من مرتبة خمس النجوم لشراء أغراض ذلك المزاد, من بينها دراجة دافيد سون النارية, ودراجة نارية من //api.maakom.link/uploads/maakom/originals/90b003fe-d77a-4f12-bc6e-b9296aec1025.jpeg ماركة أخرى, أحد المعروضات كانت بزة رياضية ارتداها بطل من أبطال سباق الدراجات, بلغت قيمة شراءها مليون دولار حين كان لبنان ينفض غبار الدمار عن أرضه ونساء فلسطين ممزقات وقد هدمت بيوت من فلسطين والعراق وبات أصحابها في العراء, بينهم من ينام على الطوى وبينهم من يموت لندرة الدواء بمباركة أمريكا صاحبة المزاد الخيري والأيادي البيضاء في بلادنا. جال في خاطري أننا نحن العرب لا نعرف كيف نسوق لمشاريعنا الخيرية ولا لقضايانا الإنسانية والعربية, فكيف لم يخطر ببال احدنا حتى اليوم فكرة مزاد علني نبيع فيه ذلك الطرف المبتور لطفل كان يلعب منذ قليل قبل أن تتوزع أشلاؤه على زوايا حارته وتصطبغ جدرانها بدمائه إثر رميه بالموت رشاً من سلاح إسرائيلي صنعته أمريكا خصيصا كهدية عيد لأطفالنا, أو بقايا بنطال أحد المناضلين ممن فجرهم العدو حتى تلاشت أجزاءهم؟ أو دمية لطفلة لم تعد لديها يد تحملها بها بعد أن أسقط الجيش الأمريكي صاحب الأيادي ناصعة البياض المنزل فوق رأسها ورأس ذويها في العراق؟ أو كرسي المناضل أحمد ياسين الشيخ الكسيح الأعمى الذي جاهد حتى الرمق الأخير رغم كل عاهاته؟ وأظن أن ما سيحظى بالسعر الأكبر هو فردة حذاء لامرأة في فلسطين وقفت تلوذ عن أولادها وبيتها فقتلت برصاص العدو ولم يتبق شاهد على وجودها إلا فردة حذاء, فانتم تعرفون أن للأنوثة وقعها الخاص على قلوب الرجال...هذا ما تعلمناه من شاشاتنا وفضائياتنا, حتى صارت تلك هي السمة المعروفة عن الرجل العربي لتستخدم في المزاد حيث كانت الشقراوات تتمايسن بملابسهن المثيرة التي كما يبدو أثارت همم رجالنا في دفع تلك المبالغ الخيالية في المزاد, ولا عزاء لشهيداتنا اللواتي رفلن بثوب الموت بدل الفتنة.
وعندما انتهى المزاد بكسب يتجاوز الأحد عشر مليون دولار فكرت في نفسي.. كم نحن شعب كريم, فنحن لم نكتفي بالعفو عمن قتل أطفالنا وأثكل نساءنا وهدم بلادنا, بل ها نحن نستقبله في أرضنا بكل كرم, ونكيل له بوجوه تعلوها ابتسامة المحبة الصاع صاعين, فهم يقتلوننا ويستخدمون حق الفيتو لمنع أي قرار يدين العدوان على بلاد إخواننا, ونحن نستقبلهم بالأحضان بابتسامة عريضة, ولا نكتفي بالأيام الثلاثة المعروفة عند كرام العرب بالضيافة, بل نعيدهم إلى بلادهم سالمين غانمين وقد تخلصوا من نفاياتهم ببيعها لنا ودفعنا لهم ثمنا خرافيا لا أعرف بالضبط إن كان هذا الثمن سيكفي مقابل كل ما سببناه لهم, و مقابل ماذا بالضبط دفع هذا الثمن؟ مقابل الذخيرة التي استهلكناها على أجسادنا فخسروا ثمنها؟ أم مقابل المجهود الهائل الذي استهلكناه في سبيل قتلنا وتدمير بلادنا؟ أم في سبيل مناظر الدم التي آذينا بها عيونهم وقلوبهم عندما نزفت أشلاؤنا على مرأى من انسانيتهم؟ أو ربما عناء الغربة التي أجبروا على معاناتها عندما قطعوا تلك المسافات الشاسعة
على طائراتهم القتالية للوصول إلى أهدافهم في العراق, إذ انه لم يكن من اللائق تكليفهم بذلك, ربما كان علينا أن نرسل لهم الأماكن المستهدفة إلى أمريكا لكي لا يتكلفوا عناء الغربة على ارض غير أرضهم ومناخ غير مناخهم, أو على أقل تقدير أن ندمرها نحن بدلا من إزعاجهم بذلك.. يبدو أننا كعرب استفدنا من طرقهم الناجعة في التسويق بطريقة واحدة, عندما بعنا قضايانا وانتماءاتنا وذممنا في مزاد علني للفتنة والتفرقة, واحتفظنا بتفاصيل مرة كالعلقم نتباكى عليها عندما يعن على بالنا أن نتلوى ألما ونحن جالسين على أشواك
الخيبة المدببة التي تنخزنا دون رحمة. ربما نعرض في الأيام القادمة خيباتنا في المزاد العلني... وقد نزاود على أوجاعنا...أو دماء إخوتنا وأرواحهم...فهل من مشتري؟؟


--
لبنى ياسين


كاتبة وصحفية سورية

عضو اتحاد الكتاب العرب

عضو فخري في جمعية الكاتبات المصريات

http://lubnayaseen.jeeran.com/
http://uk.youtube.com/watch?v=MEAZt5G12RM

لبنى ياسين

أديبة، إعلامية، تشكيلية سورية .

تكتب القصة القصيرة والرواية والمقالة، ولها مساهمات في الفن التشكيلي

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved