
" الارهاب ليس ارهاباً ، عندما تُنفَذ الضربة الأرهابية الضارية من قِبلِ ( أهل الحق) .""
في 11/01/2015 ساد العالم شعور من الخوف والرعب بفعل الضربة الارهابية على المقرالرئيسي لصحيفة( Charlie Hebdo ) تشارلي أبيدو الساخرة . نشرت صحيفة النيويورك تايمس ( New York Times )، نقلاً عن مراسلها في اوربا الصحافي المخضرم Erlanger Steven ، التفاصيل الفورية لنتائج الحادث الذي اطلق عليه الكثيرون 9/11 فرنسا : "يوم تعالت فيه اصوات صافرات الانذار، طائرات الهيليكوبتر تحلق في الجو، الشرطة منتشرة في كل مكان، نشرات الاخبار المحمومة، حشود الناس القلقة، الاطفال يُخْرَجون من مدارسهم إلى اماكن اكثر امناً . كان يوماً اشبه باليومين السابقين .. دماء .. رعب ، يَعِم باريس وضواحيها " .
صاحب الضجة العالمية أزاء هذا العنف، الشعورُ بضرورة التفكير ب" الجذور العميقة " لمثل هذه الوحشية والذي فهمه البعض كما جاء في العناوين الرئيسية لجريدة النيويورك تايمس على انه " صدام الحضارات " . ردود فعل الخوف والاشمئزاز أزاء هذه الجريمة تم تبريرها من قبل اهل الحق في : البحث عن الجذور العميقة . لطالما وضعنا بنظر الاعتبار الحفاظ على بعض مبادئنا الثابتة، فأن ردود فعلنا يجب ان تكون مستقلةً تماماً عما نفكر به بشأن هذه الصحيفة او بشأن ما تنشره.
الهتافات المشحونة بالعواطف المرددة " انا تشارلي" كان يجب ان لا تعني سواء بالاشارة أو بالتلميح أية علاقة لها بالمجلة ،على الاقل من حيث مضامينها في الدفاع عن حرية الكلام . كان على هذه الهتافات ان تعبر وتدافع عن حق حرية التعبير، عن مضمون ما يفكر به أيٌ كان حتى وإن اعتبر ذا طابع عدائي او خالياً من الحياء . كان من المفترض لهذه الهتافات ان تعبر عن شجبها للعنف والارهاب.
لربما كان رئيس حزب العمال الاسرائيلي المعارض في الانتخابات الاسرائيلية القادمة ( Issac Herzog ) محقاً عندما قال : " لارهاب هو الارهاب. لا يوجد له طريقان ". وهو محق ايضاً عندما قال : " كل الشعوب التي تبحث عن الحرية والسلام، تواجه تحدياً هائلاً ". كلمات لِ ( قاتل و ارهابي ) يطرح تفسيره لمعنى التحدي .
ويستمر Erlanger بحماسته واصفاً مشهد الخوف والرعب، مستشهداً بما قاله احد الصحافيين الناجين من الانفجار" كل شئ اصبح حطاماً.لا يوجد طريق للخروج، تسمع صراخ الناس من كل صوب، الدخان يملأ المكان لكأنني في كابوس " .
صحافي آخر من الذين نجوا من الانفجار أيضاً يذكر: " سمعت انفجاراً هائلا، بعده ساد المكان الظلام " . المشهد، كما يصفه Erlnger نفسه : " اصبح اكثر وضوحاً الان، زجاج مهشم، حيطان متداعية، اخشاب ملتوية، اصباغ محترقة . الاخبار تقول ان عشرة اشخاص قُتِلوا على الاكثر وعشرون من المفقودين الذين يٌعتقد انهم طمروا تحت الحطام" .
وهنا يذكرنا ديفيد بيترسونDavid Petrson ( الذي لا يتعب او يمل) بأن هذه الاستتشهادات التي ذكرهاErlnger في مقالته في 11/01/ 2015 انما هي مقتطفات إستعارها من قصة نشرت له في جريد النيويورك تايم في 24/04/ 1999 الصفحة السادسة . في تقرير آخر له عندما كان يعمل مراسلاً للناتو ( المقصود هنا الولايات المتحدة ) : "صاروخ يضرب المحطة الرئيسية للتلفزيون الصربي" أدى إلى "التعطيل التام في البث ". دافع الناتو والحكومة الامريكية بشدة عن هذه الهجمة وبررت رسمياً كما نقلها لنا Erlnger ، كونها : " كانت محاولة لإسقاط نظام الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسفج " . وفي تصريح مقتضب أدلى به الناطق الرسمي بأسم البنتاغون Kenneth Bacon قائلاً : " محطة التلفزيون الصربي شأنها شأن الجيش الصربي، تعتبر جزء من الية القتل العسكرية " . ولذا فأن قصفها كان مشروعاً من قبل ( اهل الحق ) !!!. وعنما صرحت الحكومة اليوغسلافية بأن :" كل الشعب يقف مع الرئيس سلوبودان ميلوسفج "، عَقَبَ Erlanger على ذلك متسائلاً :" كيف امكن للحكومة ان تكون بهذه الدقة ؟ هذا لم يكن واضحاً لنا " . للأسف ان اغلب هذه التعليقات المثيرة للسخرية خالية من التسلسل الزمني والمصداقية . اهل الحق لم يبقوا لنا اية فرصة للتساؤل عما هو المقصود " بالجذور العميقة "، والتساؤل بات اكثر عُقماً، حول مَن يمثل الحضارة ومَن يمثل البربرية برأيهم !!!.
إذن اسحاق هرزوك لم يكن مخطئاً حين قال : " الارهاب هو الارهاب ، لا يوجد له طريقان" . ولكنني اقول واؤكد، ان لللأرهاب طريقين : " الارهاب ليس ارهاباً، عندما تُنفَذ الضربة الأرهابية الضارية من قِبلِ ( أهل الحق ) ." وعلى نفس الشاكلة فأن الضربة الارهابية التي وجهت للتلفزيون الصربي الذي يمثل وجهة نظر حكومته المعرضة للغزو لا يعتبر إعتداءً على حرية الكلمة من وجهة نظر ( أهل الحق ) . وللسبب نفسه، علينا ان نفهم من تعليقات Floyd Abrams ( محامي الحقوق المدنية ) التي نشرها في ال New York Times دفاعاً عن حرية التعبير على الهجوم الذي تعرضت له مجلة تشارلي أبيدو في انه : " سيبقى ماثلاً في ذاكرتنا الحية لكونه كان من أشد الهجمات، عداءً للصحافة " . انه محق عندما يقول " الذاكرة الحية " التي تحيل الهجمات على الصحافة والاعمال الارهابية إلى اصنافها الحقيقية : هُم الإرهابيون ونحن اهل الحق .
علينا ان نتذكر ان هذا الاعتداء هو واحد من الاعتداءات الكثيرة التي يقوم بها "أهل الحق"على حرية التعبير. وهنا أود ان اضرب مَثَلاً مَحَته "الذاكرة الحية" بسهولة من اذهاننا ... الهجوم على الفلوجة من قبل قوات الاحتلال الامريكية عام 2004 الذي أُعتُبِر واحداً من ابشع جرائم الاجتياح الامريكي للعراق الذي أبتدأوه بجريمة إحتلال مستشفى الفلوجة العام التي اعتبرت بحدِ ذاتها ، واحدة من اسوء جرائم الحرب . بغض النظر عن الاسلوب الذي نُفِذ به هذا الاعتداء ، نشرت جريدة النيويورك تايم بمداهنة و بلا خجل الخبر في الصفحة الاولى مرفقاً بالصور: " قام الجنود المسلحون الامريكان بإخراج المرضى والعاملين من المستشفى بالقوة ،اوثقوا ايديهم خلف ظهورهم كما أمروا آخرين بالانبطاح على الارض" . أشادت صحيفة ال New York Times في تقاريرها الصحفية بهذه الجرائم والتي تَم تبريرها كالعادة من قبل أهل الحق، بالرد التالي:" الهجمة وجهت أساساً على المركز الاعلامي للمقاومة العراقية التي كانت تتخذ من مستشفى الفلوجة مقراً لها" .
من الواضح ، انه يتوجب ان لا يسمح لوكالات دعاية من هذا النوع ، ان تنفث قذاراتها بهذه الوضاعة .

