«فأنفذوا بعث أسامة»، تيمّن الأردنيون بهذا الحديث الشريف تضامناً مع النائب السجين أسامة العجارمة وأطلقوه وسماً؛ تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعية في الأسبوع الأخير قبل المحاكمة، ليبدأ وسم آخر مضاد «عبث اسامة» يُدين العجارمة .
ولكن وللأسف لم يفلح الشارع الأردني والتضامن الشعبي الهائل بتغيير ما أبرمه القضاء، فقد أصدرت محكمة أمن الدولة حكمها على النائب المفصول أسامة الرحيل العجارمة 26 يناير/كانون الثاني بالأشغال المؤقّتة لمدّة 12 عاماً بتهم عدّة، أهمها تهديد حياة الملك .
كما وقرّرت المحكمة في الوقت نفسه على باقي المتّهمين المشتركين مع الأخير بالوضع في الأشغال المؤقّتة لمدّة تتراوح ما بين سبعة أعوام وثمانية .
تناول الشارع الأردني العام الماضي عبارة جديدة مؤطّرة بالاستهجان والاستغراب في آن، حيث صادق الإدّعاء في محكمة أمن الدولة يوم 25 أغسطس/آب على نصّ لائحة اتهام ضد عضو البرلمان المفصول، تحت إسم «التهديد الواقع على حياة الملك»، عبارة ليست رائجة أبداً في تاريخ الأردن، وعلّها نادرة في التاريخ الحديث .
الاتهامات المصادق عليها لا تقف عند تهديد حياة الملك، لا بل عصيان مسلّح وأعمال إرهابية والمساس بالأمن العام، بالمقابل نفى النائب السابق السجين العجارمة التّهم المسندة إليه، وأخبار تتحدّث عن إضرابه المفتوح عن الطعام وتردّي حالته الصّحّية، لدرجة عدم قدرته على الحركة والكلام؛ أعاقت نقله آنذاك من السجن للتحقيق .
الاحتقان يولّد الانفجار؛ علّ الشارع الأردني وتوغّل النظام وتنفّعه الآن هو المثال الجاثم على صدور الأردنيين؛ جلّهم وجد بالنائب أسامة العجارمة ضالّته ليقتصّ من رجالات الدولة المتنفّعة ويُخضعها رغم أنفها لرغبة الأردني .
تعاطف الأردنيون مع النائب العجارمة لطرحه بداية موضوع انقطاع الكهرباء الذي شلّ الأردن العام الماضي، حين أرجأت الحكومة ذلك لذرائع واهية سخيفة آلت إلى مجلبة للسخرية بين طائر تسبّب بإنقطاع الكهرباء أو جرذ ضال، بالإضافة إلى مسيرة عشائرية آتية من الجنوب إلى العاصمة عمّان، تضامناً مع أهلنا بفلسطين، تحدّث عنها العجارمة، والتي أعاقها الأمن بقطع الكهرباء عن معظم محافظات المملكة منعاً لوصول القوافل التضامنية، حسب طرح الأخير .
كلمة النائب تحت قبّة البرلمان أثارت غضب وحنق الأردني الملتهب على الحكومة ونهجها المترهّل وتعمّدها عدم سحب السفير الإسرائيلي ليثأر لأخيه الفلسطيني من انتهاكات الإحتلال المتواصلة؛ لامست نجلاء الشارع «المستوي» جوعاً وعطشاً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، هذا مع احساسه بالضعف وقلّة الحيلة أمام إنفاذ الدولة قرارات لا تمثّل الشعب على الإطلاق، لا بل تجابهه وتناقضه عرفاً وديناً وعروبة .
خَلُصت كلمة النائب العجارمة بـ «طُز» للنظام الداخلي والمنظومة البرلمانية برمّتها، ممّا دعا إلى تجميد عضويته لعام في 27 مايو/أيّار بإنعقاد جلسة برلمانية سرّيّة لم تتجاوز الـ ٥ دقائق، أُعتمدها النواب دون مناقشته على الإطلاق، فيها دلالة كافية على عيشنا تحت هيمنة نظام بوليسي دكتاتوري، فبرلمان يصوّت - وأشكّ بذلك - أو يعتمد مثل هذه القرارات لا يُحترم؛ فقد كان بالإمكان حلّ «الطُز» بطريقة دستورية بدلاً من الهيمنة والفوقية التي يمارسها النظام التنفيذي .
كردّة فعل قدّم العجارمة استقالته في 2 يونيو/حزيران لضعف الآلية البرلمانية وعدم استقلاليتها بالعمل التشريعي، وتدخّل الملك وقت شاء بحلّه وتشكيله - حسب نصّ الاستقالة - والتي أُعتبرت بمثابة صفعة حقيقية للحكومة وخطوة جريئة غير معهودة؛ وضع الأخير الحكومة أمام أمر واقع جديد لإعادة النظر بتفعيل الآلية الديمقراطية، وليس برلمان بمثابة «سروال» يُخلع في المساء ويفصّل آخر على مقاس خلفية الدولة .
الزحف العشائري إلى ناعور
هذا كلّه جعل من النائب العجارمة البطل المنتظر لتحرير الأردنيّ من سطوة الحاكم وظلمه، فالتفّ الشارع حوله، ليتساءَل الأردنيّ تزامناً مع ضجّة خلّفها الأخير عن استقالته، رغم الاصطفاف القبلي والشعبي خلفه، فهو النائب الذي توسّم أهله والأردن به خيراً؛ ما دون ذلك فالخيار الأكثر حكمة كان الرجوع تحت القبّة ليُمثّل نبض الشارع كسياسي؛ بدلاً عن ذلك دعا الأخير إلى تجمع عشائري في ناعور، جنوب العاصمة مكان إقامته وتجمّع عشيرته، مستشهداً بتحالف العشائر إبّان ثورة البلقاء في عام 1923م، فأقام بيوت الشَعر «خيم» وبدأ بإستقبال القبائل المتضامنة معه، ليتفاقم مع تزايد الوفود الداعمه له جنون العظمة وتمرّده على الدولة والمغالة والتعصّب للوطن والقومية بالعنجهية؛ دلّت عن غياب رزانة العقل والإستحكام في التحزّب، وخاصّة بالتعصّب الأعمى لمرجعية العشيرة ومحاولة منه استبدال دور الأخيرة البنّاء بالهدم، من خلال استخدام أرعن لمؤيديه؛ كان آخرها الحالة الهستيرية التي عاشها الأحد 6 يونيو/حزيران وساهم بها مَن حوله والتي تجاوزت الحالة المرضية .
الالتفاف القبلي حوله حينذاك لم يكن حكيم، وخاصّة بعد تصريحاته الداعية للقتل وإن كانت مجازاً؛ تعريضاً للملك بعبارة «وضع رصاصة بين عينيه» داخل مجلس النواب، هو خطاب بعيداً عن الإصلاح، إنّما هو تحريضي يرجع بنا إلى ما قبل الدولة .
الربط الآن بين الغضب الشعبي الذي يسبّبه الأداء الحكومي المتدنّي والمراوغ واستخدام العشيرة الذي دعا له النائب المُقال أسامة العجارمة معضلة لا يجب الخلط بينهما، لذلك فأنّه وبظلّ الفوضى العارمة التي تجتاح الأردن أصبح الإتكاء على العقل ضرورة مُلحّة، حتى نرقى إلى النقد البنّاء وخطاب إصلاحي رزين، بعيداً عن إجحام الدولة في حالة تمرّد طائشة ورعونة، دون أن يتجاوز حدّ تضامن أعمى، وثورة هوجاء يقودها تصرّف غير متّزن لنائب أغواه اسمه في الصحف والتفاف هائل بحسن النيّة وهمّ الوطن المسكين حوله .
الشاب الغيور الجريء النائب السابق والضابط اسامة العجارمة اعتاد السمع والطّاعة، ويُسمع ويُطاع؛ غرّرت به القبيلة وضلّلته و«نفخته»، فامتطى الخيل وشرع السيف بعرف القبلية وحمل البندقية بحسن نيّة، وتكلّم بلغتها بدل السياسية، ولجأ إلى العنجهية عوضاً عن الدبلوماسية، وعندما خانه اللفظ الأردني تركته العشيرة إنصياعاً، وانفردت به الدولة فرصة والأجهزة الأمنية، وحاسبته على كلام اللغو، فحاكمه القضاء على أنّه تعريضات انقلابية ليكون عبرة لكلّ الأردنية .
أسامة العجارمة ضحية العشائرية، ترفع ولدها حتى يظنّ أنّه قادر، فتسحب البساط من تحت قدميه بأول رسالة من ديوان الملكية فيهوي، ومن شدّة الوقع يقول عن الهوى فتحمله جرّاً البوليسية .
ثلاث جدّهن جدّ وهزلهن جدّ، الطلاق والنكاح والعتق . في الأردن يا أسامة واحدة، الملك .