نجيب محفوظ الذي يجهله قراء الإنكليزية

2012-10-04
 . مرت الذكرى المئوية لولادة رائد القصة والرواية الواقعية المصرية نجيب محفوظ الذي لاتزال عبقريته غير معروفة في نطاق قراء اللغة الإنكليزية ، وسط صخب القاهرة التي تعيش ربيعها الثوري والحائز على جائزة نوبل ، المولود قبل 100 سنة في 11 ديسمبر / كانون الأول 1911 في عائلة كبيرة ، ناقلا البهجة عبر اكثر من 30 رواية و 350 قصة متأملا وساخرا فيها من الواقع اليومي والحياتي في بلده ، كما ورد على لسانه في سيرة حياته الذاتية الصادرة عام 1994 وهي واحدة من الكتب المفضلة أوجز فيها فكر الثورة مع تطور مراحل حياته وكيف أنها كانت السبب في غلق أبواب مدرسته مؤقتا وهو بعد صبي في السابعة من العمر والتي قال فيها : ( دعوت الله من أعماق قلبي أن تستمر الثورة الى الأبد ) ، هذه الثورة كانت نقطة تحول في التاريخ المصري ألهمت محفوظ الذي كان ثوريا على طريقته الخاصة كما أعتقد ومتحمسا للقومية ، ثلاثيته الباذخة والتي سميت وقتها بثلاثية القاهرة وهي " بين القصرين " و " قصر الشوق " و " السكرية " بدأها من الثورة ضد الاحتلال البريطاني عام 1919 وامتدت الى نهاية الحرب العالمية الثانية ، انها عمل غني وجذاب قدم فيها صورة واقعية ومفصلة لمدينته القاهرة ، لفتت هذه الثلاثية بعد ترجمتها الى الإنكليزية انظار النقاد الذين عقدوا معها مقارنات مع اسياد الرواية الأوربية والروسية مثل بلزاك ، تولستوي ، وديكنز .
عندما التقيته في مقهى في القاهرة القديمة ، قال لي نجيب محفوظ أنه ومنذ ما يقرب من عشر سنوات مضت قد قرأ الكثير من الروايات الأوربية عندما كان شابا ، أضاف ايضا أنه واصل قراءتها فالكاتب يجب أن يقرأ ، وقد قضينا أمسية جميلة معا أحاطنا فيها مجموعة من أصدقاء عمره كما يقول الذين يجتمعون معه في كثير من الأحيان لمواصلة نقاشاتهم وهم يرتشفون القهوة الثقيلة ، في لقائي معه قال : " ديكنز ، بطبيعة الحال يكتسب أهمية خاصة لدي " ، وقال أيضا : " انه من خلال كتبه استطاع ان يزيح الظلام بضوء كلماته عن العالم آنذاك " .
وجدته في تلك الجلسة يمتلك طاقة هائلة وابتسامة سريعة مع أنه كان ضعيفا جسديا بسبب تقدمه في العمر ، هذا الجسد الضعيف لم ينجو من محاولة لقتله قامت بها الجماعات الأصولية الإسلامية عام 1994 وخاصة من شبابهم الذين لايوافقون على أعماله كونها تدعو للعلمانية الى حد كبير وتمكن احد مهاجميهم طعنه في رقبته ، لكنه نجا منها بإعجوبة مما تركت عليه آثارا عانى منها وهو يعيش سنواته الأخيرة ، لكنه بطريقة ما واصل الكتابة التي من أجلها كرس كل طاقاته لها متقاعدا حتى عن وظيفته في وزارة الثقافة عام 1973 بعد أن عمل كموظف حكومي بها لعقود طويلة ، وبنفس هاجس الكتابة ذاك فقد تأخر زواجه حتى بلوغه الأربعين من العمر ، وقال لي " كنت دائما أسعد عند منضدة الكتابة في بيتي " ، وأردف موضحا انه كان يكتب صباحا ويأكل في فترة ما بعد الظهر ويقضي المساء مع أصدقاءه في المقهى .
ثلاثيته القاهرة كانت قد اجتذبت قاعدة عريضة من القراء خارج العالم العربي مما أدى الى فوزه بجائزة نوبل عام 1988 مع أن قدرا كبيرا من أعماله لم يتم ترجمتها الى الإنكليزية فمحفوظ من أكثر الكتاب تعقيدا ومختلف عن غيره من الناطقين بغير العربية ، ومع ذلك يود القراء هناك معرفة المزيد عنه وعن أعماله التي تتصف بالواقعية ، على سبيل المثال منها أولاد حارتنا التي هي قطعة من الخيال الابتكاري صدرت عام 1959 ثارت عليه بسببها المؤسسة الدينية الذي كان من نتائجها العنف الذي تعرض اليه .
في واحدة من محاوراته يسأله أحد مواطنيه عن الحكمة من محبته للآخر فيرد قائلا : " إذا كنت قد أحببت بصدق العالم ، فالعالم الاخر سوف يحبك " وهو ما كان يرد في اصداء سيرته الذاتية ، والذي أعرفه من كتبه أن محفوظ أحب العالم بعمق وليس لدي أي شك في ذلك .
كتابة / الناقد الإنكليزي جان بارني 12 ديسمبر / كانون الأول 2011
عن / صحيفة الغارديان اللندنية

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved