نقاشٌ حولَ الجنس في كتابات حنان درقاوي

2009-06-29

في فنّ الإخراج المسرحيّ ثيمة فجّرها ( بريخت) : الفجوة - مسافة التوتر . وتتوضحُ الفكرةُ حينَ مشاهدةِ المسرح الحديث , حينَ يخاطبُ الممثلُ الجمهورَ , وهذا ما لمْ يكنْ عادة المسرح الواقعيّ . لكنْ , بريخت أرادَ من هذا التقطيع المسرحيّ صدمة الجمهور : أنّ ما ترونهُ هو تمثيلٌ محضٌ, وليسَ واقعاً . أتيتُ بمثالٍ عن بريخت , وسآتي بمثالٍ آخرَ (لجورج بوشنر) لاحقاً . أعني هنا : أنّ نصّ توسيع العانة يعتمدُ على تقطيع مسرحيٍّ ( روائيٍّ هنا) المؤلَّف و المُعتمَد على عدة أصوات متداخلة بقصديّة فنية أرادتها درقاوي لقارئها المتعدّد ,لا لقارئ يقرأ بعدا واحداً في النصّ . هذا عَودٌ على بَدءٍ . أظنُّ أنّ درقاوي تعلمُ جيداً أنّ تاريخَ الفتوح//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/6aa40fce-f182-471a-b117-bdf754fedc11.jpeg ات بُني على دماء طاهرة . وسُمّي عصرُ الفتوحات بهذا الاسم جدلاً ليس إلا . السلطاتُ السياسيّة الدموية أسمت العصر الدمويّ بالفتوحات . دونَ نقاشٍ حولَ مسألةِ كيف تمَّ الفتحُ ؟.أسمتهُ بهذا الاسم لإخفاء قهرها و دمويّتها , (فالخليفة: أو ما شابهه من أسماء ) يقتلُ و يسفكُ ويهتك الأعراضَ ( واقعيّاً لا كتابيّاً ) و يُسمحُ له , أمّا مَنْ يكتبُ أدبا يُشمُّ منه الجنسُ يرفضه أيتامُ الخليفة (الجديد )المقهورون (الجدد ).
(على نفسهِِ فليبكِ مَنْ ضاعَ عمرُه - وليس له فيها نصيبٌ ولا سهمُ ).
القائلُ :( ابن الفارض ): في تأويل قصائده خلافاتٌ كثيرة , شأنهُ شأنُ جميع المتصوّفة , قد يجدُ البعضُ في حبّهِ حبّاً أرضيّا , و يجدُ البعضُ الآخرُ حبّا سماويّا , ما أقرأه لحنان درقاوي بينَ الحين و الحين أجدُ أنّ ثمة مسافة روحيّة في كتاباتها , أحيانا تكتبُ عن الزاوية الدرقاوية بقلم صوفي , قد يجدُه غيري خلافَ ما أذهبُ إليه . و حيناً تكتبُ عن (الجنسانية ) مُستعملة حجتها :( فريدة العاطفي ) , الشجاعة تكمنُ في تناول المواضيع الجنسية التي يرغبُ بها الكلّ في الخفاء , وينقدُها البعضُ علنا . من هنا يتفجّرُ مصطلحُ ( الإنسان المقهور ) الذي يرغبُ بشيء , وبنفس الوقت ينبذه .


في ( ا//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f79a0023-7938-4d1d-aeb0-108b5d6af683.jpeg لإنسان المقهور) الذي تُطبّقُ نظرياتُ الكتاب على كلّ امرئ في الكون , ولا يُستثنى أحدٌ , لو حذفنا ما يتعلقُ بالجنس من التراث العربيّ , لحذفنا الجزءَ المرنَ الباقي منه( الحقيقي)،  يجبُ أنْ يفتخرَ العربيُّ أنّ له هذا التراث الايروتيكي الذي ينافسُ الآدابَ العالمية من حيث طريقة الحريّة والتناول معاً . لو حذفنا قصائدَ امرئ القيس وأبي نواس وحكايات ألف ليلة وليلة والقصص الجنسية من كتاب الأغاني , ماذا سيبقى من التراث العربي , سيبقى ما يرتاحُ معه مَنْ يجدُ في نفسه ثباتاً غيرَ قابل للنقاش , من هنا أقرأ ( حكايات حنان درقاوي) التي تجيدُ سردَ الحكايات الجنسية ' ربّما متأثرة بألف ليلة و ليلة ,فمِنْ حيث ندري و لا ندري : باتَ الخطابُ الوعظي السلطوي يتحايلُ (بذكاءٍ )على ممّنْ يجيدون منبرية الكلام الرقمي . مرة أُخرى : الإنسان المقهور هو نفسه يرفضُ الكلامَ الجنسيّ علناً , ويمارسُه بهمجية في الخفاء .


ثمة قولٌ لعلي بن أبي طالب : ( ما منْ عالم إلا و غَلَبْتُه , وما من جاهل إلا و غلبني ) . أدركُ تماما ما تذهبُ إليه حنان درقاوي من آراء حول القراءة العادية للمرء , نحن نعيش في عصر قلتْ بل انعدمت القراءاتُ فيه ( هذا ما أقوله دائما) . فكيف بقراءة الكتب الجنسية ؟, أتتْ درقاوي بمثال : ( الروض العاطر : للشيخ النفزاوي) مع ملاحظة :(إنه شيخ ), ويكتبُ بهذه الطريقة البهية عن الجنس . لا أدري هل نحذفُ كتابه من التراث العربي, سيكونُ الجوابُ (بنعم ) لمَنْ لا يتقبلُ الكتابة الجنسية .
يجبُ أنْ يفكر الإنسان المقهور بعيشه , و يترك كلّ ما عداه . هذا ما يريده البعضُ من إنساننا . يجبُ أنْ نزيد عليه قهراً إضافيا . يجبُ عليه ألا يفكرَ و يكتبَ و يتغنى بالحبّ و الجمال والجنس. أهذا هو المطلوب منه ؟ كما في مدارسنا -نتعلمُ- كلّ شيء ( النضالات والبطولات الكلاسيكية والحديثة ذات البعد الواحد) ويتدرب الطلابُ على كلّ شيء إلا الاقتراب من ( السياسة والدين والجنس ) ولذلك نزدادُ قهرا وتخلفاً . وتزداد الأُمية الثقافية يوما بعد يوم .
يبدو أننا نعيش في عصر الإرشادات و الوصفات النقدية الجاهزة وصبّها على الآخرين كي يكتبوا ما نمليه عليهم . وإنْ لم يفعلوا ذلك , فلهم الويل . أتعجبُ ممّنْ ينظّرُ ( نقديا) بطريقة الإملاء على الآخرين . و بنفس الوقت يدّعي الحرية , من أُولى صفات المُتدين التناقضُ في الكلام الذي يقوله في العلن شيئا , وفي السرِّ ما يناقضه , وقد كثرتْ في السنين الحالية نغماتُ التصدّي للآخرين بحجة ( العيب و الخجل ....) من الكتابات الأدبية الجنسية التي يكتبها الأدباء . فكيف الحالُ إنْ كانت الكاتبة أُنثى , أقرأُ التناقض بكثير من الحرص : في وعي الإنسان المقهور جملة من سمات الفكر التلقينيّ , وقد تلقاها سابقاً بطريق الإملاء , فيجبُ عليه (تاليا) أنْ يمارسَ نفسَ الأسلوب على البقية الباقية من البشر الذين قد يتمتعون بقدر مقبول من الحرية الكتابية . ألا تكفي مراقبة السلطة السياسية على الكتابة , ها أننا نتلقى ( نصائح منبرية ) السلطة الأدبية , وأية سلطة , إنها رقابية آمرة.... ناهية , والفرقُ بين السلطتين . ربما تكون الأخيرة أشدّ عنفا . وأكثر بذاءة من الأولى , خاصة إذا كانت الحجة موجودة : ( كيف سيقرأُ أولادنا هذه الكتابة الجنسية ) .
إنّ ممارسة وتوجّه الإنسان المقهور ( المتخلف) ونظرته إلى الذات هي في الأساس نماذجُ دفاعية لمجابهة مآزقه , وهي نفسها التي تشكل صدّاً في وجه تغييره الاجتماعي , وتدليلاً عليه : يجد المقهورُ نفسه في الموقف من الأنثى , ويصبُّ كلّ تراكماته المأزقية الراهنة والسابقة على هذه المرأة , فكيف إنْ كانتْ كاتبة , بل أبعدَ من ذلك , كيف إنْ كانتْ تكتبُ عن الجنس ؟, حينها ( يحاكمُها ) بطريقة تجزئة نصها ( نص درقاوي هنا ) ويصبّ كلَّ تبخيس وتتفيهٍ في القيمة . سآتي بمثالٍ لقراء درقاوي : لماذا لا نقرأُ نصها كاملا دون أنْ نجزِىء ونحطم المتنَ بتفتيته ووضع الجماليات على طرف , واستئصال ( مفردات جنسية ) على الطرف الآخر . ثم النهش والذبح فيه . نص درقاوي هذا ( يجب) على الآخرين أنْ يقرأوه ككلٍّ , لا كجزءٍ منفصل عن مجمل جمال النص .


في علم النفس التحليلي : ذبحُ النص هو ذبحُ الكاتب ( الكاتبة هنا ) والنهشُ في جسد النص ( هو نهشُ جسد الكاتبة ) وتجزئة النص عن مساره ( هو تجزئة وتفتيت جسد الكاتبة ) . بمعنى أنّ النص هو الكاتبُ نفسه و قد تحوّل إلى حروف وفواصل وآلام. من هنا أفهمُ تجزئة وتفتيت وتنهيش نص حنان درقاوي من قبل ممّنْ نصبوا أنفسهم حكاماً (و أدواتٍ ) ليقتلوا الحرية , أينما كانتْ. قال فرنسي : إنّ الأسلوب هو الرجل , من هنا أفهم الكلام كيف تُنهشُ وتُجزَّأ وتذبحُ حنانُ درقاوي .
مواجهة الفساد بالجنس من خلال فنّ توسيع العانة :
باتت المقروئية من مشكلات العصر السريع الذي نعيش فيه , قلتُ سابقا :إننا نعيش في زمن انعدمت القراءاتُ فيه , ها أنا أجددُ طرحي القديم - الجديد . القراءة الأولية ( كي لا أقول القراءة السطحية ) هي من مشكلات انعدام القراءة . أميّز هنا بين قراءتين : إنّ قراءة نصّ درقاوي قراءة هامشية , لا تعطي أيَّ تحليل , إلا التحليل المُعاتِب : لماذا كتبتْ درقاوي بهذا الأسلوب , ولم تكتبه بذاك ؟. هذه القراءة هي التي خلخلتْ بنية الإنسان , ولم تضعه موضع السؤال والتساؤل. و هذا ما تملكه ذهنية القراءة العربية ( غالبا) و كانتْ بعضُ القراءات من هذا النوع , ولذلك صُلب و عُذب و قتل الكثيرُ من المتصوفة لأنهم ( حوكِموا ) من خلال هذه القراءة التي زادتْ جهلَ العربيّ جهلاً إضافيا ,
و أفرّقُ ثانيا : القراءة التي أعنيها : قراءة الأبعاد لنصّ درقاوي . مَنْ قال بأنّ ( توسيع العانة ) نصٌّ جنسيٌّ و كفى . الجنسُ فيه طافحٌ , نعم . وهذا دليل عافية درقاوي التي لا تعترفُ بمَنْ يضع بين إبطه عصا غليظة مهددة و ضاربة بالويل والثبور , نص درقاوي يعالجُ مشكلاتٍِ جوهرية في بنية المجتمع العربي الاستهلاكيّ الذي بات الأدبُ جزءاً منه ( وهنا الطامة الكبرى : حين يصبحُ الأدبُ سلعة ) نصُّ درقاوي يسخرُ من سلطة سياسية قمعية ونفعية( براغماتية ) تتاجرُ بجسد المرأة , السلطة السياسية تستعملُ أدواتها حين تتاجر بجسد المرأة , الأدوات جاهزة في الأعمّ الأغلب : (الدين ). وهذا ما تفضحُه درقاوي من خلال هذا النص ( و أيّ نص يحمل ايروتيكاً ناصعا ) السلطة السياسية تنظر إلى الحالتين نظرة تشفٍّ واستهتار . ولهذا تمّ إبعادُ كلّ النصوص التي تتناول الجنس . لكن في الخفاء , يحصلُ التالي : التجارة بجسد المرأة هي التجارة الرابحة عبر العصور العربية . تمنيتُ أنْ يطول النقاشُ , وها قد طال , وقد نختلف فيه أو نأتلف , لكن ( أخيراً ) في حفريات المعرفة لفوكو استدلالٌ يؤدي إلى برهانٍ : كيف نقرأُ الجسد ' و كيف نحاكمه ؟. رجاء : (اقرأوا قبلَ أنْ تحكموا ).
في القراءة الداخلية لنفسية الإنسان المقهور ( المتخلف ) : ثمة سطوة عنفية في التعامل مع الآخرين . وإنْ كانَ الآخرون ( آل بيته). العنف الذي أقصده : الهمجية في التعامل وتصميت الآخرين بأيّ سبيل كانَ . الإنسان المقهور يستعملُ النصائح والأوامر في بداية الأمر , ثم يطوره ليصبح شتماً ,فصفعاً , وربما أبعد من ذلك : يصبح اغتصاباً ( أقصد اغتصاب المقهور لزوجته مثالاً على ما أذهب إليه ) كلُّ ذلك ليمارس قهره عليها . و عليه يكونُ المقهور منبوذاً من الكلّ الذين علموا بمراميه المكبوتة , ومن هنا يزدادُ المقهور عنفاً فيحطمُ كلَّ ما يريده المجتمعُ , وكل ما بناه غيره من جمال .
في حالة مستجدة : المقهور يطلقُ على نفسه صفاتٍ , كان ينبغي من الآخر أنْ يسمه بها . مثلاً : المقهور يدعي الثقافة والعلمانية والحوار . هذه الصفاتُ يطلق الغيرُ على الآخر . لا الذاتُ تقولُ عن الذات هاته الصفات .

متابعة : عبداللطيف الحسيني .سوريا
alanabda9@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved