نص بثلاثة اجزاء

2015-04-03
 
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/72833223-5089-482a-8899-12cffed341ed.jpeg
 لا حاجة للشمس (1)
مد ساقيك و لا تخف..
تخيل ولو لمرة واحدة ان المكان لك وحدك ، وان الوقت نهار حتى لو رأيت النجوم بعينيك تتألق وسط الظلام.
ودع لجشعك ان يحلم بزهرية تحتضن جزءا من الطبيعة الخلابة، جزءا صغيرا جدا، كبضعة أغصان تعتليها زهور القوس قزح .
مد يديك كما لو انك قد تحولت الى طائر..
لتكن بحجمك الذي يوازي الحلم..
ان تحقق لك ذلك ، ولو للحظات..لا تفكر بالعودة ابدا.
 
 
لا حاجة للشمس (2)
يقال أن صاحب المنجم قد رتب الأمر بما يتيح له التمتع حقا بالحياة، لديه نافذته الواسعة الحريرية الستائر، ولديه شمسه التي تعمل بأزرار مستوردة، صباحه المنتقى من افخم الحدائق، اوقاته المختارة بعناية من اجمل بقع العالم .
عماله صنفوا في منجمه اللامتناهي الأبعاد وفق قدراتهم العقلية والجسدية ومواهبهم، لا أخطاء ترتكب، فهناك الحاسوب الذي يعطي تفاصيل تامة عن المهارات والقدرات..
الجنس هنا غير مهم، انثى او ذكر، الكل يعمل في خدمة سقف المملكة ليظل مرتفعا فوق جدران القصر واصحابه.
هنالك علاقات يترفع عن ذكرها حتى الحاسوب تحدث بين الاجناس المختلفة، وبين النساء والرجال، وبين ابناء العرق الواحد، او اللون ...الخ.. ، في النهاية تعاد صياغة المعادلات الحسابية بأسرع ما يمكن وخلال ثوان تتزن كل الصغائر لتخلق كبائرها الراسخة أبدا، قد تخرج بعض المعادلات عن سكك سيرها المعتاد فتنطلق صافرة ألإنذار المرعبة، ليظهر جيش الرب الأعلى من حيث لا يعلم أحد كي يتخذ اجراءاته، وهنا ليست من حاجة لإحصاء حالات الإغماء والوفيات الناجمة عن سماع صوت الصفارة و قبل وصول الجيش وأثناء وجوده وعند المغادرة ايضا .
يوم ولدت أنا قيل لي ان ابي قد اقتيد نحو ثكنات جيش الرب لأنه افتعل احتجاجا غبيا، ولم يعد ابدا..
أدركت في سن مبكر ان لا جدوى من إلإحتجاج الغبي فهو محكوم عليه بالنهاية سلفا، وعلمت أن الخروج من هنا مستحيل طالما لا نعلم اين نحن، لا خريطة لدينا، ولا فكرة عما هو خارج المكان الذي نولد ونموت فيه .
المستشفى القائم لأجلنا يعالج الكثير من الأمراض التي قد تضطرب لها شؤون المملكة، كما أنه يقرر انواع الفحوصات الدورية، و يحيل حالات العصاب النفسي الى ردهات العلاج المبتكر .
بضع حركات إفتعلتها نبهت طاقم الرقابة الى خلل جسدي او نفسي قد حدث في منظومتي، مما دفع باللجنة الطبية الى إحالتي لقسم العلاج المبتكر، وهو ما كنت أود زيارته .
ربطت يداي وساقاي وأنا ممدة على سرير مريح الى اجهزة كثيرة ، وجلس اكثر من إمرأة ورجل طلبوا مني النطق ببعض المفردات المتداولة .
كنت ارى وجهي على الشاشة بين التجهم والسعادة والى جانبه تظهر ارقام لا تحصى تنتظم في بيانات .
في النهاية ذكروا لي المفردات التي اسعدتني ومعها ايضا ما أغضبني وما أبكاني .
المرحلة الثانية كانت تحت تخدير تام..
لم اعرف ما حدث بالضبط ، فأنا لم اجد جرحا او خيوطا جراحية، غير إني شعرت ان قاموسي اللغوي قد تقلص كثيرا، وإني لم اعد أذكر الا بعض الكلمات الضرورية لمواصلة الحياة .
يومها عرفت ان العلاج المبتكر هو افضل مكان في المنجم كله، وعرفت أيضا ان معظم من حولي قد دخلوه لمرات لا تحصى..
أنا لا أذكر لم دخلت، لكني على يقين الآن ان اهل القصور ليسوا بأسعد مني..
كلمات قليلة.. طلبات أقل.. عمل بعضلات ثور.. ونوم أشبه بالموت.. ونهار يتوهج بهجة.. و لا حاجة للشمس..
 
 
لا وجود للشمس 3
لم اعد اطيق راسه المربع الشكل.. ليس لأنه مربع، بل لأنه لا يتخيل وجود الأشكال الأخرى للرؤوس كالمستديرة والمثلثة و المستطيلة ، واكثر ما يستفزه ان يكون الرأس مرنا وقابلا لتغيير شكل محيطه الخارجي الظاهر كما هي الأميبا .
هل أنا اتمرد لمجرد التمرد؟..
هل أنا الوحيدة التي تظن أنه على خطأ ؟ ، وإن زياراته بين الحين والحين هي لأرى أن رأسه مختلف جدا؟ ، وأن ألإختلاف الذي لا يد لي فيه هو من قادني الى السجن ما أن أدركت بحواسي الأربعين أني هبطت الآن من عالم الموتى ؟
كرهت مساطره وزواياه القائمة.. كرهت القوانين التي يظنها قاطعة تماما..
متى بدأ ذلك؟؟..
لا أجد صعوبة في التذكر.. إنه في شهر مارس ، والإحتفال بأول شهيق للموتى..!!.
كان علي أن أرى وجهه ساخطا..
أول وجه أراه يحملق فيّ بغيظ..
أول وجه أراه على الإطلاق..
طفرة وراثية من عصر ما ولدت فيه.. ألقتني في زاوية من سجن غير مرئي..
المؤلم أن هذا السجن المثالي لأستقبال المخلوقات المشوهة الشديدة الخطورة على ذوي الرؤوس المربعة لا تقوم له زاوية، ولا جدار..
انه لزج ، يتقلب عبر فضاء دون بوابة تذكر ، دون نافذة تدخل منها الشمس..
لا تذكرة للعودة..هناك ربما سأجد اشباها لي من الموتى الأحياء..
ربما أجد كائنا واحدا برأس بيضوي..
كل ما حولي من مرايا مرنة تريني المخلوق الوحيد المتواجد في زنزانتي برأس بيضوي مغضوب عليه ابدا..
ألحياة التي وهبتني شهيقها.. جعلتني أتذوق موتي دون قياسات هندسية منطقية .. أو تفسير لمعنى سيادة الزوايا القائمة.. على بيضوية رأسي..!!!.
 
د.ماجدة غضبان 

كاتبة عراقية

طبيبة بيطرية

tabohat.blogspot.com

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved