أدانت محكمة أمريكية أبوين بقتل ابنهما البالغ من العمر 18 شهرا، بعد إرغامه على اتباع نظامتغذية نباتي صارم (فيغان) ترى المحكمة أنه تسبب في تجويعه وضعف بنيته ثم وفاته.
واعتمد النظام الغذائي على الخضروات والفاكهة فقط، واستبعاد أي أنواع أخرى من الطعام. وهو نفس النظام المطبق على إخوة الطفل الثلاثة الأكبر، وهم في الثالثة والخامسة والحادية عشرة، والذي تسبب في تردي حالتهم الصحية، كما ذكرت المحكمة.
وجددت هذه الواقعة الجدل بين مؤيدي نزعة النباتية الصرف (فيغان)، الذين ينطلقون من فلسفة أخلاقية ترفض استغلال الإنسان للحيوان وتدعو إلى انسجامه التام مع بيئته، والمعارضين لها الذين يرون فيها أحد أشد الأنظمة الغذائية صرامة، والذي يولي رفاهية الحيوان الأهمية الكبرى.
وفي الثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول، صوّت مجلس مدينة نيويورك الأمريكية لصالح قرار يمنع بيع كبد الإوز، أحد أشهر الأطباق الفرنسية، بسبب ما ينطوي عليه من قسوة تجاه الحيوانات.
وتستخدم لصنع هذا الطبق كبد إوز أو بط يتعرض لعملية تسمين، كي يتضخم الكبد ويصبح جاهزا للطبخ بطريقة مخصوصة.
.
وهذا القرار ليس جديدا على الولايات المتحدة، إذ أُقر قرار مشابه من قبل في ولاية كاليفورنيا. ويخصص يوم الإثنين من كل أسبوع في مدينة لوس أنجليس لتناول وجبات خالية من اللحوم.
وكان هذا النوع من الأطباق، وغيره من أشكال القسوة ضد الحيوانات، وراء ظهور نظام التغذية النباتية الصرف (الفيغان)، الذي يحتفل به أنصاره في الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، في ما يُعرف باليوم العالمي للنباتية الصرف.
ويمنع نظام التغذية النباتي الصرف استهلاك أي نوع من اللحوم، وأي منتج به مشتقات حيوانية، وأي منتج يساهم النشاط الحيواني في صناعته بشكل غير طبيعي.
ويختلف هذا النظام الصارم عن نظيره النباتي، الذي يمنع أكل اللحوم والأسماك والدواجن، ويسمح باستهلاك المنتجات المستمدة من الحيوانات، مثل الألبان والبيض ومنتجات الجلود وغيرها من المشتقات الحيوانية.
وتزيد شعبية نظام التغذية البناتي الصرف في أستراليا، تليها المملكة المتحدة، ثم نيوزيلاندا. ورغم زيادة الاهتمام العربي بهذا النظام، إلا أنه لا توجد إحصائيات محددة حول أعداد الملتزمين به أو القيمة السوقية للصناعات المرتبطة به.
كبد الإوز من أشهر الأطباق الفرنسية وأشدها رفاهة، ويهاجمه النباتيون لما يتطلبه من "قسوة" تجاه الطيور
ورُصد أول ظهور لنظام التغذية البناتي الصرف عام 1874، مع نشر أول كتاب طهي يعتمد على وصفات نباتية تماما في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي ألفه راسيل ثاتشر ترال، أحد الأعضاء المؤسسين للرابطة النباتية الأمريكية.
لكن تاريخ الاحتفال باليوم العالمي لنظام التغذية البناتي الصرف يرجع إلى ذكرى تأسيس رابطة النباتية الصرف (ذا فيغان سوسايتي) في انجلترا عام 1944، كرد فعل للقسوة تجاه الحيوانات.
واعتمدت الرابطة في الأساس على فكرة النظام الغذائي النباتي الصارم، الذي يخلو من أي لحوم أو منتجات مستمدة من الحيوانات (كاللبن والجبن والبيض).
وفي عام 1949، سعت الرابطة للتوصل إلى تعريف أكثر شمولا للتوجه الخاص بها على يد ليزلي كروس، الذي قال إنه "يجب إنهاء كل أشكال استغلال الإنسان للحيوان، سواء في الطعام أو البضائع أو العمل أو الصيد أو الاختبارات العلمية، وغيرها من مظاهر انتهاك الإنسان لحياة الحيوان".
واستمرت عملية تطوير ومراجعة تعريف الفيغان، حتى استقر المعنيون بالأمر على تعريف عام 1988، وهو أن النظام "فلسفة وأسلوب حياة يسعى إلى التخلي - بقدر الإمكان - عن كل أشكال استغلال الحيوانات والقسوة ضدها، سواء عن طريق المأكل أو الملبس أو لأي غرض آخر. وبالتالي، يروج هذا النهج لتنمية واستهلاك البدائل الخالية من أي مكون حيواني لأجل مصلحة الحيوان، والإنسان، والبيئة. ومن منظور غذائي، يتخلى هذا النظام عن أي منتج مستمد كليا أو جزئيا من مصدر حيواني".
ويعتمد نظام التغذية النباتي الصرف على المنتجات المستمدة من الفاكهة والخضروات والمكسرات والحبوب بأنواعها. ويعمل على إيجاد بدائل للأطعمة المستمدة من مصدر حيواني، مثل ألبان اللوز والصويا وغيرها من المنتجات البديلة.
لكن لا تدخل كل النباتات ضمن الأنواع المسموح بها في هذا النظام الغذائي، إذ يعتبر أن الأنواع التي تعتمد على استغلال الحيوانات بطريقة معينة "غير طبيعية". فمثلا يُستثنى منه بعض أنواع الأفوكادو الذي يعتمد على النحل في نموه عن طريق نقل خلاياه إلى المزارع في الوقت الذي يكون فيه النبات أكثر خصوبة.
سوق للمنتجات النباتية الصرف
وبدأت رابطة النباتية الصرف تسجيل المنتجات الملائمة لهذا التوجه منذ عام 1990. ويبلغ عدد هذه المنتجات حاليا 32 ألف منتج، تصنعها ألف شركة حول العالم. وتنتشر هذه الشركات في 53 دولة، أكثرها في ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا.
ومن بين هذه المنتجات، 11 ألفا من العطور ومنتجات التجميل، ترجع لـ 400 علامة تجارية.
وشهد العامان الأخيران الطفرة الأكبر في هذه الصناعات، إذ سُجل فيهما وحدهما 16 ألف منتجا.
لكن خبير التغذية، محمد عبدالمحسن، يقول إن رواج الفكرة لا يعني بالضرورة أنها الطريق الأصح، "فالتجارب والدراسات أثبتت أن استجابة الجسم للعناصر الغذائية ومصادرها تختلف من شخص لآخر. ولا يحتكر نظام غذائي بعينه الفائدة المطلقة للإنسان".
وأوضح عبدالمحسن أن جسم الإنسان عنده قدرة كبيرة على التكيف واستخلاص العناصر الغذائية من المصادر المتاحة. "ويمكن لأي شخص اتباع أي نظام غذائي يريد، لكن يجب أولا الأخذ برأي المتخصصين، وإجراء الفحوص اللازمة (تحاليل الدم، وكتلة الجسم، ونسب الفيتامينات وتكوين الجسم وغيرها من المقاييس) للتأكد من العناصر الناقصة وطريقة تعويضها وفق ما يسمح به كل نظام غذائي".
النباتات التي تُستغل الحيوانات في نموها بشكل "غير طبيعي" تُمنع ضمن هذا النظام النباتي الصارم
وبحسب رابطة النباتية الصرف، يمكن إنقاذ حياة ثمانية ملايين إنسان بحلول عام 2050 حال توجه العالم بأسره إلى هذا النظام الغذائي.
ومن شأن هذا النظام أن يقلل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بمقدار الثلثين، ما يعني التوفير في نفقات الرعاية الصحية والأضرار الناجمة عن التغير المناخي بمقدار 1.5 تريليون دولار.
كذلك يوفر هذا النظام في استهلاك المياه، إذ أن إنتاج رطل واحد من لحوم الأبقار يستهلك تسعة آلاف لتر من المياه، مقابل 60 لترا لإنتاج رطل من البطاطس.
وأشار عبدالمحسن إلى التغير المستمر في نتائج الأبحاث العملية "وللأسف تسير الأبحاث الخاصة بالتغذية بوتيرة أبطأ كثيرا من غيره من الفروع. وهناك بالفعل العديد من الأبحاث التي أثبتت صحة النظام النباتي، وأخرى أثبتت صحة النظام الذي يشمل البروتين الحيواني. والأهم هنا هو الوعي بالنظام الأكثر ملائمة لكل شخص".
وتابع: "للأسف يعتبر الغذاء صناعة وسوق، وهناك الكثير من الشركات التي تروج لأنظمة غذائية بغرض تسويق منتجات بعينها. لذا، فالأهم من الاحتفاء بيوم عالمي لنظام بعينه، يجب توجيه هذا الاهتمام لنشر الوعي بانتقاء ما يناسب الجسم، والغرض من اتباع حمية ما (سواء لفقدان الوزن أو كنمط صحي أو للعلاج)".
ويعتبر نظام الكيتو والرواج الذي حظي به مؤخرا مثالا على تحول الغذاء إلى دعاية، إذ أوضح عبدالمحسن أن الكيتو يرجع إلى عام 1920، وكان يستخدم بالأساس لعلاج أطفال مصابين بنوع معين من الإعاقة. لكن الترويج له بدون وعي بعناصره والقياسات المطلوبة له جعل منه مادة دعائية.
ويشمل نظام التغذية النباتي الصرف مقاطعة الملابس ومنتجات الجلود والعطور وأدوات التجميل وغيرها من الصناعات التي تعتمد على المشتقات الحيوانية، وكذلك جميع أشكال استغلال الحيوانات مثل حدائق الحيوان، والعروض الترفيهية، والمعارض المائية.
وتقل صرامة التوجه تجاه الأدوية، وإن كان يدفع باتجاه منع استغلال الحيوانات في المختبرات للتجارب.