مدينة دهوك في السبعينات تحيطها الجبال والوديان والبساتين والعيون النقية الصافية والفطرة الإنسانية ونقاء وجمال الطبيعة، ولكن بعد هجرة السوريين خلال أحداث سوريا والهجرة الداخلية بعد عام 2003 م من مدن العراق إليها امتدت المدينة وغابت مظاهر البساتين حولها إلا ما ندر وتجلت العمارات والشقق السكنية والفنادق والمطاعم والأسواق الكبيرة، والشوارع الجميلة في ظل الأمان لتسير مع حضارة عصرية جديدة تواكب التقدم والتغيير الذي يجري في العالم فكريا واقتصاديا وثقافيا وهنا أقف قليلا لأتحدث عن جزء مهم يخص الثقافة وهو المسرح الإنمائي، المسرح في دهوك خلال السبعينات لم يكن ظاهرا بصورة مؤثرة، وتأثير المسرح كبيرعلى ثقافة المجتمع والبلد وهناك مقولة شهيرة (( أعطني خبزاً ومسرحاَ أعطيك شعباً مثقفاً )) وهذا يجسد مدى أثر المسرح التنموي وأهميته الفاعلة للفرد والمجتمع منذ القدم، الذي يعتبر كأحد منابر الثقافة والوعي ومختلف الفنون، حيث المسرح في دول العالم المتقدم له ارتقاء وسمو وأهمية ودرجة عالية في الحياة اليومية بما له سبيل وتحقيق الأهداف الأخلاقية والتربوية والثقافية والأمنية والسياسية ولا شك يعتبر من أهم الوسائل الإعلامية التي تلتقي بالجمهور مباشرة وتعين على فهم المواقف والأحداث وترسيخ مفاهيم الوطنية وتسعى إلى إيجاد الأفكار والحلول والبدائل للأزمات والمشكلات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية ليكون من خلالها مرآة واضحة تعكس ملامح الأحداث العصرية في المجتمع بمحاسنه وسيئاته ويجد سبلا للتغيير والتطوير والتجديد، إن كان هذا دور ومهمة المسرح فأين مسرح دهوك وأين قادته ورجاله المختصين خاصة في كل هذه الأزمات التي يمر فيها البلد والمجتمع ؟
في مرحلة السبعينات تجلى مسرح دهوك على يد بعض الفنانين رغم قلة الدعم الفني واغلب المبادرات كانت شخصية وقبلها كان المسرح جسدا ضعيفا ففي عام 1948 م فرقة خانه يا للمدرسين وفي عام 1952 م فرقة دوانا فنجيا وفي عام 1970 م فرقة نقابة المعلمين واتحاد عمال واتحاد طلبة الشباب وكانت تقدم مسرحيات قليلة جدا لكن في عام 1971 م بزغت بجهود فنية شخصية فرقة 11 آذار الفنية المسرحية الشاملة ورئيسها الفنان التشكيلي والشاعر والمعد والمخرج نزار البزاز وكان ضمن الفرقة جميل زكريا مسؤول قسم المسرح والأستاذ البرت فرنسو مسؤول قسم الموسيقى والأستاذ إسماعيل عبد القادر ( زيرك ) عضو الهيئة الإدارية والأستاذ سالم إسحاق عضو الهيئة الإدارية، ومن ثم أحمد معروف أحمد ومحمد رشيد وجميل برهان، قدمت هذه الفرقة مسرحيات ونشاطات متعددة بجهود فنية ذاتية ومنها مسرحية " سته م كار " تأليف وإخراج نزار البزاز أول مسرحية قدمها وعرضت على مسرح إعدادية كاوه في دهوك لعدم وجود مسرح خاص بالمسرح في 21 / 3 / 1971 م بمناسبة أعياد نوروز ولمدة ثلاث أيام وتم عرضها أيضا في مدينة " العمادية " لمدة يومين وفي ناحية " مانكيش " لمدة يومين وتم عرضها في مهرجان المسرح المدرسي في بغداد عام 1972 م وقد فاز حينها كأحسن ممثل المرحوم إسماعيل عبد القادر " زيرك " والمسرحية الثانية ئيكه تى " الوحدة " تأليف وإخراج نزار البزاز تم عرضها لمدة ثلاثة أيام على مسرح إعدادية كاوه 1971 م بمناسبة اليوم العالمي للعمال والمسرحية الثالثة " الفندق المسحور " تأليف صفاء محمد علي وإخراج جميل زكري عام 1971 م والمسرحية الرابعة " فلسطين الثائرة " تأليف وإخراج نزار البزاز عرضت على مسرح إعدادية كاوه عام 1972 م وكانت باللغة العربية والمسرحية الخامسة " نضال الطلبة " تأليف دشتي شهاب إخراج نزار البزاز عام 1972 م عرضت لمدة ثلاثة أيام على نفس المسرح بمناسبة تأسيس اتحاد الطلبة ومسرحية " كاوه الحداد " إعداد وإخراج نزار البزاز ومسرحية التمثال " التمثال " تأليف وإخراج نزار البزاز ومسرحية " شورش وزيان " تأليف وإخراج نزار البزاز ومسرحية " الحلاق " تأليف وإخراج جميل إبراهيم عيسى وعاشرا مسرحية " المصور " تأليف جميل إبراهيم وإخراج كوما كارى، ولم يكن بينهم عنصر نسائي فكان يقوم واحد منهم بالدور النسائي، ومن أسباب نشوء فرقة 11 آذار المسرحية الفنية الشاملة افتقار النشاطات الفنية آنذاك في دهوك عدم وجود فرق مسرحية مؤثرة ، عدم وجود كادر مسرحي متخصص ،ومن أهدافها توعية وإنماء الشعب بعد وجود الأمان بعد بيان 11 آذار، تشكلت بعد اجتماع بعض الشباب الذين ذكرنا أسماؤهم في ربيع عام 1971 م على أرض خضراء والتي هي الآن بناية محافظة دهوك وتم الاتصال باتحاد طلبة كوردستنان وطرحت عليهم الفكرة تأسيس فرقة 11 آذار وتمت الموافقة وخصص لهم غرفتين متواضعة للفرقة في مقر اتحاد طلبة كوردستان علما الدعم معنوي وكانت الفرقة تتألف من قسمين، قسم المسرح وقسم الموسيقى والأغاني وبعد سنة من التأسيس تم الاتصال بالأصدقاء في مدينة زاخو عن طريق اتحاد طلبة كوردستان كي يشاركوا معنا في النشاطات والفعاليات المسرحية والفنية ومنهم الأستاذ عبد العزيز سليمان وسمير زاخولى وعمر سندى ومروان شيخ قاسم وسالم طاهر وجميعهم التحقوا في صفوف الفرقة ومع استمرار فعاليات الفرقة ونشاطاتها الفنية انضم آخرون ومنهم الأديب الشاعر المسئول الإعلامي لاتحاد طلبة كوردستان نزار بامرني ، كذلك دشتى شهاب ، طارق ديوالي ، عبد الله زيرين ، غانم محمد سيتو ، وليد محمد ، وهفال هاشم عقراوي ، نحن اليوم في أمس الحاجة إلى مسرح تنموي هادف وهو أكثر آدابنا حاجة إلى الرعاية وتقديم الجهد الثقافي لالتماس النضوج والارتقاء والأصالة والتطلع إلى ما هو أسمى للنهوض بالفكر والخلق والنفس والإبداع وعلى الأخص في هذا الوقت لبناء فكر آمن مستقر ، في عالم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لماذا يغيب المسرح الإنساني الهادف ؟ علما الفنان التشكيلي والمسرحي والشاعر نزار البزاز مغيب عن الإعلام الثقافي كغياب المسرح ، في مطبعته الصغيرة المتواضعة في محلة الشهداء في دهوك ، ويبدو هو ضمن الشهداء الأحياء في الفن والشعر والمسرح وكاتب المقال منهم ..!!! . أرجو من الجهات المعنية بالثقافة والمسرح أن يلتفتوا لهذا الأمر الثقافي المسرحي المهم ، الآن كثرت القاعات والمسارح وغاب المسرح ورجال المسرح، وأن يهتموا بالمثقفين والمختصين بالمسرح لحيى من جديد، فالأمم الحضارية الراقية لا تحيى إلا بالفكر الحضاري السليم .
***********************
المصدر : كتاب " بزافا شانويى ل دهوك " 1930 – 2006 م المؤلف رفعت رجب جمال .
الصور السبعينية من أرشيف الأديب نزار البامرني