قراءة في لوحة

2012-03-11
• لا احد يمكنه ان يعطيك الحرية ،لا احد يمكنه ان يعطيك المساواة او العدالة او اي شيء اخر..اذا كنت رجلا خذها انت .
مالكوم اكس

قبل ايام شارك الفنان العراقي المغترب في الولايات المتحدة الامريكية حيدر الياسري الاصدقاء على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك وموقعه الالكتروني: http://fineartamerica.com/profiles/haydar-alyasiry.htm عمله الفني المتمثل بلوحته التي تحمل عنوان (مالكوم اكس ) والذي مزج فيه بين فن البورتريت وفن الكاريكاتير ليمنح ذاته فضاءات اوسع للابداع وليقدم اسلوبا خاصا به يميز اعماله الفنية، لقد شدتني هذه اللوحة شكلا ومضمونا وبما اني لست ممن يمارسون نقد الفنون الجميلة فاني لن اسعى في هذا المقال الى لعب دور الناقد الذي انا بعيدة عنه كل البعد رغم اني متذوقة لهذه الفنون ، ولكنني سأقدم من خلال هذه اللوحة قراءة في التاريخ المعاصر بطلها مناضل اسود قد لايعرفه الكثير من الجيل الجديد قدر معرفته بملك البوب مايكل جاكسن .
اذا كانت الصورة تساوي الف كلمة او تغني عن الف كلمة وسواء كان هذا القول او الحكمة كما يحلو للبعض تسميته صادر عن كونفوشيوس او عن الامريكي فريد برنارد الذي يعمل في الاعلانات وابتدع هذه المقولة وقد يكون هو من نسبها الى ذلك الفيلسوف ، نرى ان لوحة الفنان حيدر الياسري (مالكوم اكس ) تجاوزت هذا العدد عندما لخص لنا تاريخ هذا المناضل الذي امتد اربعين عاما (1925-1965) .في لوحة تبلغ مساحتها ( 14انج*16 انج ) حفلت بالكثير من التفاصيل والالوان التي روت لنا تاريخ رجل قدم نفسه قربانا ليهب الحياة للاخرين.
يبدأ الياسري برواية تاريخ مالكوم اكس من قضبان الزنزانة التي مثل اللون الاسود الجزء العلوي منها ثم تدريجيا يبدأ هذا اللون القاتم بالتبدد ويتحول الى البني ثم الى الاصفر الذي يتحول الى شعاع يكاد ان يخفي قضبان الزنزانة في اشارة الى حياة الضياع التي عاشها اكس والتي بسببها دخل السجن في عام 1946 والتغييرات التي طرأت على شخصيته عندما تعرف على بيمبي ذلك الرجل الذي كان يتكلم عن الدين والعدل ثم اسلامه وهو وراء القضبان، آمن اكس بهذا الدين وبدأ يدعو السجناء ورفاقه في الاجرام اليه وببلاغته وثقافته التي اسسها في السجن استجاب له الكثيرمن السجناء حتى خافت ادارة السجن من هذه الدعوة فبادرت الى الافراج عنه .
في الجزءالايسر من اللوحة تكون الالوان اكثر اشراقا وحيوية في اشارة الى رحلة مالكوم الى مكة لاداء فريضة الحج اذ تعرف هناك على الاسلام الحقيقي البعيد عن العنصرية والداعي الى العدل والمساواة والمحبة واكتشف ضلالة الدين الذي كانت تدعو اليه جماعة امة الاسلام والتي تعتبر الدين الاسلامي دين الرجل الاسود فقط وهو فكر عنصري لايختلف عن عنصرية البيض الذين اغتالوا والده ، وبين النجوم المتناثرة من العلم الامريكي والحمائم البيضاء التي تحلق بحرية نقرأ دعوة مالكوم الى نبذ جميع الافكار المتطرفة والعنصرية والدعوة الى المفاهيم التي تحترم الانسان بغض النظر عن لونه اوجنسه او اثنيته، وقد عبر الفنان الياسري عن مبادئ وافكار اكس السلمية بعلامة (X ) التي وضعت على السكين التي عقدها للحد من نهايات العنف التي تتملكه وهو في مرحلة العبث والضياع التي تظهر في الجانب الايسر اسفل اللوحة .
بعد ان انهى الفنان سرد مراحل من حياة اكس تفرغ لسرد واقعة الاغتيال وقبل ان نبدأ بقراءة تفاصيلها لابد لنا من وقفة تاملية في وجه مالكوم اكس الذي افرد له الياسري مكانا بارزا في لوحته ،اذ ما ان ينظر اليه المتلقي حتى يشعر ان الرجل ينظر اليه بعينين اختلفت نظرة كل منهما عن الاخرى ، فمن خلال العين اليمنى يوجه اكس صوبنا نظرة حزينة ودمعة شفافة تترقرق حزنا والما لانه مضى قبل ان يكمل ما اراد له ان يكون وقد تكون السبابة ارتفعت لتمنع تلك الدمعة من السقوط ، في حين كانت اليسرى تصوب نظرة صافية واثقة نحو المستقبل الذي قال عنه "المستقبل يعود الى اولئك الذين يهيئون له اليوم " .
ستة عشر رصاصة استقرت في صدر مالكوم اكس وهو يلقي خطابه الاخير في جامع نيوجرسي ، ستة عشر ثقبا نازفا حتى الموت ، منظر قاس جدا .. خفف الياسري من وطأته على المتلقي عندما جعل هذه الثقوب تنزف الوانا زاهية تنشر القها لتكشف زيف مبادئ وتعاليم جماعة امة الاسلام المتطرفة فتكتب نهايتهم وتعلن خلود مالكوم اكس .
في كل عمل ابداعي رسالة يسعى مبدع العمل ان يوصلها الى المتلقي ولكن الفنان حيدر الياسري بعث الينا برسالتين في ان واحد .. الاولى تذكير بتاريخ هذا المناضل الذي يجب ان يظل خالدا في اذهان الباحثين عن الحرية والعدل والمساواة ، تلك المفاهيم التي ضاعت وتشتت في زمن يكيل بالف مكيال ، والثانية دعوة الى فهم الاسلام فهما صحيحا نابعا من جوهر ذلك الدين الذي يمثل كل القيم والمعاني السامية .. وقد بث فناننا هذا الرسالة عندما قدم لنا تلك الملامح التي تبعث على الراحة عندما تنظر اليها ، لم يكن مالكوم اكس وهو الداعية الاسلامي متجهم الوجه عبوس ، لم تتناثر على وجهه لحية كثة ترعى فيها اعشاش القمل ولم يلبس ثوبا قصيرا يكشف عن ساقين مشوهتين تثيران الاشمئزاز بل اصر الياسري على ان يرسم لنا هذا الكم من الطيات في ثوبه .
قرأنا مجلدات التاريخ القديم والحديث ، نفخنا صدورنا وامتلأنا زهوا وفخرا ونحن نقرأ انتصارات الاجداد ، وطأطأنا رؤسنا خجلا حين قرأنا هزائمهم ، لا نحن سرنا على دربهم عندما كانوا منتصرين ولا تعلمنا الدروس من خيباتهم بل كررناها وحصدنا اسوأ نتائجها .. قرأنا ولم نفهم ولازلنا نهوي في وادي سحيق من الذل لانعرف له نهاية ، ياترى هل سيساعدنا اسلوب الفنان حيدر الياسري في قراءة التاريخ باسلوب جديد يقودنا الى الفهم والاستيعاب .

 

 

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved