قراءة وتأويل في قصيدة (الطاووس)

2010-04-19

من//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/93f18f03-d169-4397-9f1b-1063a2351b16.jpeg رشا فاضل

غيبانية النص ومرجعية الرؤية 


لربما يشكل العنوان هنا فيوضات تقاربية ما بين ضمنية النسق وتجليات منظومة الافتراض التي ينطلق من خلالها الشاعر عبر صورة مكونات ايقونية النص وهي (الواقعية الحكائية: المتخيل الخطابي: غيبانية النص) ومع ان وظيفة العنوان الاساسية تبقي هي المحدد والتسمية فان دلالة النص تبقي تشكل تاسيسا افتراضيا ضمن حدود افاق علامة القراءة الناجزة، ولعل اسوء العناوين في الكتابة الشعرية، هي تلك التي تاتي ناجزة او جاهزة، لانها بدورها تلغي عملية احتمالية المقروء وتشخيص المكتوب، وبهذا الالغاء يهمش دور القاريء في عملية اعادة انتاج النص وتاويل دلالتة النهائية. ان قصدية العنونة تؤسس بموجب فقرات من (نية الشاعر: انفعالية المتخيل) والتي بدورها تهدف الي تحديد موضوعة من خلال الية العنونة. فالعنونة اذا تبقي بموجب هذة الحالة اشبة بما لو كانت فعلا ايحائيا يخصص ويقوم بتحديد هوية القصيدة داخل حيز ازمنة الابعاد النفسية والشعرية للنص، حيث بالتالي سوف يعد البحث هنا بمثابة الامكان التوصيفي لما هي العنونة. وعلي هذا سوف تؤدي دلالة العنوان حيز ترابطي بقصدية الشاعر, أي بمعني ان العنوان رسما اراديا لمخيلة علاماتية تتحكم بالنص وفق عنصران متضافران (المعني الحرفي) وهو الذي تقدمة الالفاظ للعنونة، ضمن مجال يعتمد المعطيات اللفظية والكيانات الشعرية داخل مرحلية النصوصية، اما العنصر الثاني وهو (المعني الناجز) ففي هذة الفقرة نجد العنوان يتطابق وحيز مرجعة الوضيفي ليتعلق بحدود مرحلة لفظية تعاين مجهولية الخطاب ووضوحة داخل سلم مراتب العنونة. وهذا هو العنوان الذي اختارة الصديق عبد الرزاق الربيعي لقصيدتة (الطاووس) ليظهر لنا وللقاريء ان هذا العنوان نصا محاذيا لنص المتن الخطابي، والمحاذات هنا جاءت لتمثل علي ان العنوان بوصفة يشكل الحكم المسبق علي قيمة المتن الشعري، وهكذا يبدو العنوان هنا ايضا بمنزلة التمهيد او النبوءة التي من شاْنها ان تسوغ افعال عتبة النص المتني: الا اننا هنا لانعرف؟ هل ان جلد العنوان بات هو روح النص؟ ام ان الظاهرة الموضوعاتية في قصيدة الربيعي هي ما قد شكلة لذاتها مخيالا مسوغا لذلك الا نعقاد العنواناتي؟ بيد اننا نلاحظ من جهة بان تجربة قصيدة الشاعر لربما تبدو من خلال نسيجها المكوناتي، عبارة عن ارتكاز (ميثولوجيا خرافيا) يذكرنا الي حد بعيد بازمنة
(حكايات الجدة؟) بجانب جمرات موقد الشتاء حيث العثور الصعب علي ازمنة الطفولة، وذلك الفضاء الخرافي الكوني بكل ابعادة المتجذرة في النفس والعادة والتقاليد: اذن فالربما قصيدة
(طاووس) مجرد استذكار للماضي وبالتالي مجرد احاطة بانفلاتات (المقدس المخبوء؟) او لربما هي من جهة اخري احدي حفريات معالم الدهشة لدي الشاعر الربيعي وهو ينقب عن جماليات المعقول والمحتمل والممكن والمستحيل. وبهذة التقنية الشعرية نستقريء حالات اسرار قصيدة (طاووس) علي النحو التالي:-

قبل ان يكتمل البدر
استفاقت ريشة الطاووس
الفت روحها في قبضتي
قال لي الاولاد:
-خبئها
بطيات كتاب الدين
اياما..

يساورنا شعور غريب لوهلة، بكون الشاعر الربيعي قد نفض يدية تماما من ما يسمي
(لحظة الكتابة) حيث يشعر القاريء كما لو ان القصيدة تكتب نفسها دون تدخل يد شاعر، كذلك نلاحظ من جهة اخري بان الشاعر الربيعي بات كل همة الوحيد هو صوغ اعمق التفاصيل وابرز المكونات واوسع المكنونات من خلال سطور وكلمات بسيطة لدرجة (غياب البلاغة) ولعل الربيعي هنا ومن خلال هذة المقاطع الاولي من زمن القصيدة، قد طوي صفحات كبيرة من احالات مرجعية حكائية طويلة تكسر عظام الذائقة النقدية -فمثلا - لو ان الشاعر اختار عكس قولة (استفاقت ريشة الطاووس) لكان دون هذا التوصيف، احتمالا طويلا من الاسترسال الشعري للحكاية، والذي يقتضي من الايجاز قانونا متحولا من تجليات (زمن الاحتمال) وفعل التكوين والتوظيف، مما يستدعي في الوقت نفسة مجالا تتطعيميا في منطقة التهجين المخصب للبنية الارسالية ، حيث بالتالي سوف يقتضي هذا تشكيلا اخر في عوالم تجريبية من شانها اثراء امكانات الاستنطاق الملفوظاتي. من ناحية اخري نجد ان عملية استعراض دقائق تمفصلات صورية ارادة التاليف الشعري في قصيدة الشاعر، حيث اضحت لنا ومنذ الوهلة الاولي من قراءتنا، بان ارادة الربيعي في تاليف نصة بات خاضعا لوساطة شكل تاليفي صوري أي بمعني ان ارادة التاليف وقعت ضمن حدود تخصيصات مرجعية الاطار، حيث غدا هذا النوع من التاليف يشكل حرية اختيارية مجردة لفعل المنظور الشعري، بيد اننا من جهة نلاحظ بان معاينات الربيعي قد اضحت عبارة عن شروحات كلية في تخصيص نموذج تدويني صوري خاص من ماهية تطبيقات (الجوهر: التاليف: التاسيس المحتمل: المواضعة الفطرية) ولعل الشاعر الربيعي اعرف منا بهذا المنحي بخاصية مفهوم التسجيل الذاتي، ومن خلال بعض نماذج مقاطع القصيدة، نلاحظ مستوي الابعاد الصورية المجردة وهي تكمن في تكوينات الفكرة:
(استفاقت ريشة الطاووس: الفت روحها في قبضتي:) ان الصورة الشعرية هنا، بمثابة التشكيل المغاير في ما هو ذاتي وزماني الحضور, فالظاهرة الصورية علي هذا، قد جاءتنا بمثابة التاْطير في ظواهرية المخصوص الشعري، أي ان اطار المدلول الموضوعاتي هنا، احري ذات صلة مباشرة وواضحة بحدود افق مرصود عياني،الا انة قد جاء عبر حالة
(صورية مجردة) في كل تناقلاتها وتخصيصاتها المدلولية، وعلي هذا فاننا من جهة اخري نلاحظ بان جميع صور هذة القصيدة،قد تشكل وجودا حتميا في حقائقية المضمون الجزئي او الكلي الناقص من زمن مواضعية اطار (الذات الفراغية ) أي بمعني ان الذات الكاتبة هنا لاتستطيع الاحاطة الكاملة بوحدات الموجز الموضوعي والعلاماتي دون اطار وحدة صورية خاضعة لملفوظ كتابي مؤول، ولكن تبقي هذة المخيلة الكتابية من جهة ما، بمثابة احيانا تمثلات (الايماءة اللا متكاملة ) وحدود حرية صورية مجردة. لعلنا بهذا استطعنا تحديد مفهوم (غيبانية النص) وذلك بعد كشفنا لماهية تخصيصات الصورة الشعرية المؤولة ضمن تقنية (صورية المجرد: فضاء المحتمل) وبهذا يبدو مفيدا ونحن نستعرض بعض من هذة الفقرات من زمن هذة القصيدة: (بعد شوط من سنين: سقطت خصلة شعر: من فتاة الحلم: خبئها بطيات كتاب القلب: قالو لي؟ ستغدو امراْة كاملة) لعل من مهارات الشاعر هنا، تاتي في وضعة اللغة الشعرية والادوات الوصفية داخل حدود اطار عضوية (احتضان الدال) وهذة الاداة في كتابة القصيدة، قد جعلت من قبمة التمحور الشعري ينثال داخل سياقية حبكوية تهتم بتطوير حيوات زمن (المشار الية دلاليا) أي ان (بعد شوط من سنين) تتالف واهمية افق المختزل النسيجي للنص حيث عبارة (خبئها بطيات كتاب القلب) وربما هذا يقود الي بنية وجملة هذة الترسيمة التفكيكية: (فتاة الحلم + خصلة شعر + خبئها بطيات كتاب =قالو لي = امراْة كاملة)فالجدل الحاصل من هذة التوليفة والنمذجة هنا يتعمق من خلالها مفهوم (غيبانية النص) حيث تاْخذ بعدا ومساحة دلالية لاتخلو من معنا (اطراحات مرجعية الرؤيا) وامام كل هذا نجد انتقال الفاعل الغيباني للنص بعد اداء هذة المقاطع الختامية من السياق:-

فصدقت..
انتظرت
وعلي غرة اوهام
كبرت
غير ان القلب ما زال فتي
فمتي
يكتمل البدر
والقي ريشة الطاووس
من قلبي
متي؟..

لعل الفاعل الغيبني قد اضحي للقاريء عبارة عن صور اختزالية تفتح في اعماق الموصوف صورة العودة الي (غير ان القلب ما زال فتي..) هذة صورة العودة المصاحبة لنداء (غيبانية النص) حيث باتت تشكل دليلا قاطع علي حتمية بداية مسيرة المحكي، هذا المحكي الذي اضحي يشارف افاق صيرورة انطلاقة وحي هذة العبارة (يكتمل البدر.. والقي ريشة الطاووس من قلبي) من هنا فقط تشكلت صورة ملامح اللمسة الفعلية للمحكي، ومنذ لحظة انطلاقة بداية القصيدة، ففيها فقط، نجد (غيبانية النص تطرح مرجعية الرؤية) حيث عبارة (من قلبي متي) وعلي هذا المنحي تتجسد لنا معطيات الفضاء الداخلي للحدث المسرود في قصيدة الشاعر، ليتعمق معها شعورنا ببعدية هذا النص الشعري: ولتطمئن قلوبنا نحن كقراء لعوالم هذا الشاعر الكبير، الذي اضحي لنا ومن خلال نموذج قصيدة (طاووس) بانة شاعر يمتهن الابداع والمهارة فطريا، وهو يزاوج ويوالف مابين حجم الدخول في التجربة الشعرية كشكل شعري وبين حجم الخروج منها وهي خلق كائناتي فعلي مؤهل للتمظهر في كل ابعادة السياقية والنصية: وفي الختام اقول ليعذرنا (العزيز الربيعي) لما قد تتوفر علية قراءتنا هذة من هنات وقصور نقدي، الا انني قد استميح لنفسي مغفرتا بالقول مجددا: ان عوالم هذا الشاعر لربما هي حمالة لاوجة متعددة، فتكون بهذا عصية دائما علي التناول والاحاطة الكاملة: فانا شخصيا كلما انهي مقالا عن عوالم هذا الشاعر، اشعر علي الفور من انتهائي، بان هناك اشياء جديدة لم اذكرها او ان هناك مثلا (غيبانيات تنصيصية) هي في واقع الامر عصية علي حدود اليات الاحاطة النقدية المباشرة. وزيادة علي هذا اقول ان رحلة التعرف علي اعمال القصيدة العراقية قد لاتخجل طالما هناك اعمال شعرية كقصيدة (طاووس) للعزيز عبد الرزاق الربيعي.
Azzaman International Newspaper - issue 3536 Date 9/3/2010

جريدة (الزمان) الدولية - العدد 3536 - التاريخ 9/3/2010

AZP09

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved