رواية نيران طرفي النهار/10

2022-02-15


نيران 
تمسح الغبار عن مجلة- الآداب، بيروت مارس 1958 .  قصة قصيرة، عنوانها- ياسمين، نشرتها "نازك " الملائكة، عندما غادرت العراق إلى أمريكا للدراسة . تفتحها .. ماذا فعل البعد بنا ؟ إننا في البداية نتمسك بكل ما أحضرناه  معنا من الأرض القديمة .. كل ماض آخر لنا يستطيع أن يحيا في حاضرنا، ما عدا ماضينا الأمريكي هذا، فنحن مُلزمون بأن نحله ونرميه في لحظة واحدة .. الطفلة "ياسمين" تصرخ في وج لماذا لا تعودين إلى أمريكا ؟ .
لا يلتفت إليها وهي تقلب مجلة - الآداب.لأنه يفكر في الحريق الذي يترقبه هذا النهار. نيران تلتهم خزانة صديقه "عبد ال.. "وتصل إلى خزانتها . تتمثل لها نيران تشبه فيلم - الحريق . أمرُ نيران يشغلها . ترغب أن يشاهد معها  فيلم -الحريق. يقول لها :
- أفكر في زيارة القاهرة مرة أخرى .أريد شراء الكتب والمجلات القديمة المستعملة من سوق الأزبكية . تعجبني هذه الكنب والمجلات لأن أحجامها كبيرة، لكنها غير مرتبة كما نعرف اليوم . الترتيب مهم "السيوطي" أحسن من "سيبويه" في الترتيب..
لا تجيبه . لا تعجبها الكتب المستعملة تجدها ملطخة وبداخلها حشرات صغيرة . لا تجبه . تفكر في نيران التي سبق أن أخبرها أنها ستشتعل في دارزميله القريبة من الغابة هذا النهار . تخاف أن تدخل إلى الغابة . تردد كلمات لكاتب ألماني :
-لا تدخل إلى الغابة
ففي الغابة ثمة غابة..


لا يأخذك الخوف
فمن الخوف تفوح رائحة الخوف.
تجد هذا الكلام قريبا من قول جدتها:
-ما تمشيش للغابة
ما تخافشي..
تمسح الغبار عن رواية- سنوات الكلب، للروائي الألماني الذي يحذرنا من الغابة. تجد شعره يشبه السنوات التي  كانت  للا "فضول" ترى فيها الكواكب تنزل من السماء . والسنوات التي كانت بنتها "زهور" ترى النجوم في عز الظهيرة . يخرجها من الكواكب والنجوم. يقرأ شعرا بصوت متهدج :
ولقد علمت ولا محالة أنني
للحادثات فهل تريني أجزع
أَفَنين عادا ثم آل محرق
فتركنهم  بلدا وما قد جمعوا
لا تسمعه . تختلس النظر إليه  ترمق عينيه المتعبتين. تشيح بوجهها عنه . ينفلت شعرها من تحت الدَرة . تسقط الدرة . تعيدها . تسمعه يقرأ بصوت خافت، يعلمها ما لم تعلم- فتركنهم بلدا معناها- تُرابا .
تدمغ في ذاكرتها تُرابا . يحيلها التُراب على المخطوط، الذي طمرته أخت جدة جدة، جدة جدتها "زهور" بنت للا فضول،  في غور التراب . لا تقلب التراب . تخاف نَتق جبل كليمنجارو . تخاف صعود الجبل . تخاف ولوج الغابة . تخاف ركوب الفَارْكُونِيت .
تمسح الغبار عن كتاب - تهافت التهافت . أخت جدة جدة،، جدة جدتها "زهور" بنت للا فضول تعاطفت مع قريبها صاحب المخطوط، -تهافت التهافت، تحلل نصوصا منه، وتطلب من أبي "الوليد" أن يستبدل لفظا بلفظ آخر. استحسنه ولم يغيره، مدعياً أنه سلّم المخطوط للناسخين وبدءوا على الفور يشتغلون بالنسخ . قال لها أبو "الوليد" مستلطفاً- انظري إلى السماء، ردت عليه وَجِلة راجفة مضطربة -أخاف أن تنزل الكواكب من السماء.أجابها- الكواكب لا تنزل من السماء . الكواكب تكتشف . أنا  اكتشفت كوكباً ورأيتك في الليل نوراً يشع  جمالاً وفتنةً . لا تخافي اصعدي إلى  أعلى مرتفع  ميلهسن، الذي يقع على جبال سييرا نيبادا 
جنوب غرناطة . اصعدي إلى أعلى ميلهسن .
ما زالت  تمسح الغبارعن كتاب - تهافت التهافت، وتبحث عن سر تعاطف "جمال"مع أبي "الوليد"يحلل النص كاشفاً . وكذلك عن سر تعاطف "عبد ال.."مع "محـمد" الحريري، يحلل النص غاوياً . تجد أن قراءتهما جيدة. تمسح الغبار وتتذكر حكاية أرسلها  بالأمس على بريدها الإلكتروني- تزوج رجل امرأة خفيفة المحمل . فخَفٌت عليه . فكان يحملها على كاهله . فتحولت إلى ذهب فثقلت عليه فصبر . ثم أنزلها عن كتفيه . لا كُرها ولكن رَهقاً من ثِقل الذهب وحرارته في شمس الظهيرة . لعلها هي هذه المرأة . تخاف أن ينزل الكواكب . يقول لها وقد أدرك خوفها من كتابة رواية- في طرفي النهار:
-  أخرجي من الكون وادخلي في العدم . احذري أن تعيدي الحوادث والوضعيات والأماكن والأزمنة والأجواء . ابتعدي عن المعايير التي تعتمدها لجنة التحكيم . لا تكتبي وفقها .
تلتفت إليه . لا تتكلم. يقول لها :
- الظاهر أنك عازمة على كتابة رواية - نيران طرفي النهار . وتترقبين الحصول على جائزة الباَكُور .
ينزوي في ركن. يهمس :
- عليك أن تخرجي من شبكة الوجود . و تفارقي الكون..
تبتعد عن الماضي، وتَنْدس في تفاصيل الحاضر تحلله.تبتعد تسعى لمشاهد نيران . تعمل على المفارقة الأنطولوجية للكون . تصبح ساكنة في العدم . وتحل بها كارثة . ترتدي قفطان -الهوى بالنوى . يهمس :
- الهَبَل فوق الجبل 
تحذره من الماضي الذي يعيش فيه . تلفته إلى المستقبل . تخبره أنها ترغب في الحصول على جائزة الباَكُور . وأنها بدأت تدخل في وَسَع العدم وتخرج من ضَيْق الكون . وتصوغ الحوادث والأزمنة  في نيرانها بمفارقات غريبة، وتسجل وضعيات لعلاقات لا أخلاقية بعيدة كل البعد عن الرواية الممكنة الذكرياتية المقتبسة من الكون . وأنها تكتب روايتها بشهاب قبس نيران . تفارق فيه  العقل وترسخ في الجنون، تعيش تجربة الانسلال  من العقل والعودة إليه،  فيشعر ألف قارئ وقارئة بدفء نيران دون أن تلتهمه . إنها تجربة عصية المنال، شبيهة باكتشاف الكوكب الذي اكتشفه أبو "الوليد" . بجانبها يرتل الآية- باسم الله لرحمن الرحيم .. إذ قال موسى لأهله  إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون .
داخل ضيق الكون، تفكر في حكاية الذهب الذي ألقي على الأرض . تسقط من بين يديها رواية - الورد لك الشوك لي. تمسحها من الغبار . تمسك برواية -وداعا يا دمشق- فسيفساء التمرد-. تضعها جنبًا، لأنها ستعيرها لصديقتها "رغدة".
تمسح الغبار وهي تتذكر .عندما بعث لها رسالة إلكترونية يحكي حكاية الذهب . حولت رسالته إلى صديقتها "نجوى" . أجابتها على الفور- مهما ثقل الذهب، فالصانع الماهر يستطيع أن يصوغ منه سبائك خلابة فتانة، تلين في يد الفنان المبتكر المبدع . فيبدع في صقلها  لتخرج تحفة نادرة . لا يسع الرائي أمامها إلّا أن يسبح بقوة الخلاق وجلاله . ولعلك فهمت ما أرمي إليه . نهارك بعيد عن نيران .
***
تبتعد عن النار، تقترب من الماء . تكتشف ذاتها وهي مضغة داخل رَحِم أمها . تشاهده يصطلي بنيران طرفي النهار . يحرق العفن العالق  برأسه . يترقب نيران تحرق خزانة زميله "عبد ال.." وتصل إلى خزانتها . يلتفت إليها . يخبرها عن شح القمح في ظل الحصار، الناتج عن صعوبة زراعته في سهول سوريا، من جراء أحداث نيران . يقول لها :
-إن انتقال الذكريات من جيل إلى آخر تتقادم . ويحصل فيها العفن، الذي يشوش على التاريخ . هناك الكثيرون من تدمغ في ذاكرتهم أحداثا نقية . شبيهة بقمح الخليل . وآخرون يصاب عندهم قمح الخليل بمكروه . كارثة . تشب نيران .
ينفلت من جانبها . يتركها تردد بصوت خافت :
-ينزل الكواكب من السماء .
تخاف أن ينزل الكواكب من السماء . عندما كانت صغيرة، كانت تعرف أن المطر هو الذي ينزل من السماء ليست الكواكب . تردد :
-يا إخوتي جاء المطر، هيا اختفوا تحت الشجر.
تذكر جدتها التي كانت تؤكد لها أن الكواكب تنزل من السماء. سيد "العباس" ينزل الكواكب من السماء.  تنظر إلى الكواكب ثابتة، تستغرب أمر جدتها عندما تحكي عن والدها قولها- سيد "العباس" ينزل الكواكب من السماء . تتذكر بالأمس عندما كانت تعبر شارع -الترنج، رفقة صديقتها "رغدة" . أخبرتها عن كارثة نزول الكواكب من السماء . أكدت لها أنها أكذوبة جميلة . وانبرت تحدثها عن طفولة جدتها في طنجة العالية والبيوت الملونة بلون السماء . والزمن الذي فعل فعله وشوش على التاريخ وكذب على الكواكب وأنزلها من السماء. طنجة العالية التي يفوح عبق الياسمين من أزقتها . عطرها الذي لا يشبهه عطر أي زقاق . "رغدة "لا علم لها بطنجة  في زمن جدتها "خديجة" وأخت جدتها "البتول" . "خديجة" كانت تنتظر "محـمداً" . "البتول" و"خديجة" كانتا معا يركضان في الأزقة . من حومة البارود إلى دروج  المِرِيكان إلى الميناء .  طفلتان صغيرتان تبحثان عن الطفل "محـمد". لا علم لهما أنه رحل إلى أمريكا مع الطفل "أمين"، ترك الصبية "خديجة" التي كانت تلهو معه بدروج المريكان، وحومة -دار البارود . دخل وسط البابور سنة 1888بمرسى طنجة . استلطفه "عبده "الريحاني . لم تدرج  في ذلك التاريخ كلمة حركْ  في لسان العرب ولا توجد تأشيرة . الطفلة "خديجة" انقطعت عنها أخبار الطفل "محـمد" . اعتادت أن تسمع قرع ناقوس مربوط حول عنق المعزة . تفرح تخرج، لأنها ستجد "محـمداً" واقفاً بجوار المعزة واليهودي، يترقب خروجها . يمسك بضرع المعزة.تمده الصبية"خديجة" بإناء من الفضة تقادم عهده . يحلب الحليب . تستحي وهي تسأله عن "محـمد" .
التاريخ يتعفن . يتعثر . تسقط من عين "رغدة" دمعة حارة .  تتذكر جدتها "خديجة" . بالأمس عندما كانت تمشي بشارع -الترنج، تشتكي من وجع يشق رأسها . قالت لها :
-  عليك أن تغطسي رأسك في مياه بحر -الرِينْكُون 
لا يأخذك الخوف
فمن الخوف تفوح رائحة الخوف .
تجد هذا الكلام قريباً من قول جدتها :
-ما تمشيش للغابة
ما تخافشي..
تمسح الغبار عن رواية- سنوات الكلب، للروائي الألماني الذي يحذرنا من الغابة . تجد شعره يشبه السنوات التي  كانت  للا "فضول" ترى فيها الكواكب تنزل من السماء. والسنوات التي كانت بنتها "زهور" ترى النجوم في عز الظهيرة . يخرجها من الكواكب والنجوم. يقرأ شعرا بصوت متهدج :
ولقد علمت ولا محالة أنني
للحادثات فهل تريني أجزع
أَفَنين عادا ثم آل محرق
فتركنهم  بلدا وما قد جمعوا
لا تسمعه . تختلس النظر إليه  ترمق عينيه المتعبتين. تشيح بوجهها عنه . ينفلت شعرها من تحت الدَرة . تسقط الدرة . تعيدها . تسمعه يقرأ بصوت خافت، يعلمها ما لم تعلم- فتركنهم بلداً معناها- تُراباً .
تدمغ في ذاكرتها تُراباً . يحيلها التُراب على المخطوط، الذي طمرته أخت جدة جدة، جدة جدتها "زهور" بنت للا فضول،  في غور التراب . لا تقلب التراب . تخاف نَتق جبل كليمنجارو. تخاف صعود الجبل . تخاف ولوج الغابة . تخاف ركوب الفَارْكُونِيت .
تمسح الغبار عن كتاب - تهافت التهافت . أخت جدة جدة،، جدة جدتها "زهور" بنت للا فضول تعاطفت مع قريبها صاحب المخطوط، -تهافت التهافت، تحلل نصوصا منه، وتطلب من أبي "الوليد" أن يستبدل لفظا بلفظ آخر . استحسنه ولم يغيره، مدعياً انه سلّم المخطوط للناسخين وبدءوا على الفور يشتغلون بالنسخ . قال لها أبو "الوليد" مستلطفا- انظري إلى السماء، ردت عليه وَجِلة راجفة مضطربة -أخاف أن تنزل الكواكب من السماء.أجابها-الكواكب لا تنزل من السماء. الكواكب تكتشف . أنا  اكتشفت كوكباً ورأيتك في الليل نوراً يشع  جمالاً وفتنة . لا تخافي اصعدي إلى  أعلى مرتفع  ميلهسن، الذي يقع على جبال سييرا نيبادا 
جنوب غرناطة . اصعدي إلى أعلى ميلهسن .
ما زالت  تمسح الغبار عن كتاب - تهافت التهافت، وتبحث عن سر تعاطف "جمال"مع أبي "الوليد"يحلل النص كاشفاً . وكذلك عن سر تعاطف "عبد ال.."مع "محـمد" الحريري، يحلل النص غاوياً . تجد أن قراءتهما جيدة . تمسح الغبار وتتذكر حكاية أرسلها  بالأمس على بريدها الإلكتروني- تزوج رجل امرأة خفيفة المحمل . فخَفٌت عليه. فكان يحملها على كاهله . فتحولت إلى ذهب فثقلت عليه فصبر . ثم أنزلها عن كتفيه . لا كُرهاً ولكن رَهقاً من ثِقل الذهب وحرارته في شمس الظهيرة . لعلها هي هذه المرأة. تخاف أن تنزل الكواكب . يقول لها وقد أدرك خوفها من كتابة رواية- في طرفي النهار:
-  أخرجي من الكون وادخلي في العدم. احذري أن تعيدي الحوادث والوضعيات والأماكن والأزمنة والأجواء . ابتعدي عن المعايير التي تعتمدها لجنة التحكيم. لا تكتبي وفقها .
تلتفت إليه . لا تتكلم. يقول لها :
- الظاهر أنك عازمة على كتابة رواية - نيران طرفي النهار. وتترقبين الحصول على جائزة الباَكُور .
ينزوي في ركن. يهمس :
- عليك أن تخرجي من شبكة الوجود . و تفارقي الكون..
تبتعد عن الماضي، وتَنْدس في تفاصيل الحاضر تحلله . تبتعد تسعى لمشاهد نيران .  تعمل على المفارقة الأنطولوجية  للكون . تصبح ساكنة في العدم . وتحل بها كارثة.ترتدي قفطان -الهوى بالنوى. يهمس :
- الهَبَل فوق الجبل 
تحذره من الماضي الذي يعيش فيه . تلفته إلى المستقبل. تخبره أنها ترغب في الحصول على جائزة الباَكُور . وأنها بدأت تدخل في وَسَع العدم وتخرج من ضَيْق الكون . وتصوغ الحوادث والأزمنة  في نيرانها بمفارقات غريبة، وتسجل وضعيات لعلاقات لا أخلاقية بعيدة كل البعد عن الرواية الممكنة الذكرياتية المقتبسة من الكون. وأنها تكتب روايتها بشهاب قبس نيران. تفارق فيه  العقل وترسخ في الجنون، تعيش تجربة الانسلال  من العقل والعودة إليه،  فيشعر ألف قارئ وقارئة بدفء نيران دون أن تلتهمه. إنها تجربة عصية المنال، شبيهة باكتشاف الكوكب الذي اكتشفه أبو "الوليد". بجانبها يرتل الآية- باسم الله لرحمن الرحيم ..إذ قال موسى لأهله  إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون.
داخل ضيق الكون، تفكر في حكاية الذهب الذي ألقي على الأرض. تسقط من بين يديها رواية - الورد لك الشوك لي. تمسحها من الغبار. تمسك برواية -وداعا يا دمشق- فسيفساء التمرد-. تضعها جنبا، لأنها ستعيرها لصديقتها "رغدة".
تمسح الغبار وهي تتذكر.عندما بعث لها رسالة إلكترونية يحكي حكاية الذهب. حولت رسالته إلى صديقتها "نجوى". أجابتها على الفور- مهما ثقل الذهب، فالصانع الماهر يستطيع أن يصوغ منه سبائك خلابة فتانة، تلين في يد الفنان المبتكر المبدع. فيبدع في صقلها  لتخرج تحفة نادرة. لا يسع الرائي أمامها إلا أن يسبح بقوة الخلاق وجلاله. ولعلك فهمت ما أرمي إليه. نهارك بعيد عن نيران.
***
تبتعد عن النار، تقترب من الماء. تكتشف ذاتها وهي مضغة داخل رَحِم أمها. تشاهده يصطلي بنيران طرفي النهار. يحرق العفن العالق  برأسه. يترقب نيران تحرق خزانة زميله "عبد ال.." وتصل إلى خزانتها. يلتفت إليها. يخبرها عن شح القمح في ظل الحصار، الناتج عن صعوبة زراعته في سهول سوريا، من جراء أحداث نيران. يقول لها:
-إن انتقال الذكريات من جيل إلى آخر تتقادم. ويحصل فيها العفن، الذي يشوش على التاريخ. هناك الكثيرون من تدمغ في ذاكرتهم أحداثا نقية. شبيهة بقمح الخليل. وآخرون يصاب عندهم قمح الخليل بمكروه. كارثة. تشب نيران.
ينفلت من جانبها. يتركها تردد بصوت خافت:
-ينزل الكواكب من السماء.
تخاف أن ينزل الكواكب من السماء. عندما كانت صغيرة، كانت تعرف أن المطر هو الذي ينزل من السماء ليست الكواكب. تردد:
-يا إخوتي جاء المطر، هيا اختفوا تحت الشجر.
تذكر جدتها التي كانت تؤكد لها أن الكواكب تنزل من السماء . سيد "العباس" ينزل الكواكب من السماء.   تنظر إلى الكواكب ثابتة، تستغرب أمر جدتها عندما تحكي عن والدها قولها- سيد "العباس" ينزل الكواكب من السماء. تتذكر بالأمس عندما كانت تعبر شارع -الترنج، رفقة صديقتها "رغدة". أخبرتها عن كارثة نزول الكواكب من السماء . أكدت لها أنها أكذوبة جميلة . وانبرت تحدثها عن طفولة جدتها في طنجة العالية والبيوت الملونة بلون السماء . والزمن الذي فعل فعله وشوش على التاريخ وكذب على الكواكب وأنزلها من السماء . طنجة العالية التي يفوح عبق الياسمين من أزقتها . عطرها الذي لا يشبهه عطر أي زقاق . "رغدة "لا علم لها بطنجة  في زمن جدتها "خديجة" وأخت جدتها "البتول". "خديجة" كانت تنتظر "محـمدا" . "البتول" و"خديجة" كانتا معا يركضان في الأزقة. من حومة البارود إلى دروج  المِرِيكان إلى الميناء.  طفلتان صغيرتان تبحثان عن الطفل "محـمد" . لا علم لهما أنه رحل إلى أمريكا مع الطفل "أمين"، ترك الصبية "خديجة" التي كانت تلهو معه بدروج المريكان، وحومة -دار البارود . دخل وسط البابور سنة 1888بمرسى طنجة. استلطفه "عبده "الريحاني. لم تدرج  في ذلك التاريخ كلمة : حركْ  في لسان العرب ولا توجد تأشيرة . الطفلة "خديجة" انقطعت عنها أخبار الطفل "محـمد" . اعتادت أن تسمع قرع ناقوس مربوط حول عنق المعزة . تفرح تخرج، لأنها ستجد "محـمداً" واقفًا بجوار المعزة واليهودي، يترقب خروجها.  يمسك بضرع المعزة . تمده الصبية"خديجة" بإناء من الفضة تقادم عهده . يحلب الحليب، تستحي وهي تسأله عن "محـمد" .
التاريخ يتعفن، يتعثر، تسقط من عين "رغدة" دمعة حارة،  تتذكر جدتها "خديجة" . بالأمس عندما كانت تمشي بشارع -الترنج، تشتكي من وجع يشق رأسها. قالت لها :
-  عليك أن تغطسي رأسك في مياه بحر -الرِينْكُون . 
نظرت "رغدة" إلى السماء الزرقاء،  رأت الكواكب ثابتة . 

 يتبع 

لطيفة حليم

 أستاذة جامعية وكاتبة حاصلة على شهادة الدكتوراه، تعيش ما بين كندا وبلدها المغرب، صدرت لها روايتان “دنياجات” عام 2007 عن منشورات زاوية الفن والثقافة، و“نهاران” عام  2012   عن دار فكر المغربية بالرباط . بالإضافة إلى نشرها العديد من المقالات والمواضيع في مطبوعات متعددة .

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved