سرابيل تحفظ مدينة "جبلة"
لا يوجد نَقْعٌ على كتاب ! من نبحث عنه بعيداٌ يقطن قريباٌ Masquer le courrier d’origine.لا تقرأَ عنوانَه، لعلَّ فيه شغب جميل، تتركه جانباً وتبحث عن بعض القطع السردية . تُشغَّل فيها نيران ! تجد أن بنيتها لا تستقيم إلّا مع تكرار لفظ نيران . تعيد حدث نيران عند كل مناسبة طارئة مع إضافاتٍ لم تُذكَرْ في مِرّةِ ذِكْرهِ السالفة . تتخذ من حدث نيران أشكالاً دائرية تتجه إلى المستقبل وتدور إلى الماضي ثم تتجه إلى المستقبل مرة أخرى . هذا يستلزم منها أنْ تعيد الحدثَ وتقسّمه تقسيماً مقصوداً بكل أجزائه، وتستحسنَ اختيار أمكنةٍ ذُكرت من بداية مسح الغبار إلى نهايته . تمسحُ الغبار، تقول له :
-هل يمكن للعسكري أن يحوّل البندقيةَ إلى قبلة ؟
انبرى لها مجيباً وعلى خدّهِ رَهَقٌ خَدَّ بشرتَهُ وأحالها إلى شحوب :
-هذا كلام الشعراء، البندقية نار والقبلة ماء .
تدفعه دفع الآبية التي لا تريد استنقاذ نفسها به . تخفي نيراناً في شغاف قلبها، تقتربُ من صدره، تقفل زرار قميصه حتى لا ينبثُّ النقعُ إلى صدره، تجدُ زراً سادسا ضائعا !
يفتح كتاب : الأمشاج المعرفية والتأويلية،الجزء الثالث . تتعجب ألا يكون لها علم بهذا الكتاب، لم يسبق له أنْ أطلعها عليه، تسأله عن الجزء الأول والثاني، يفتح صفحة 140 الكون والعدم، معنى التناقض هنا كمعناه بين الحرارة والبرودة، بين الحياة والموت . الكائن حياة وهو الحرور الذي يقاس، اللا كائن هو البرودة التي لا تقاس لأنها غير كائنة. موت .
تمسح الغبار عن ديوان شعر، تفتحه وهي تقول له :
- لقد مرت أكثر من مائة سنة على كتابة هذه القصيدة لشاعر سوري أقام بأمريكا .
لا يجيبها. يمسك بالديوان بسرعة، يقرأ قصيدة بصوت متهدج وكأنه يمتطي صهوةَ فرس أمرئ القيس وبيده رمح عنترة :
كفِّنوهُ وادفِنوهُ أسكِنوهُ
هوةَ اللحدِ العميق
واذهبوا، لا تندُبوه فهو شعبٌ ميتٌ ليس يُفيق
ذلَّلوه قتَّلوهُ حمَّلوهُ
فوق ما كان يُطيق
أجيجُ ثرثرةِ نيران برأسها، يؤججها الهرجُ والمرج الواقعان خلف باب حديقة بيتها . تسمع حفيفَ مارجٍ من نار، تقول له بنغم حزين :
- قتَّلوا أهل جبلة؛ المدنيين في متاجرهم...
لا يسمعها، تعيد ترديد القصيدة التي قرأها وهي تتساءل في صمت رهيب :
- لماذا خزنتْ ذاكرتي قصيدةً شعرية دون غيرها، وقطعةً سردية دون أخرى ؟
تهمس بصوتٍ خافتٍ خائفةً من كبير العسكر:
- العالم هكذا، يتعفّن، لا شيء فيه يتغير .
لم يرَ،مثلها،الانفجارَ الذي اعتادت على مشاهدته على الشاشة في دمشق وحلب وحمص، ترى هذه المرة الانفجار ب جبلة.لِمَه ؟ - لماذا -الانفجارُ هزَّ قبرَ السلطان إبراهيم.سمعته يقول : هزّي إليك بوردة ل ترودو .
الوردة بيد طفلة تذبل وهي في طريقها لبوتين .
تحرِّكُ البحثَ عن نص سردي سبق أن نشره روائي أمريكي من أصل سوري؛ "وردة ل ﺑﻮﺗﻴﻦ".
أصيبت بهزة فزع جميل، صوت إبراهيم، هزي إليك ب"وردة ل.. ". الغرض من الهزّ هو أنْ تعقدَ العزمَ على السرقة، السرقة أحياناً نافعة، في مثل "علي" الشاعر السوري سرق من الأصمعي، ويوسف إسرائيل الروائي المصري سرق من تشاليز، وهي تسرق من حسين .
سارق نافع خير من أمين ضار، "وردة ل بوتين"... تبدأ السرقةُ على بركة الله، عن طريق ترويض الروح على شطحات صوفية لجلال الدين الرومي، وهي داخل سلهام أمازيغي فضفاض، تدور وتمسك بطفلة بيدها وردة يانعة، لا تريدها أن تذبل، تدور على شطحات قوية متواصلة دون توقف مع جلال في مدينة بلخ، وتسمع قذائف قاتلة مع خالدة آتية من مدينة جبلة، الوردة تسقط بيد طفلة من كثرة الدوران، الوردة لا تذبل، الطفلة لا تسقط .
تسرق....يزداد صياح ديك المنزل مع ﺑﻜﺎء ﻁﻔﻠﺔ، تسقط من يدها وردة يانعة، تنتظر طائرة.. ﻓﺠﺄﺓ ﺍﻧﻄﻔﺄﺕ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎء... ﺫﻫﺒﺖ إلى ﺻﻨﺒﻮﺭ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ، ﻟﻘﺪ ﺍﺧﺘﻔﻰ ! أصبح ﺭﺩماً ﻛﺒﻴﺮاً.. ﺍﻟﺮﺩﻡ ﺣﺪﺙ ﺑﺴﺮﻋﺔ.. تسمعُ بكاءَ طفلة وترى ﺍﻷﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ، ﺭﻓﻊ ﺭﺃﺳﻪ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺮﺩﻡ ﻭﻫﻮ ﻳﻮﺻﻲ ﺍﻷﻡ ﻭﺍلاﺑﻨﺔ ﺃﻥ ﻳﺠﺪﺍ ﻣﻜﺎﻧﺎ ﺁﻣﻨﺎ ﻭﻳﺨﺘﺒﺌﺍ ﻓﻴﻪ... ﺍﻗﺘﺮﺏ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ، ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﺩ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮة ؟ ﺭﺋﻴﺲ ﺭﻭﺳﻴﺎ ؟ إنْ ﻣﺮّﺕْ ﺑﺴﻼﻡ، ﺴﺄﻋﻄيه ﻭﺭﺩﺓ، ﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﻟﻬﺎ ﺃﻥْ ﺗﻔﻜﺮ ﺑﺎﻟﻮﺭﺩﺓ ﻭﻫﻲ ﺧﺎﺋﻔﺔ ؟
عبق عطر وردة يجتاح غرفة صديقات أجمل العمر، تحضرُ جلنار؛ صديقتها، كندية من أصل سوري، تتناول معها طعام الكسكس بمدينة مونتريال زنقة ترودو. تختفي جلنار .
هو بجوارها يرتل القرآنَ : "بسم الله الرحمن الرحيم ..فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان" .
تمسح الغبارَ وتسرق من حسين قطعا سردية،"ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻟﻮﺭﺩﺓ ؟ ﺑﻴﺪﻫﺎ ﻭﺭﺩﺓ ﺫﺍﺑﻠﺔ"..
رنَّ هاتف صديقتها خالدة من مدينة جبلة تخبرها بأنها عازمة على سرقة قطع سردية مقتدية بفعل علي و يوسف وأنها ستسرق من حسين. تخبرها أنها جربت السرقة، وجدتها نافعة وضارة، تخبرها أنها تسرق وهي تشاهد على شاشة أبل، جثثاً غارقة في الدماء، يسرقون، يعيدون تركيب الصور بحسب الأغراض التي يسعى إليها الإعلام الكاذب، تختلط الحقيقة بالكذب .
خالدة تعيش في قلب الحدث، تعرف الحقيقة، تخبرها عن انقطاع الماء والكهرباء وبأنها تترقب انفراج ساعة يعود فيها الماء والكهرباء إلى جَبْلَة، تخبرها مفتخرة بأهل سوريا، من بينهم عبد الرحمن زيتون بطل أمريكي من أصل سوري، ولد في مدينة جبلة، أَنقذ عشرات الأمريكيين من الموت أثناء إعصار كاترينا، و ستيف جوبس أمريكي من أصل سوري، استفادت منه الإنسانية بعد اختراعه أبل، فعاليات سورية كثيرة تسعى إلى سعادة الإنسان، تردد قصيدة أرسلت لها خالدة كتبتها من قلب الحدث، على إثر الإنفجار الذي حدث في مدينة جبلة .
" انظروا بعين الرفق إلى بلادنا
لقد اختلطتِ الآلامُ بالأشواك
إننا متعبون من نيران أُضرمتْ فينا
الرمادُ البارد يكسو وجهَ الجمر
والحياةُ والمنية في بلادنا سواء" .
يبتسم وهو يسمعها تغني أغنية : فتح الورد.. تحيلهُ إلى زمن الجمر، يحزن بسرعة حين يداهمه كبير العسكر جنكيز خان .
يقول لها :
- أريد أن أمدحَ جنكيز خان كما مدح الشاعرُ علي بن الجهم المتوكلَ قائلاً :
أنت كالكلب في حفظك للود والتيس في قراع الخطوب .
لا يمدح.في نفسه غيظ كبير، لأنه ينتمي لجيل الأوباش، يجد أنَّ المدحَ يشبه حرف اللام مقلوباً عند الركوع، المدح يلزمه صفاءُ النفس والفرحُ الكبير .
يذكرها بابنتها آية التي طلبت منها أن تهيئ لها طبق:كالينطي calieente .-أكلة إسبانية الأصل من عجين دقيق الحمص،- هي في الأصل معجنات إسبانية، كانت تشتريها عندما كانت طفلة بباب المدرسة، خليطها من عجين دقيق الحمص، سبق ل فطوم الطنجوية أن أعطتها وصفة كالينطي، دقيق الحمص يخلط بالماء وقليل من الزيت والملح والابزار وبيضة بلدية تخلط فوق وجه عجين الحمص، ويدهن الصحن بالزيت ويسوّي العجين، ويًدخل للفرن حتى يصبح محمراً، وعندما يخرج ساخناً يُرَش بشيء من الابزار والملح .
لا تسعفه العبارة على المدح، يلح عليها بالدخول إلى المطبخ لتهيئ طاجين اللحم بالبرقوق، يقترب منها، يريد أن يزجي الوقت ليخفف من غائلة الجوع، يحدثها عن الأرز، يحكي لها حكايات ملفقة باطلة، منها أن ولوجَ غابات الأرز زمن الفتوحات الإسلامية كان بدافع جلب الجواري الحسان، يؤكد لها أن الكثير من هذه الإدعاءآت ضالة متصهينة .
تبتعد عن الصهاينة، لا ترى الماضي، ترى الحاضرَ؛ الكرسيَّ فارغاً فوقه الكاسكيط، تفكر في المستقبل .
يتحرك، لا معرفة له بأن خط الكهرباء انقطع عن مدينة جَبْلَة ولم تصل قصيدة الشاعرة خالدة كاملة عبر بريدها الإلكتروني، يتحرك، يحرق الكتب التي دمغها في ذاكرته، لا يرى الكرسيَّ ولا الكاسكيط، يرى الكلبَ، يهمس بصوت منخفض فصيح، لعل اللفظ يسعفه ويكتب قصيدة مدح، يتهجى الحروف حرفا حرفا :
-كلب، وردة .
وكأنه يقرئ حَفْيده وسِبْطه أسماء الحيوانات الضارة : كلب .
يتبع ..