رواية طرفي نهار 3

2021-12-23

 عاد إلى الخزانة يريد أن يزجي الوقت، وجدها  تمسح الغبار عن رواية - الكلب الأبلق الراكض على حافة البحر . وبدأ يردد بيتاً  شعرياً  لعله ل "البحتري" :

والمنايا مواثِل وأنُو شِرْ   وانَ يُزجي الصفوف تحت الدٌرْفَس

يغضبها . يخبرها أنه ما زال يحب غزة منذ زمن الجمر .  تتحرك، ترى الدرفسَ يُرفَع في غزة .  تتخلص من الماضي وتتحرك نحو المستقبل، اقتداءً بقول جدها- تَحَرَكُوا تُرْزَقُوا .

تمسح الغبار وهي تفكر في جائزة البَاكُور، والتملق لسلطة بعض الأدباء المتحذلقين، تتحرك في لعبة فنية مغرية تبعدها عن غزة . تشتكي لوالدتها، تنصحها بقولها- العبي  على رَأسِ القضيبِ . لا تحسن اللعب على رأس القضيب، تسقط على الأرض، تلتفت إليه وقد ارتبكت لأنها علمت من نظراته أنه لا يريد أن تحكي لها عن غَزٌة زمن الجمر، يريد أن تحكي له عن القدس زمن الرماد، خرج غاضباً وعاد مسالماً وجدها  تمسح الغبار. قال لها :

- لقد انتهيت بالأمس من قراءة رواية - شجرة الورد، وسأقرأ اليوم  رواية - دولة الكلاب العظمى.

لا تسمعه. يردد:

أفاطمُ مهلا بعض هذا التدلل وإن كنت أقد أزمعت صرم فأجملي

يقول لها:

-الشعر الجاهلي شعر عالمي يستحق العرب أن يفتخرون به.

تمسحُ الغبارَ.يتحرك وقد استشاط غضبا. يصرخ قائلا:

-  لماذا لم تُرَتّقِ قميصي الأزرق لحد الآن وتضيفي الزٌر السادس الذي سقط ؟ . منذ شهر وهو معلق على المِشْجَب .  لقد لبسته هذا النهار بدون زر سادس. سأخرج إلى مقهى -الجمرة . أخجل أن ينتبه أصدقائي إلى فراغ الزِرِ السادس .

كان على علم بغوايتها للرتق . كلما استرعى بصرها قميصا فتقه أو  زِراً  نزعه، إلاّ وبادرت برتقه ولصقه . لكنها تغيرتْ في زمن الرماد . لم تعد تهتم بالرتق واللصق ،لأنها عرفت سبب فتق القميص ونزع  الزٌر . كان  في زمن الجمر يتأهب للخروج بسرعة إلى غزة . في فعله هذا ضرر لها و نفع له . يسألها وكأنه علم بضرر غزة :

- ما علاقة قميصي بغزة ؟

أدركت مَغَبة الأمر . وأحجمت عن فضح حب حصل بين غزة و فاس في زمن الجمر . ارتمت على كتفيه وبدأت تغني له بصوت خافت، كأن مياه الأطلس المتوسط تترقرق وتعزف السيمفونية الثامنة ل "بتهوفن"، وندى الفجر يعانق الورد . تغني :

- يا نسيم الوَردِ خبر للرشا

لم يزدني الوِردُ إلا عطشا،

لي حبيب حبه وسط الحشا،

إن يشا يمشي على خدي مشى،

روحه روحي وروحي روحه،

إن يشا شئت وإن شئت يشا.

تجد هذا الشعر شبيها بآخر قصيدة  وصلتها من صديقتها الشاعرة التي تقيم بمدينة هاملتون:

- أنتَ...أنا.

تغني بصوت العاشق الولهان. تحاول أن تقلد لَكْنَة والدها الأمازيغية، كما كان يغني هذه الأغنية زمن الجمر، وسط الغابات ومياه الأطلس تترقرق والندى يعانق الورد.

- روحه روحي وروحي روحه.

يتحرك مشتغلاً بالأرقام. لا تفهمُ ماذا يفعل. بخلاف والدها الذي كانت تفهمُ ما يفعل- يجمع، يطرح، يضرب، يقسم. يدفع أجر الأسبوع للعمال. تفتح ملف قصة - وردة لعائشة. تقفل بريدها.

تمسح الغبار عن ديوان - زهرة الجبال العارية. تفتح صفحة 56. الماضي مثل كلب  نعطيه المسكنات كي يهدأ. تكتب على الفور رسالة إلكترونية، إلى صديقتها الشاعرة السورية من مدينة أوكلاند -غَيّري زهرة،  في طبعة جديدة ب -أزهار الغابات العارية. تغني :

-عطشانة مكويّة بالنار الما يجري قدامي...

تنبعث من نفسها اللوامة نيران غزة، و تستمع إلى السيمفونية الثامنة وتغني:

-محبة غزالي مازالت نيرانه في قلبي شاعلة قوية

..محال ننسى غزالي محال ننساه  

هو دايما في بالي وعقلي امعاه

 

لطيفة حليم

 أستاذة جامعية وكاتبة حاصلة على شهادة الدكتوراه، تعيش ما بين كندا وبلدها المغرب، صدرت لها روايتان “دنياجات” عام 2007 عن منشورات زاوية الفن والثقافة، و“نهاران” عام  2012   عن دار فكر المغربية بالرباط . بالإضافة إلى نشرها العديد من المقالات والمواضيع في مطبوعات متعددة .

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved