رُفات ألبير كامو بين اليسار واليمين !

2010-04-09
اذا كان النقاد والقراء يتنازعون الكُتاب في حياتهم ومماتهم فإن للسياسة حق آخر قد يكون اقوى من كل تلك المنازعات .
ألبير كامو الكاتب وبطل المقاومة الفرنسية والفاتن وحارس المرمى وصاحب الشعبية الأكثر بين كُتاب العالم الذي تنازعته العقول قبل اكثر من خمسين سنة وغازلته النساء ، باتت السلطة السياسية تتنازعه وتغازل جسده المسجى في لحده لتتمكن من نقل رفاته الى مكان آخر في بانتيون .
كامو الذي توفي في 4 كانون الثاني 1960 عندما انزلقت سيارته القوية على طريق تغطيه الثلوج يبعد عن العاصمة الفرنسية باريس 100 ميل جنوبا ، وارتطم بشجرة عملاقة لتنتهي حياته في مشهد مأساوي يعاد تصويره في كل عام لكاتب إسطوري اثرى بأعماله المشهد الأدبي الفرنسي والعالمي .
وتتزامن الذكرى الخمسون لرحيله مع فكرة اثارها الرئيس الفرنسي ساركوزي بنقل رفات هذا الأديب الكبير الى مبنى " البانتيون " التاريخي الذي يحتضن في باريس كبار الشخصيات الفرنسية ، هذه الفكرة عارضتها عائلة كامو معارضة شديدة حيث اعتبر نجله " جان كامو " المبادرة ب "المناورة " لأغراض سياسية وحسب ما اوردته صحيفة " لوموند " ، في حين لم يتردد كثيرون في الاوساط السياسية والاعلامية الفرنسية بإثارة تساؤلات وتعليقات حول مبادرة ساركوزي ، فقد تساءل البعض إن كان الرئيس الفرنسي ينوي من خلال مشروعه الإهتمام ب " ثمرة فكرية " من صنع " المدرسة الجمهورية " الفرنسية المفتوحة لجميع الفرنسيين بمختلف شرائحهم الاجتماعية ، فيما تساءل آخرون إن كان الأمر يتعلق بمبادرة جديدة ل " الانفتاح على اليسار " في اشارة الى إشراك ساركوزي شخصيات من الحزب الاشتراكي المعارض منذ انتخابه في ربيع 2007 رئيسا للدولة .
بعض المثقفين رجح ان تكون تلك الدوافع حراكا ثقافيا مع بداية عام جديد تستقبله فرنسا ، هذا الأمر يثير مسألة هامة الا وهي الاهتمام الرسمي بالمبدعين ممن شغلوا الساحات الأدبية والفنية وغيرها من المجالات الابداعية ورحلوا بعد ان تناثرت شواهد قبورهم في مناطق متباعدة ، ولغرض تكريمهم في ان تنقل رفاتهم الى مكان هو صرح كبير لرجالات كبار حتى يكون الإحتفاء بهم في كل مناسبة احتفالا يليق بتلك القامات العظيمة .
الكاتب " جون يشفيلد " كتب في الإندبندنت اللندنية ان الرئيس الفرنسي ومنذ شبابه كان معجبا بكامو ومتعطشا حتى وهو في سدة رئاسته لفرنسا بقراءة رواياته الذائعة الصيت ك "الغريب " و " الطاعون " ، والشيئ الذي لم يجرؤ احدا من قبله القيام به هو محاولة لانتزاع جثة بطل الجناح اليساري في حين ان اليمين هو المهيمن في قراراته الآن ، الا ان ذلك كله لايمنع ان كامو كان فرنسيا سواء أمال يمينا أم يسارا .
كامو وبتعبير أوليفييه تود وهو صاحب افضل السير الذاتية التي كُتبت عنه يقول : ( أولا وقبل كل شيئ كامو كاتب حرفي عظيم ، سعى للتعبير عن العبث وسر الحياة ، واذا كان يحسبه البعض في كتاباته الادبية على طريقة فلسفية معينة ، الا انه وفي وقت مبكر جدا قال : انا لست وجوديا ) ، هذا القول يدعمه تصرف كامو عندما ربطت صداقة قوية جدا بينه وبين سارتر الا انها سرعان ما انفرط عقدها أن كامو سخر من سارتر - بحسب قول بعض المثقفين الفرنسيين - بسبب ربطه غير المتوازن بين مفهوم الحرية والشيوعية ، وهذا ما لايدعمه فريق آخر من المثقفين سيما وان كامو كان يكن احتراما كبيرا لسارتر ولنظريته ولم يكتب يوما شيئا عن ذلك الاختلاف .
كامو ولد في عائلة فقيرة في الجزائر عام 1913 في ضاحية عنابة على الحدود الشرقية ، وترعرع في حي " بلكور " الشعبي بالجزائر العاصمة وسط محيط اجتماعي متواضع ، وقد أظهر في بداية مساره الدراسي مؤهلات ومواهب في مجال الآداب الامر الذي دفع بمدرسه " لويس جرمان " الى تشجيعه على الاجتهاد ومواصلة مشواره الدراسي .
في مطلع الاربعينيات استقر كامو بباريس حيث انطلق في كتابة ثلاثة اعمال فلسفية حول حياة الانسان وأوضاعه في العالم الراهن ، وفي العام 1943 انخرط في صفوف المقاومة الفرنسية ضد النازية ، وأخذ على عاتقه إدارة صحيفة " كومبا " التي كانت تعمل في الخفاء وتميزت ضمن الصحف القليلة التي نددت باستعمال امريكا للقنبلة النووية ضد اليابان في اغسطس / آب 1945 ، وقد واصل الكاتب نضاله حتى بعد ان وضعت الحرب اوزارها باعتماد مواقف حازمة علقت عليها الصحافة والرأي العام ، ومن بين المواقف التي طبعت صفحات الجرائد تنديد البير كامو اليساري بتصلب نظام الإتحاد السوفيتي السياسي وتوجهاته نحو الشمولية والدكتاتورية .
حاز على جائزة نوبل عام 1957 منتزعا بذلك اعتراف العائلة الأدبية الدولية لمجمل اعماله ، وقد سلطت روايات ومسرحيات ومقالات الكاتب الأضواء على المشاكل التي تؤثر على ضمير الإنسان ، ولم يفوّت كامو فرصة تتويجه بعروس الجوائز الأدبية للتنويه بالإشادة بدور مدرسه الذي حثه على شق مساره الدراسي نحو التألق والإجتهاد في مجال الأدب .
والمثير الذي أدهش الرأي العام الفرنسي في غمرة احتفالاتهم بذكرى وفاة كامو أن هناك مخطوطة عُثر عليها لنص روائي يكون قد تناول فيه حياته داخل سيارته بعد الحادث مباشرة ولم تنشر تفاصيل اضافية حول هذه المخطوطة ، لكنها في كل الاحوال لاتخطف الاضواء عن قضية نقل رفاته التي بقيت متأرجحة بين القرار الرسمي من جهة والشعبي من جهة اخرى ، ولكن يبقى كامو مثار جدل حتى بعد موته قبل اكثر من نصف قرن .
أحمد فاضل

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved