رايا

2010-11-22

ال//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/ce80a800-b347-4ee7-8236-5d423cab4eab.jpeg بعض خُلقَ ليزرعَ الأرض ..

والبعض خُلقَ ليجبل الطين ..

والبعض خُلقَ ليكون مُحارباً ..


المكان هادئ .. وجيشُ الامبراطور العظيم بمواجهة أسوار مدينة رايا .. لقد كانَ الجنود بدروعهم المدوّرة وسيوفهم القصيرة أشبه بتماثيل ساكنة .. تماثيل متحجرة تنتظرُ من القائد المحارب أن ينفخَ فيها الحياة .. لا صوتَ إلا لرايةٍ كبيرة سوداء تخفقُ عالياً .


القائدُ المحاربُ ذو المنكبين العريضين والنظرة الثاقبة على ظهر خيلهِ الأسود .. يرفع رأسه وينظر إلى الشمس بصمتٍ ثقيل .. ها هي الشمس قد أصبحت في وجهِ مقاتلي رايا المتمركزين فوق الأسوار .. نزلَ عن حصانه .. انتزعَ رمحاً طويلاً كان مغروساً في الأرض .. رفعَ الرمح بمواجهة جنوده عالياً لتراه جميع الكتائب .. ثم التفتَ ورمى الرمح بحركةٍ سريعةٍ وقوية .. كان الرمح يخترق الهواء مُلتفاً حول نفسه .. إنه أشبه بنيزكٍ يخطُّ في السماء .. وبعد ثوان قليلة رأتْ الكتائب في مشهد مريع كيف سقطَ أحد جنود رايا من فوق السور إلى الأسفل .


إنها ضربةٌ قاسمة من محارب عنيد .. صرخَ الجنود بملئ حناجِرهم وقُرعت السيوف على الدروع بقوة .. وتقدّم جيش الامبراطور ليسحقَ أسوار رايا ويستولي على المدينة .


رقعةُ الامبراطور تمتدُ في مختلف بقاعِ الأرض .. ولكن هذه المدينة بأسوارها العالية وجنودها الغِلاظ , استعصتْ على كل القادة الذين أتوا لغزوها .. محاربٌ شاب لا أحد يعرف نسبَه استطاع كسبَ ودِّ الامبراطور وإقناعه بأن يُزوِّده بالعتاد والرجال .. هو لا يطمح للسيادة .. يُقال إنه عاش في صغره بمدينة رايا وربما يكون له حبيبة أو كنزٌ مدفون .


رجالٌ أشداء يكرّون كصخورٍ تتدحرجُ بغضبٍ نحو المدينة .. وعلى وقع خُطى الخيل .. اختلطَ الغبار بالشرار .. إنهم كالوحوش .. ما الذي زرعه هذا المُحارب في نفوسهم .. ومن أي طين جَبَلَ عزيمةَ أجسادهم .. بماذا وعدهم وما هذه الخطة المجنونة .. كتيبتان كاملتان تهجمان بالسيوف فقط .. الرجال يَرمون بالحبال ليتسلقوا الأسوار .. كتيبتان أخريان تتبعهما .. وجنود رايا يتصدون لهم بالسهام والماء المغلي .. لقد انتهى الأمر بسهولة وأصبح آلاف الرجال من جيش الامبراطور مُكدّسين بالأسفل على حافة أسوار رايا .. انسحبتْ باقي الكتائب وهُزمَ جيش الامبراطور .. حتى قتلاهم ومصابيهم لم يأتِ أحد لأخذهم .. لا أحد يعلم ما الذي يجري هنا .. وحدها الطيور الجارحة التي مازالتْ تُحلق في السماء تعرف كيف يُفكّر المحاربون .


بعد غياب الشمس ووسطَ فرحة جنود رايا بالنصر .. تحرّكَ شيء ما من تحت أكوام القتلى .. إنه جنديٌ حي .. يتسلق الجدار بواسطة خنجرين صغيرين يحملهما بقبضتيه .. وبعد دقائق تبعهُ مئات الرجال من تحت الركام .. وهاهو جيش الامبراطور بقيادة محاربه العنيد يكرُّ من جهة مختلفة .. وها هي المجانيق في أعلى الجبل المقابل تقذفُ كرات اللهب داخل المدينة .. الرماة يُباغَتون ويُقتَلون فوق الأسوار .. حمحماتُ الخيل وصرخاتُ الرجال تبعثُ الهلع في نفوس مقاتلي رايا .


رجالٌ قساةٌ في الزمن الصعب .. يدافعون عن أحلامهم بأرواحهم ..لا أحد يستطيع تقييم أحلامنا.. صغيرةً كانتْ أم كبيرة سوى مدى عزمنا للحصول عليها .. لكل طريقته في الوصول إلى الحلم .. فالبعض خُلقَ ليحصدَ السنابل .. والبعض خُلق ليصنع الفخار .. والبعض خُلق ليخلقَ الأحلام .


باب المدينة الخشبي الكبير ما زال صامداً .. والمعركة على الأسوار تزداد ضراوة .. كان من الصعب اقتحام الباب .. لهذا أمرَ المحارب إحدى فرقه بالحفرِ أمام الباب وقطعِ أرجلِ المدافعين عنه في الخلف .. إنه أمر صعب .. ولكن ليس على جنود المحارب المشحوذين بالنار .. كسيوفٍ جارحة .. وأمر أن يوضع في المنجنيق الواحد مجموعة كرات صغيرة مُلتهبة بدلاً من كرة واحدة وذلك لتوزيع الحريق في أرجاء المدينة .. للنصرِ ثمن .. وللحُلم ثمن أيضاً .


رايا .. لبستْ عباءتها السوداء وسقطتْ تحت حكم الامبراطور .. رايا .. شجرةٌ ذات جذور عظيمة أبتْ أن تنكسر وقلعتها رياح المحارب .. امرأةٌ جميلةٌ وقوية أضعفتْها رغبةُ المحارب .. وبعد أن خمدت النيران وجاء نهار جديد .. زُينت المدينة احتفالاً بالنصر .. وفرحاً بمجيء الامبراطور العظيم الذي حلم منذ زمن بعيد أن يجلسَ على كرسيِّه الذهبي وسطَ هذه المدينة المُفعمة بالجمال والحيوية .. ويغرسَ فوق خارطة الأرض دبّوسَ انتصارٍ جديد .


وبينما كانت الورود تُنثر فوق موكب الامبراطور .. والأبواق تَعزف احتفاءً بالفتح الكبير .. وجميع الجنود يشربون ويرقصون مع سباياهم و أموالهم .. كان المحاربُ العنيد في ركنٍ من أركان المدينة .. يجلس على ركبتيه أمامَ منزل قديم ويحفرُ بيديه في الأرضِ الترابية ..

لقد وجدها .. دميةٌ صغيرة بحجمِ الكف .. عينان خضراوان وشعرٌ أشقر .


عمرو حاج محمد

Amr.h.m@hotmail.com

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved