شوبان يعزف لأبي ألهول !

2009-08-30
بمناسبة مرور مئتي عام على ولادته ..
شوبان يعزف لأبي ألهول !
بخطى وئيدة سوف يتقدم ألعازفون ليجلسوا أمام أبو ألهول وقبل أن تمر أصابعهم على صندوق ألبيانو ليعزفوا ( سوناتا ثلاثة مقام سي مينور ) أو ( ليليات نوكتورن ) لشوبان ، سيقفون دقيقة صمت واحدة على روح هذا ألعبقري ألذي فارق ألدنيا وهو بعد في ريعان شبابه ورجولته ، فقد أعلن رئيس هيئة دار ألأوبرا المصرية أن بولندا إختارت مسرح ألصوت والضوء قرب إهرامات ألجيزة وتمثال أبو ألهول ليكون من ألأمكنة ألتي ستنطلق منها الإحتفالات بمرور مئتي عام على ولادة ألمؤلف ألموسيقي ألعظيم فريدريك شوبان .
وقبل أن يبدأ ألقرن ألثامن عشر بعشر سنوات وبولندا تعيش أسوأ أيامها ، فقد ساءت فيها ألأحوال ألسياسية ونشبت ألحروب بين مدنها من جهة وبين جيرانها حتى بلغت ذروتها بتقسيمها بين ألنمسا وبروسيا ( ألمانيا ) في عام 1790 واختفت بولندا في هذا ألوقت من خريطة ألعالم بعد أن شهدت في ألقرن ألسابع عشر نهضة حضارية بوأتها أن تكون قُبلة أوربا في ذلك ألوقت خاصة في ألمجالات ألثقافية والفنية .
في هذا ألجو ألمشحون ولد فريدريك شوبان وهو لايعلم ما آلت إليه بلاده ، فكانت ولادته في 22 شباط سنة 1810 من أم بولندية وأب فرنسي في قرية تبعد عن مدينة وارسو بحوالي 30 كيلومتر، واتفق ساعة ولادته أن كانت إحدى ألفرق ألموسيقية ألمتجولة تعزف تحت نافذة ألغرفة ألتي ولد فيها وكما يقول عنه أحد ألكُتاب ألمجهولين
:( وعلى خلاف ألعادة لم يفتح ألوليد فمه ليستقبل ألنور بالبكاء وإنما فتح أذنيه ليسمع ألموسيقى ولتكون تلك همزة ألوصل بين ألأرض والسماء ) .
إنتقلت ألعائلة به بعد سنوات قصيرة إلى وارسو حيث تلقى تعليما ثانويا عاديا ، وهو يعيش في كنف والده ألفرنسي ألذي يعشق ألموسيقى وجد في ركن من أركان ألدار صندوقا للبيانو فاقترب منه بحذر ليتفحصه فأصيب بالدهشة حينما لامست أصابعه ألناعمة تلك ألخطوط ألبيضاء والسوداء فوجده ينطق نغمات شجية ، وهكذا راح يعزف على تلك الآلة عزفا لايفقه معناه ، لكنه إستطاع وهو في ألتاسعة من عمره أن يعزف منفردا في حفل أقيم له فأدهش ألجميع .
مع بلوغه ألخامسة عشرة من ألعمر عزف أولى مؤلفاته ألموسيقية أمام ألأمبراطور إسكندر قيصر روسيا وما كاد ينتهي حتى ضمه ألقيصر إلى صدره ونزع من إصبعه خاتما ثمينا قدمه إليه وهو يقول له : ( لقد أردت أن أضفي شرفا على هذا ألخاتم يخلده ، وأعتقد أنك عندما تضعه في إصبعك ستكتب له ألخلود ) .
لم يكد يبلغ شوبان ألثامنة عشرة حتى بدأ يتطلع إلى برلين ألتي زارها واستمع إلى أوركسترا فرقها فأعجبه ذلك ألرقي من ألموسيقى ألتي إفتقدها بهذا ألمستوى في وارسو ، ثم رحل منها إلى فيينا حيث تعرف على ألكثير من موسيقييها ألمرموقين وعزف لهم مؤلفاته فأجمعوا ألرأي على عبقريته وإبتكاره لأساليب جديدة لم يعهدوها من قبل ، وكانت آلة ألبيانو قد وصلت في عهده إلى أرقى ألحدود ، وأحس شوبان بإمكانيات هذه الآلة فكتب لها ببراعة لايضاهيه فيها أحد إلى يومنا هذا ، أما إبتكاراته فتشتمل على معزوفاته ألقصيرة من نوع ألفانتازي والشخرزو وكذلك ألشخرزو رقم 2 في سلم سي بيمول ألصغير تسلسل 31 .
بالرغم من عمره ألقصير ألذي عاشه قدم لنا مجموعة كبيرة ورائعة من ألمؤلفات ألموسيقية ، وكأنه كان يسابق ألزمن لإحساسه بأن رحلته في هذه ألدنيا ستكون قصيرة ، فاستوحى تلك ألمؤلفات من ألرقصات ألشعبية ألتي يزخر بها ألفولكلورألبولوني مثل رقصة ( ألبولونيز ) رقم 3 في سلم لا ألكبير تسلسل 40 رقم 1 والفالس رقم 6 في سلم ري بيمول ألكبير تسلسل 64 رقم 1 وغيرها من ألأعمال وهذه ألأرقام والتسلسلات يفهمها ألموسيقيون لأنها مكتوبة على ألنوتة .(1)
كانت تلك ألألحان تتفق وروحه ألصافية ألنقية ، يتنقل فيها من نغمات ألحب إلى نغمات السرور ، ومنها إلى حزن وآلام ثم يعرج إلى ألحان ألغزل ومن أروع أعماله
( ليالي بنات ألحور ) وهي من ألحان ألباليه أو ما يعرف بإسم ( ألسلفيد ) والمعروف أن شوبان لم يخصص هذه ألألحان للرقص ألتعبيري بحسب تعبير ألفنان مازن منصور ، ولكن ( وايت وموراي ) قاما بإختيار بعض هذه ألألحان بعد وفاته لما تمتاز من نغمات حلوة راقصة تتفق والفكرة ألمنشودة . (2)
ما ان حل ألعام 1830 حتى حزم حقائبه للسفر إلى باريس حيث كان والده يحدثه عنها كثيرا وما ان وصلها حتى إندمج في حياتها ألفنية خاصة في عاصمتها باريس ألتي سبقه إليها ألكثير من عباقرة ألموسيقى كما إندمج في صالوناتها ألأدبية والفنية ، وهكذا تعرف على ( جورج صاند ) ألكاتبة ألفرنسية ألمشهورة ودامت صداقتهم عشر سنوات ثم إنتهت فجأة دون أن يعرف أحدا ألأسباب .
كان أشد ما يؤلمه ويعذبه أنه لن يرى بولونيا مرة ثانية لذلك كان قد ملأ قبل سفره إلى باريس كأسا صغيرة من تراب وطنه كان يحملها معه أينما ذهب وماهي إلا عشرون سنة حتى قضى نحبه في باريس بداء ألصدر ( ألسل ) فلما ووري نعشه ألثرى نثر أصدقاؤه ومحبوه محتويات ألكأس ألصغيرة فوق ألنعش .
شوبان عشق بولونيا بجنون حتى كتب مرة من إسكتلندا قائلا : (عزيزتي بولونيا ..أراك من خلال ألضباب ألكثيف بعيني أمي ، فمها ، وذقنها ..بولونيا ألتي تنشدين وتبكين ..أيتها ألأرض ألحبيبة ألمسكينة ، إن قلبي لك ) ، وكما عشق شوبان ألفن والترحال ها هي موسيقاه تصدح من ألبيانو مرة أخرى لتشنّف ألأسماع بترجيع صداها ألسحري أمام الإهرامات وكأن أبا ألهول خرج من صمته وأخذ يصفق لشوبان .
ألهوامش
(1) كاتب مجهول
(2) ألفنان ألموسيقي مازن منصور
أحمد فاضل

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved