اعتراف يشبه القول : إنَّ القلب الذي لا يعرف الحُبّ، هو صندوقٌ خشبي أجوف . يعتريه وجع الفراغ من النبض، وهدير الدم الصاخب الذي يلهبه العناق .
ربمّا كان يعيشُ صدفةً، مثل أيّ نبتةٍ بريةٍ تحيا على قطراتٍ تهمي من السماء في موسم المطر الشحيح . أحببتكَ لا أنكر، وكان الحب في ذلك الوقت أمنيتي الوحيدة؛ كان عشبةً من النار، وتارةً غابة من بلل البنفسج . تفتحُ كلّ مغاليق الأبواب الموصدة بوزر المسافات .
رويتها بدمعي الوفير . لم أكن أستطيع أن أشرح لك : كيف تسرّبَ حبّكَ إلى شراييني وملأها بزغبِ الوجود . وكيف غرقت بتأويل النجاة منك . وكيف أصبحتُ أترنّح بوهج حضورك المغناطيسي . عندما هلَّ عليَّ وجهك كترنيمة مقدسة، تمازجتَ مع شغفي بالانصهار بك، فأصبحت أقف في محراب العاشقين، أسبّحُ ثلاثاً وثلاثين وأحمد ثلاثاً وثلاثين وأعتمر بك حتى تزول مني معصية الكفر باللقاء .
فمنذ اللحظة الأولى التي احتللتَ فيها كهف قلبي الذي كان يملأهُ الخوف والحزن، كنتَ فارسي الأول والأخير، امتطيت جواد عشقي وأخذتني معك إلى المدى البعيد . كنت هناك طائراً، يجرّب فتنة التحليق بلا جليد، في حلمي الصغير وخيالي المجنون عشتُ معك وفيك أجملَ قصةَ حبٍ عذريةٍ، لم يعرفها أحد .
ربّما أنت لا تعرف يا سيدي بأنّ الأنثى الشرقية لا يسمحُ لها أن ترتدي عباءة الحب . لأنها ستقع في الإثم الكبير . ولو فتحت باب قلبها سيدخلون إليه ويحطمون زجاجه . فتتشظى روحها، وتشقى إلى الأبد . وبالرغم من أنني كنت أؤمن بأنّ الأنثى إذا أحبّت بصدق ستدوس بحذائها كل القوانين، وتحطّم أسوار قبيلتها لتحيا كما تحب .
الحب يستحقُّ أن نحارب من أجله، أن نذوب تحت ثلوج جمره، لأنه سيكون الوطن الجميل الذي سنعيش تحت خيمته . الأنثى من الممكن أن تصبحَ زوجةً فقط، تجلس قرب المدفئة لتحكي لطفلتها حكاية سندريلا وتخبرها عن الأمير الذي جاء وأحضر فردة حذائها الضائعة، ليأخذها إلى قصره الجميل . ذات يوم سترتدي ثوب زفافها الأبيض، وتنام بجانب زوجٍ لا تحبّهُ وربما تتزوج قاتلها ومغتصبها، لتهرب من لعنة الآباء والأجداد .
هكذا هي الأنثى في الشرق، يا حبيبي تعشقُ في الحكايا والأساطير فقط .
تعيشُ قصص الحب الوهمية لكي لا تجف وتسقط كورقة خريفية في مقتبل الشباب .
لكي لا تموت من الداخل وهي تمشي على قدمين وهميتين . تغمضُ عينيها كي لا يروا حبيبها الذي سكن أحداقها منذ أن نبت أولّ برعم حبٍ في أحشائها .
أكتب رسالتي له ولو أنّني أعرف جيداً، أنّهُ لن يقرأها ولن يعرف متى كتبتها ولكن أعرف أن عطرها سيرحل إليه ليحدثه عن كل الوجد الذي ما زال يسكن كلّ جوارحي . ما كنتُ لأعرفني لولاه وما كنتُ سأكتب حرفاً واحداً من الشعر . لو لم يكن شمعة الأمل الذي تمنحني الضياء في عتمة هذا الكون الخالصة . أنتَ كثافة هذا الوجود الجميل . والقنديل الذي لا ينطفئ ولو سادَ الليل على مدى الوقت . لو كنتُ أنا ملاكاً لتكن أنت معصيتي الأولى والأخيرة .
العاشقون هم الوحيدون الذين يعرفون نعمة الحب، لأنها تمدّهم بكل أسباب البقاء والسعادة . وتمنحهم الشعور بالرضى والسكينة والاكتفاء . الحب يغسل الروح بشلاّلٍ من الزهر . ويمنح العنين ضياءها الأبدي .
أنا أعيش لحظة الترف الرهيب عندما اراكَ واقفاً أمامي كالسيف بكل عنفوانك وبكل ما تحمله من بهاء . وقوة وجبروت قد يكون حبي لك قد حدث من زمنٍ سحيق أو ربما قبل أن أولد بملايين السنين . وما زال ظلّك يفشي للجسد اشتياقه، يسكب عطره على كل وردة عابرة، وحين يتسرب البكاء إلى مرايا الروح، تكون أنت الفراشة الوحيدة التي تواسي الضوء .