إسمع يا رضا

2018-09-15
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/d4db3064-ab80-4358-81eb-02553f4d31c9.jpeg
إلى الأستاذ
والمهندس الصديق 
عادل الحاج حسن


لعلَّ فيض المعرفة 
  يقتضي بالضرورة مزيدا
من الضلالة.. وقلة الإدراك 

"ولئن انتبهنا إلى بعض الأمور.. ؟
ربما تاهت من فكرنا الأمور الأهم.. !"

  

لعقود طويلة خلتْ عرفنا كتاباً للمطالعة في نهايةِ المرحلة الإبتدائية. أتحفتنا به المكتبات ولهجَت به الألسن لوقتٍ طويل، وتردّدتْ أصداؤه بين الناس ونصحت به إدارات المدارس . "إسمع يا رضا" : للمُتَّهم الغريم الدكتور أنيس فْرَيْحَة طيَّب الله ثراه . كتابٌ يحمل الوداعة والتفاؤل والأمل للقلوب المتعَبة، التي أضناها واستبدُّ بها القلق . 
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/21841ae9-0467-46bd-bd7e-f21019f07f07.jpeg
يتحدثُ الأبُ إلى رضا صديقه وابنه ناصحا ومرشدا، بما اكتسبه من خبرة في سنواتِ عمره وما عاناه من المتاعب . وهكذا يمضي الكاتب الأديب فيروي حكاياته بنفَس قصصي ممتع له رائحة مميَّزة، ونبرة حارة أتية من البعيد، مشبعة بالخيال الرائق البسيط عن أحوال أهل الريف، وعن مواسم العزّ من الفواكه والحنطة والحرير . 

 تداول الناسُ الحكاية لوقت طويل، وبنى زياد الرحباني من وحيها عملا موسيقيا رائعا . تمخضَ عن أغنية شعبية لاقت رواجا واسعا، وترددت أصداؤها على كل شفة ولسان . أدّى الأغنية بكفاءة عالية المغفور له "جوزيف صقر"، والنغم لحلاوته يدفعُ إلى الرقصِ العفويّ في بعضِ المقاطع  .

 شغفتنا الأغنية أيضا وتركت بصماتها في أعماق قلوبنا. وهكذا عندما يتقوَّضُ منطقُ الأُمور وتغدو القلوبُ مقبرة للأمل، وتتحول القضايا الكبرى إلى هزائم .. ؟ نستدعي دفاترنا القديمة علَّنا نجد فيها ما يجدي ويُجير . 

https://www.youtube.com/watch?v=5YjE3DnFl_g

وبعد.. فعندما أطرقُ موضوعا أدبيا..؟ لا أتوخّى الدقة العالية في التوثيق، كمن يشرِّعُ مادة تلتزم بها الأمم المتحدة، أو كأن مستر طومسون يتحدث عن نيوتن ويشرح لنا ببراعة وتعصّب شديد، المبدأ الثالث من نظرية الفعل وردَّة الفعل واختراع المحرك النفاث . لكنني أبذل قصارى جهدي لكي أقول ما أريده ببساطة ووضوح .

ولا أدري حقا يا صديقي لماذا لا تتساهل معي وتتحملني قليلا.. ؟ كأنني خصمك دون الآخرين أو كأنك العاشق الوحيد، لتُلقى تبعات الهوى ومساوىء اللغة أو محاسنها على عاتقيك ..! ؟ وهكذا يا "زلمي" في كل مرة تَعُودُ وتلحقني عالدَّعسة بتعبيرنا في لبنان، أو يا "زُوْلْ" كما يقول الأخوة في السودان.. ! 

ومفردة زُوْلْ ربما كانت جديدة عليك..؟ لكنها موجودة في لسان العرب، وتصلح طرف خيط في البناء على موضوع جديد، "تَكْرُبُني" فيه بالعصا الأدبيّة بالمعنى المَحَليّ للمفردة، فأعدو أمامك وأنا ألهث حتى تكاد تنقطع أنفاسي، وأنت تجدُّ في العدو ورائي لتمسكني وتشهِّر بضعفي وهزيمتي وأخطائي.. ! ؟ 

ولو أنك تعرف جيدا يا صديقي أنني تعلَّمتُ برغيف وبيضة، وأنني رسبتُ في السرتفيكا  على مدى سنتين على التوالي بسبب العربي والحساب، وأنني سريع الدمعة وشديد المسالمة حتى حدود الخيبة والانكسار . أكثر وداعة من نعجة السيد المسيح، وأرفع رايتي البيضاء عالية إلى فوق، أعلى من رأسي بمترين.. ! ؟ ومن وحي اسمع يا رضا وزياد الرحباني صاحب الرابط .."مش هَمّ بعد اليوم انبهدلني حدا..!! صارت حياتي كلها شي بهدلي" .

ولئن التقى أو تنافر السّاكنان..؟ فهذه الجديَّة الصارمة والسواعد الأدبية المفتولة، والجفاء في التعاطي اللغوي لا يليق بالأهل الأصدقاء، ممن يشاركون في سهرات السبت.. ! ؟ ولا فرق بعدها عندي ما دام ارتقاء العرب، أو تداعيهم للسقوط ليس محصورا باللغة وحدها وحسب..! 

ولا أدري حقاً لماذا الدكتور أحمد يمعن في خيانتي، بتردُّده وسكوته والتباس مواقفه، وانشغاله عن السهرة بجورج خبَّاز ومعبد باخوس، ويترك سهرتنا وخمرة كسارة من الصنف المعتّق الحلال..؟ والدكتور عبد الأحد أيضا وشوقي، والشيخ راضي السبلاني، وهيام ضمرة ودينا ومهند وإيناس وشهربان وميسون ونورة ومنال وهدى المهداوي، وعصفورة النهرين، ومن غابوا عن السمع يتفرجون ويقفون مما يجري على الحياد.. ! ؟ 

 لكنّك يا صديقي لو كنتَ تضمن لي، أن صلاح أحوال هذه الأمَّة المنكوبة، ينحصر بالتزام القواعد والإعراب ! ؟ لكنتُ تعهَّدتُ لك بالمقابل وسهرتُ على الأمانة والتزام العهد بالوفاء، بأن أتعلم وأراعي حيثما تدعو الحاجة دقة استخدام الفواصل، وهمزتيّ القطع والوصل وأدوات النصب والجزم وجواب الشرط، وحسن الارتباط بين سائر المفردات بجدية ودقة متناهية، ومنها عدم التقاء الساكنين وصحة أو خلل استخدام "حيثما"، التي انتهينا من البحث فيها، بعد الرجوع إلى سعيد عقل وهل جَنَّة الله إلاّ .. ؟ وأبجد هوَّز من الغلاف إلى الغلاف.. ؟  

ولكن منذ تسعين عاما وما فوق، "لا شيء يطلع من هذه الأرض.. إلاَّ الطِّباق وَإلاَّ الجِناس وَإلاَّ ألاعيب علمِ الكلام.. !" من يسمعك يا صديقي يتراءى له أن الدنيا بألف خير، وأن العلة إنما تكمن في الساكِنَين وحيثما وحسبما.. ! ليبقى السؤال : هل يتحسن أداء معظم الحكام العرب، إن تعلموا البلاغة وأصول الصرف والنحو.. ! ؟ 

لماذا ونحن "على المنعطف الأخير"، لا نطرب للغناء ونشنِّف أسماعنا بأنغام إسمع يا رضا، أو بعد العشا يِحْلى الهزار والفَرْفشة.. ؟ ولماذا تصرّ يا صديقي أن نفتش في الكتابة عمّا يتعب ولا يجدي.. ؟ أو يصلح أحوالنا ولو قليلا في بسمة عابرة وليلة طرب طويلة، مع أهل الهوى في " صحبة هنيَّة على وتر رنَّان للصبحيَّة"، أو بيتين من الميجانا والعتابا بصوت وديع وصباح أو ابن البلد ملحم زين . ما دام كل تاريخ العرب بتعبير الماغوط  يمكن اختصاره ببيت من العتابا.. ! والماغوط كان رائدا في الحداثة وليس محسوبا في صفوف التآمر والانعزال .

ولماذا لا نستبيح لأنفسنا الحديث ببعض الأُمور المحظورة من نوادر الجنس أمام النساء، وسوء السياسة وشتيمة أمراء الحرب.. ؟ وفساد السلطة وهي تتلف حقول الخضار المروية بمياه الليطاني، دون أن يخطر في بالها تنظيف النهر من التلوث والأوساخ.. ! ؟ ولا فرق في حالة السلطة بين التواطؤ والغباء .

والنصيحة هذه المرة من زياد الرحباني وليست مني.. ؟" تْعَلَّمْ لُغَّة أجنبيِّة هَيْدا العربي ما بيفيدْ، دَوِّرْ لندن من عشيِّة، ماري بتْهَجّي وبتْعيدْ".. ! لِمَ لا تترك البحث في علم اللغة جانبا وتدع البرادعي والطرابيشي في حاليهما، ولتعد بنا إلى ما كنا عليه من وفاق ووئام، لتتحفنا من جديد بما كانت عليه أحوال أبطال أساطير اليونان، مثل كرونوس في موسم الانتخابات، والإمعان في القتل، أم التلطيف في القضاء، وربما في الزراعة وأدب الرسائل.. ؟ 

ففي اعتقادي المتواضع أن هذا النوع من الكتابة، أكثر رهافة وإفادة من الحديث في اللغة والأعراب، ويليق بكتابتك على نحو أفضل، وهذا في رأي المتواضع ما ينبغي أن تصوّب قلمك إليه، وهو اقتراحٌ أو تمنٍ ليس إلاّ.. ؟ بوحيٍ من اسمع يارضا.. وحسب . وهكذا تنحسرُ بعض الهواجس عن قلوبنا الحزينة وأعصابنا المشدودة .

أو.. فليتعلَّمِ رجال السياسة وحكام العرب قواعد الصرف والنحو وأصول علم الكلام، لتصحَّ أحوالُنا وتسلمَ أرواحنا، "تسلمَ" بالفتحة على الميم لأنها معطوفة على تصح.. وهذه خدمة لقضية اللغة وكرمى من أجل عينيك .
هيدا صح وهيدا غلط وهيدا طاهر وهيدا نجس.. ! ثم ندخل ونضيع في متاهة اللغة فيما ينبغي أو لا يجوز، وكل أفعال الحلال والحرام من عهد أبي حنيفة النعمان، وجعفر الصادق عليهما السلام.. ! 

ويبقى أهم ما  لفتني للتو على شاشة إحدى القنوات وهي تنقل نشرة الأخبار، ودفعني المشهد إلى طرح سؤال خارج السياق : هل كان الناصريّ عيسى بن مريم، يجلس على كرسي من خشب الإبنوس المزخرف، يعود لعهد لويس الخامس عشر، فيعلو عن رأس الجالس بمترين.. ! ويحمل بين يديه صولجان صاحب الغبطة البطرك.. ! ؟ 

 خلص.. لن نتحدث مجددا عن خيبتنا في السياسة، وعن الصولجان والعجز والتعصُّب والتنظير ونكبة البلدان، وانقطاع الكهرباء والمياه الآسنة على طرقات الضاحية وفي غير مكان، وننصرف إلى اللغة دون سواها من شؤون خلق الله . ثم  نتوقف عن نقاشنا بالدِّينِ والحلال والحرام، وترامپ والتسكع وخيانة الأزواج والأَوطان.. !

ألم يكن الجنس من أهم العوامل قبل اللغة وألفية ابن مالك، التي تُصِلحُ أحوال العرب وتعيدهم إلى الصواب أو تدفعهم إلى أعلى مراتب الجنون.. ! ؟ مهما يكن الأمر فلا بأس يا صديقي اتفقنا أو اختلفنا في قواعد اللغة.. ؟ ففي الطريق إلى النشر : "لوثة الحكام العرب" نص بهذا المعنى لا يتعدى شأن الشعر والفن، ولا يدنو أبدا من الصرف والنحو والسياسة إلا بتلميح خجول . ولئن شئت الرد في المستقبل؟ فمن باب مختلف أهون عليَّ وعليك .

ولو لن يتعبني أو يربكني ردك على مقالتي، فإن رغبت الحياكة مرة أخرى بذات المسلة وعلى نفس المنوال.. ؟ فأنا مرتاح ومبسوط وعلى أهبة الاستعداد للرد في الحال . لكنَّ خلص ومبسوط.. ؟ لن أضعهما بين مزدوجين نكاية جديدة بالفصحى وعلم الكلام بلا مردود مفيد، ولا فعل مُجْدٍ ينفع في زراعة حقولنا بالقمح طعاما للعيال . 

وتبقى الخلاصة ومن وجهة نظري فحسب، أن اللغة تتطور تلقائيا وتتفاعل مع الوقت، فَتُنقِّي نفسها بنفسها من الزوائد والزؤان، وتضيف على ذاتها ما تقتضيه ضرورات الأوان، وليست بحاجة إلى التدخل والعناية بها، والسهر على إسعافها وتزويدها بأدوية وأمصال ورفدها بالدماء. ولا ينبغي الخوف على اللغة العربية من خيبة أنيس فريحة، و"يارا" سعيد عقل، أو من مؤامرة انقراض اللغة والنيل من مقدَّس القرآن .

فهذه تركيا قد انكفأت من الأبجدية العثمانية إلى اللاتينية، فلم يَضِعِ الأتراك بالكسرة على العين منعا لالتقاء الساكنين..! ولا تمزقوا أو تراجع نفوذهم بفعل اللغة المستبدَلة. بل أنهكوا سوريا على مدى سنوات حربها على الإرهاب حتى بلغت حدود الانهيار، ولم تتعارض اللغة مع شريعة الإسلام ولا تعرقلت عندهم الحياة . وكانت تركيا إلى الأمس القريب في أفضل أحوالها، نؤمها لشم الهوا والكزدرة مرة أو أكثر في كل عام . ولو تراجعَ اقتصادُها بفعل الحصار.. ؟ لكن ليس بسبب الأبجدية والاجتهاد في التنظير وعلم الكلام . 

وأصدق دليل على سلامة ما أشهد به وصحَّة ما تقدَّم.. ؟ أن يقضي سعيد عقل بغيظه ومعه أنيس فريحة، ويرحل معهما أشد غلاة التغيير "لؤماً"، بينما اللغة العربية صامدة ولا زالت بخير . وهي تستمر وتتواصل ليس بفضلٍ منكَ ولا منِّي.. ؟ بل لتبقى إسوارة العروس على لسان جوزيف حرب، وجلنار من كلمات ميشال طراد، ولبسوا الكفافي بصوت طلال حيدر، من جماليات العامية في مواجهة؛ بأية حال عدتَ يا عيدُ.. ؟

هي مناسبة العيد التي تفرض نفسها.. ؟ لأتوجه بتحيتي للجميع قراءً وكتاباً وأصدقاء بلا استثناء : "بها لعيد بدِّي قدِّم هدية... لا دهب لا ورود جورية / طالع عبالي ضُم زهرة وقلب وقدمُن بها لعيد عيدية" . كل عام وأنت والحفيدة وأبواها وجدها لأبيها، وسائر الأسرة الكريمة وكل المحبين بعافية . أنتم أهلي وأحبتي ونبض قلبي . ولئن كُتبتْ لنا الحياةُ سنةً أخرى.. ؟ سنلتقي من جديد في العام المقبل . وكل عام وأنتم جميعا بخير .
 
https://www.youtube.com/watch?v=N3eSK6l2Ojo

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved