في اكتشاف فريد من نوعه تناولت الصحف الانكليزية الصادرة مؤخرا ومنها " الديلي ميل " و " التايمز " ، أن لوحة العشاء الاخير التي رسمها العديد من فناني العالم وعلى رأسهم " ليوناردو دافنشي " والتي تمثل السيد المسيح وهو يعد مأدبة عشاء لتلامذته وحواريه ، قد اختلفت فيها صنوف الطعام المقدم مع تقادم سني رسمها وكيف ان اجزاء المواد الغذائية قد ارتفعت بنسبة 69 % في هذه اللوحات .
الباحثون اللذين عكفوا على وضع هذه الدراسة قالوا ان الفن يقلد الحياة ، وهو ما يمكن قوله ان هذه الوجبة لايمكن ان تفلت من لعنة تضخيم حجمها مع ما يزيد على 50 لوحة عكفت هذه اللجنة على تحليلها ، ومع نمو هذه الوجبات بنسبة أبعاد توراتية على مر الزمن كما تقول " فيونا ما كراي " الكاتبة والمحللة البريطانية ، جعلت كلا من " براين وانسينك " وشقيقه " كريج " اللذان نفذا هذه الدراسة يعتمدون أول ما اعتمدوا لوحة فنان عصر النهضة ليوناردو دافنشي الذي عاش خلال الفنرة من ( 1452- 1519 ) وشهدت باقي الاعمال التي جاءت من بعده وفرة كبيرة في اصناف الطعام المقدم ، وقدرة على تحمل التكاليف مع ماكان يعيشه عيسى النبي من تقشف في اسلوب حياته ، هذا التحليل الذي نشرت تفاصيله المجلة الدولية للبدانة يشير إلى أن العصر الحديث شهد تضخيم حجم لأجزاء كبيرة بالفعل من اصناف الطعام وهو انعكاس للمبالغة في ان تصبح اكبر مع مرور الوقت كما يقول وانيسنك من جامعة كورنيل في الولايات المتحدة ، وهناك الكثير من الناس يريدون القاء اللوم على الرسام " إل غريكو " الذي رسم لوحة اخرى للعشاء الاخير عام 1568 بزيادة كبيرة في أحجام المواد الغذائية ، وكذلك " روبنز " الذي رسمها في العام 1632 بزيادة ملحوظة عن لوحة دافنشي التي وضعها خلال سني حياته .
استخدم الاخوة في دراستهم هذه تكنولوجيا الكمبيوتر لقياس حجم الاطعمة والأواني الفخارية المعروضة في اللوحات ، ووضعوا إثنان وخمسون من أشهر لوحات المشهد المقدس هذا بما في ذلك لوحة غريكو ودافنشي وروبنز ، من جانبه قال كريج وهو احد الاخوة المساهمين في هذه الدراسة وهو استاذ للدراسات الدينية : ( ان التغييرات ربما تكون انعكاسا للثقافة بدلا من اللاهوت ، ولا يوجد سبب ديني بزيادة وجبات الطعام في لوحات هؤلاء الفنانين إلا انها جاءت نتيجة لاهتمام الناس بها ليس إلا ) ، اما شقيقه البروفسور وانسينك فقد علق قائلا : ( حجم الحصة الغذائية ليست هي الشيئ الوحيد الذي تغير ، الفنانين من جانبهم كانت لديهم افكار مختلفة عما كان في قوائم الطعام التي عرفها زمانهم آنذاك ) .
لوحات العشاء الاخير بعد دافنشي بينت ان هنالك تفاصيل قليلة من الطعام احتوت على خبز ونبيذ ، واخرى احتوت على السمك أو ثعبان البحر ، وذهب البعض الآخر الى اضافة لحوم الضأن أو الخنزير أو غيابهما معا في بعض اللوحات الاخرى ، لكن اللافت للنظر ان بعضا من هؤلاء أبدو عدم اهتمامهم بوضع زجاجات النبيذ وتركو للباحثين تقييم ما إذا كان الكحول قد تطور هو ايضا بنفس الطريقة التي تطورت فيها شهيتهم للطعام ، لكن الاخوة في بحثهم قالوا : ( ان من المثير للإهتمام ان نلاحظ ان معظم اللوحات لم تشتمل على النبيذ ، وحالت هذه المشاهدات دون تحليل بقية الاعمال ) ، وقد تكون هناك لوحات مفقودة قد احتوت على دوارق النبيذ لم تكتشف بعد . ( 1 )
ومع ان المشهد الفني قد توائم مع المشهد التاريخي عبر انجاز هذه الاعمال فقد خرجت هذه الدراسة بتفسيرات لاتخلومن طرافة ، حيث ذكرت ان اوربا حينما ضربتها الاوبئة والمجاعات في القرن السادس عشر أثرت على مجمل المنجز الفني آنذاك وبالتحديد على الفنانين الذين تناولوا موضوعة العشاء الاخير ، فاكثروا من البطاطا فزادت بنسبة 69 % والخبز بنسبة 23 % مع ملاحظة ان عدد زجاجات النبيذ قد تقلصت بفعل تلك الازمات ، في حين يبدو ان الازدهار الاقتصادي وتوافر الغذاء في ايطاليا وهولندا والمانيا واسبانيا اتاح للفنان بعد ذلك ان يضيف اصنافا اخرى من الطعام افتقدتها مأدبة يسوع النبي واصبحت اكثر يسرا من ذي قبل . ( 2 )
البروفيسور وانسنك اكتشف ايضا ان السمك هو بالطبع الاكثر شيوعا ويضم 18 % من اللوحات بينما احتل لحم الخروف ورأسه الطبق الرئيسئ في 14%منها و7% اظهرت لحم الخنزير وهو ادنى مادة غذائية اشتملت عليها اعمال الفنانين تلك .
الاخوة انسينك لم يقيما ما إذا كان السيد المسيح وتلاميذه قد حصلوا على اكبر نسبة من السعرات الحرارية وقد تكون جذورها اعمق تأريخيا وبذلك يصعب حسابها ، يذكر ان برايان وانسينك استاذ سلوك المستهلك في جامعة كورنيل ، حيث كان يدير منظمة الأغذية ومختبر ماركات كورنيل ، وقد نشر اكثر من 100 من المقالات والكتب الاكاديمية ويعتبر كتابه " الأعمى يأكل " من اكثر الكتب رواجا ومبيعا في الاوساط الصحية واصدر ايضا " لماذا نأكل اكثر مما نعتقد " و " جانب من التسويق والتغذية " و " الواح المستهلك " ، وقد سبق وان حصل على جائزة البحث العلمي في مجال علم النفس وتغيير السلوك الغذائي ، وترجمت اعماله وظهر قسم منها في افلام وثائقية تلفزيونية نالت شهرة عريضة .
هوامش
(1) فيونا ماكراي / صحيفة الديلي ميل اللندنية
(2) مجلة / اتلانتك الامريكية
أحمد فاضل