سورية تحبط مشاريع فريق 14 آذار الوهابي الصهيوني...؟

2014-03-18

إن م//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/700bd0dc-d235-4c31-98b3-2b41b3eeb558.jpegا يجري حالياً في الشرق الأوسط من محاولات متكررة لبلقنة سورية ولبنان عبر إغراقها بالعنف والقتل والاضطرابات إنما تم الإعداد له منذ مدة طويلة وبخاصة بعد أن بقيت سورية لأكثر من 30 عاماً بعيدة عن الخضوع لإسرائيل ولاتفاقيات الصلح المهينة والمذلِة معها كما كان حال السلطة الفلسطينية ومصر والأردن وبعض دول الخليج والمغرب العربي، ولذلك فإن الدول التي ترعى هذا المخطط تمول وتدرب المسلحين والإرهابيين الذين يقتلون البشر ويدمرون الحجر وكأن السيناريو اليوغسلافي يتكرر في سورية و لكن بتخطيط أميركي اسرائيلي وتمويل وتسليح عربي خليجي وبأيد وأذرع عربية متصهينة.

ولا نجانب الحقيقة إذا قلنا إنه لا شيء يحدث في هذه المنطقة بمحض الصدفة، بل هو ضمن المشروع الشامل الذي تقوده الامبريالية التلمودية الجديدة بقيادة واشنطن وشركائها الغربيين وأذنابها المحليين تنفذه بأدواتها المرتزقة. ولا يخفى على كل ذي بصيرة وبخاصة المتابع لما يجري في المنطقة الهدف لما وراء ما يحصل الآن من قتل وشغب وترويع للناس في الشمال اللبناني وفي طرابلس بالتحديد، فما يجري لا يخرج عن الصراع الدائر في المنطقة بين قوى المقاومة وبين قوى العمالة والتآمر المدفوعة من القوى الامبريالية العالمية.


فعاصمة الشمال اللبنانية تحولت إلى مدينة أشباح، وباتت ''مخطوفة'' من الوحش التكفيري، والذي دعمته سياسة ''النأي بالنفس'' طيلة عامين ونصف، ولم تسفر الاتصالات التي أجرتها القوى السياسية والقيادات الأمنية في التوصل إلى اتفاق لوقف المواجهات المستمرة في طرابلس، والتي أسفرت عن مقتل وجرح العديد من الأشخاص، بينهم عناصر من الجيش. فالمعارك تجري بين المجموعات التكفيرية وجبهة النصرة بمواجهة الجيش اللبناني، فهذا الوحش رباه ''تيار المستقبل'' والآن انقلب عليه، ونتسائل: من أين يأتي أهل طرابلس بالسلاح والذخيرة وهم دون خط الفقر؟! أليس من ''لطف الله 2'' و''لطف الله 3''؟!

فالمواجهات تعتبر هي الأعنف على الإطلاق منذ تفجّر الاشتباكات في طرابلس عام 2008، حيث شهدت تلك المنطقة 15 مواجهة مسلحة أسفرت عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى.


فالمطلوب هو اختبار جديد لمهارة اللبنانيين في الاحتراب الداخلي، والمطلوب ترجيح ميزان قوة على آخر في تصادم مشروعين متناقضين يتصارعان اليوم على معظم الخريطة العربية قبل ربيع الدم العربي وبعده، ولهذا التصادم في لبنان طعم آخر ومسار آخر ونتائج كارثية أخرى، فلبنان مختبر تراجع أو تقدم الاستراتيجيات الكبرى الإقليمية منها والدولية، وهو مؤشر الخسارة أو الربح في المشروع المقاوم ونقيضه المتمثل بمشروع الهيمنة القادم من تحالف الرؤوس الحامية الممتد من قبعات الجنرالات الصهاينة إلى دوائر البنتاغون في واشنطن مروراً بمحميات النفط العربية التي تخوض معركة عمرها ضد كل مقومات النهضة في الأمة، وكل عناصر الممانعة والمقاومة في الشرق العربي خصوصاً، وفي عموم المنطقة، معركة كسر عظم يتوقف على نتيجتها مصير العرب وشكل الإقليم المجاور وطبيعة النظام الدولي الجديد.‏

فلهيب الحرب على سورية صار عابراً للحدود، لأن أدوات هذه الحرب وسلاحها ومالها كان من الأيام الأولى عابراً للحدود، ولبنان الجار والشقيق الأصغر تحول بمرور الوقت إلى ممر ومقر للأدوات الصهيونية والخليجية والرعاة الكبار في الغرب الأوروبي والأمريكي. ففي شماله وشرقه انتعشت البيئات الحاضنة للقطعان الظلامية المحلية والوافدة، لقتال السوريين على أرضهم وتدمير دولتهم، وعلى سواحله أفرغت شحنات السلاح الفتاك، القادمة من كل الجهات في رحلة العبور إلى سورية، وفي مثل هذا المناخ المثالي لأعداء المقاومة تخرج الأفاعي من جحورها في الغابة اللبنانية لتستدرج المقاومة وحاضنتها الوطنية إلى مبارزة طائشة في مكان لا تريده ووقت لم يقع اختيارها عليه، الأمر الذي يشجع جنرالات تل أبيب على المغامرة والدخول في حرب تصفية الحساب، مع من أذلهم وكسر هيبتهم ودفن حلمهم التوسعي تحت صخور الجنوب اللبناني ذات صيف ملتهب منذ قرابة سبع سنين.‏

فمنذ البداية أعلن لبنان الرسمي أنه ينأى بنفسه عن التدخل في الأزمة السورية نظراً لحساسية العلاقة التي تربط البلدين، هذا في الظاهر، ولكن في الخفاء وكما كان لبنان عبر التاريخ استمر في كونه الخاصرة الرخوة والموجعة للبلد الجار سورية، وكل ما يمرر عبره يصل إلى الداخل السوري وبالأخص إلى محافظة حمص وريف دمشق نظراً للتجاور والتداخل الجغرافي لهاتين المحافظتين مع الأراضي اللبنانية.

‏‏‏

فالنأي بالنفس ليس مجرد كلام يقال للهروب في اتجاهين معاً، وحفظ ماء الوجه سواء أمام الجار السوري، أم أمام الجامعة العربية التي تريد للبنان أن يلعب دوراً مؤثراً في تصاعد الأزمة السورية وهذا ظهر على أرض الواقع من خلال كثرة عمليات تسلل الارهابيين وشحنات الأسلحة عبر الحدود التي يصعب ضبطها إن لم يتم التعاون بين البلدين في هذا المجال.‏‏‏

فيوم دخلت القوات الإسرائيلية بيروت عام 1982، لم تجد بيروت من يدافع عنها سوى الجيش السوري، تخاذلت كل الأنظمة الخليجية والعربية التي تدعي اليوم حبها للبنان، لقد باركت احتلال بيروت كما باركت بعد سنوات احتلال بغداد، والعدوان على لبنان وغزة، ولم تسمح تلك الأنظمة لشعوبها الغاضبة بالتظاهر، ولم تدع لعقد اجتماع واحد للجامعة العربية للتنديد باحتلال عاصمة لبنان ''بيروت'' كما نراها اليوم تتحرك في الموضوع السوري.‏

فسورية على مدى عقود لم تبخل بالجهد والسلاح والدم في دعم المقاومة اللبنانية في كل معاركها التي توجت بانتصارات تموز عام 2006 على الجيش الإسرائيلي.‏ ولم تدر سورية يوماً ظهرها للبنان، كما فعل مشايخ النفط، أبطال التآمر على سورية، وأبطال تمرير المخطط الأميركي بتحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع عربي عربي، وإسلامي إسلامي.‏

بهذا المعنى يمكننا القول أن لبنان لم يطبق سياسة النأي بالنفس التي ادعاها، وإنما روج مثل هذه الشعارات الفارغة لإرضاء ممالك ومشيخات النفط الخليجية التي اختطفت ''الجامعة العربية'' وحولتها إلى وكر للتآمر على سورية، فعلى الساحة اللبنانية ثمة أجهزة استخبارات معادية لسورية ترعى وتدعم الإرهاب المصدر إليها وثمة مراكز ومعسكرات لتدريب الإرهابيين وسوق سوداء لتهريب السلاح والمرتزقة باتجاه سورية، وثمة أوكار للإرهابيين ومستشفيات ميدانية ورسمية لمعالجة مصابيهم، فهل كل ذلك يجري من خلف ظهر ومن دون علم الدولة اللبنانية وسلطاتها المختلفة.‏

فقبل أيام خرج الداعية التكفيري المأفون ''أحمد الأسير'' وأفتى بالجهاد ضد السوريين وتعهد بتجنيد الإرهابيين وتسليحهم للقتال في سورية متحدثا عن مئات من المتطوعين سيتحولون إلى آلاف، ثم تبعه التكفيري التابع له ''فضل شاكر'' بفتوى مقززة تحرض على الفتنة والقتل وتسيء للمقاومة وتضحياتها ورموزها وتهاجم سورية ونظامها ولم تعتقلهما الدولة اللبنانية ولم تحقق معهما، مع أن الفعل الذي ارتكباه شديد الخطورة والحساسية والتأثير على ما يجري في سورية والذي من شأنه أن يفجر صراعاً طائفياً ومذهبياً لبنان وسورية والمنطقة في غنى عنه.‏

نعلم ويعلم الجميع أن لبنان بالظاهر هو دولة لكنه في الواقع هو مجموعة دويلات، وكل يغني على هواه مستنداً على دعم ومساعدة قوى خارجية تنفذ معادلات و أجندات تهدف إلى ضرب لبنان أولاً من ثم تصديرها لدول الجوار في المنطقة، وفي مقدمتها الجار السوري، هم يريدون للبنان أن يكون أنموذجاً لسورية التي يخططون لها، ويريدون للبنان أن يكون رأس الدويلة بعد تقسيم سورية في هذا الاتجاه الأردن في الجنوب مع جنوب سورية و تركيا في الشمال مع شمال سورية ولبنان مع المنطقة الوسطى وريف دمشق ولقد فشلت القيادة اللبنانية الرسمية أكثر من مرة في تطبيق ما ذهبت إليه من تصريحات تتعلق بمطالبة الجيش بالتدخل و حسم مسألة تسلل السلاح و المسلحين ولكن الأمر رغم تكراره عدة مرات فإنه لم يكن ليدوم طويلاً وهذا يعود لضغوطات خارجية عربية ودولية تمارس على القيادة اللبنانية أو يسعى الفريق المتنفذ في لبنان المتمثل في فريق 14 آذار الذي أعلن منذ البداية انخراطه في الأزمة السورية وعدائه الشديد لسورية وأنه يدرب الارهابيين و يرسلهم إلى سورية إضافة إلى الأدوار التي ظهرت بشخصيات بارزة منه في التخطيط والتمويل و إدارة الأزمة وفق ما هو مطلوب منها.

ففريق 14 آذار يفرخ أسماء تسيء لمنطق الحياة اللبنانية المشتركة، كما يسيء للاسلام والمسيحية في آن معاً. يبني جسوره الداخلية من خلال شهواته في الحكم، ومن خلال ولي نعمته المحرك له... وهذا الفريق لا يمكن أن يكون مؤتمناً لأنه ورط لبنان في أتون التدخل بالأحداث الجارية في سورية وبدل شعاره من لبنان أولا إلى ما يسمى بالجيش الحر أولا بعد دخول أعضائه معه بشراكة عسكرية وأمنية وسياسية وإعلامية. فآخر همّ هذا الفريق تحرير مزارع شبعا والأراضي اللبنانية المحتلة الأخرى أو إيقاف الخروقات الجوية الإسرائيلية للسيادة اللبنانية.‏

فهذا الفريق السياسي هو الآن على وشك أن يطلق كلمة سرها الذي ينطق ضد العروبة تحت شعار العروبة الجديدة، والتصالح مع إسرائيل تحت شعار الواقعية المتطورة. في متنها شيء من هذا وربما كله، هو ما يخبئه في صميمه انتظاراً لوقت يظهره فيه، وقد تراه من خلال رهانه على سقوط النظام السوري لأن التغيير الذي سيطرأ على المنطقة برأيه سيجعل منه سيد الحكم، ومن أفكاره المخبأة حقيقة معلنة في حينه.

ففي ظل المؤامرة الراهنة في سورية، يشعل فريق 14 آذار المتآمر، الفتن الطائفية في الشمال اللبناني، ويحاول تحويل الحدود البرية والبحرية مع سورية إلى منافذ للقتلة، وللسلاح، والأحقاد، والفتن، وهذا الشمال كان وما زال يعيش على المائدة السورية.‏

ففي وادي خالد، كان الناس منسيين، وخارج سجلات القيد اللبناني، سورية هي التي أدخلتهم سجلات القيود اللبنانية، وهي التي تركت لهم الحدود المفتوحة لتعليم أولادهم في المدارس السورية، وتطبيبهم في المشافي السورية، وللحصول على الكساء الرخيص، والغذاء الرخيص، والنفط والمواد التموينية المدعومة من الدولة السورية.‏ فبدلاً من شكر سورية، جاء فريق الرابع عشر من آذار لتحريكهم ضد الدولة السورية، بإغرائهم بالمال، وتضليلهم بالفكر الوهابي.‏

في ظل سياسات هذا الفريق اللبناني، وضعف الموقف اللبناني الرسمي، تهان العلاقات التاريخية التي تربط البلدين ''سورية ولبنان''، وتهان مشاعر الشعبين.‏

إن القوات اللبنانية، وأطراف مجموعة 14 آذار، لا تعتبر ''إسرائيل'' عدواً، ففي الخفايا لقاءات، وتنسيق مع الإسرائيليين لتمرير ما تريده ''إسرائيل'' لتحويل لبنان إلى ممر للمؤامرة على سورية وعلى القوى الوطنية في لبنان، وتتجلى مظاهر هذا التوافق والتعاون بين بعض اللبنانيين و''إسرائيل'' وأميركا وقوى إقليمية في العمل على ضرب العلاقات التاريخية السورية اللبنانية، ونشر ثقافة الكراهية تجاه الشعب السوري، والدعوة لتجريد المقاومة اللبنانية من سلاحها، وإلغاء اتفاقيات التعاون القائمة بين سورية ولبنان، لتعود ''إسرائيل'' إلى لبنان من نافذة اتفاقية مماثلة لاتفاقية17 أيار لعام 1983 التي كانت تسمح بوضع لبنان تحت الوصاية الإسرائيلية.‏

ويؤلم السوريين اليوم أن يقف لبنان موقفاً سلبياً من سورية ''الدولة والشعب'' ويؤلمهم أن تتحول الحدود المشتركة بين لبنان وسورية إلى مأوى، ومنطلق للإرهابيين لقتل السوريين وسفك دمائهم، واغتصاب أعراضهم، وتهديم منازلهم وتدمير بنيتهم الاقتصادية والاجتماعية.‏

يؤلم السوريين أن يصول ويجول سفراء بعض الدولة العربية، وبعض سفراء الدول الغربية وبخاصة سفيرة الولايات المتحدة بكل وقاحة على الجهات، والأوكار، والمقرات، التي تضم الإرهابيين والجهات المعادية لسورية، في وقت ترتفع فيه صيحاتهم لطرد السفير السوري من لبنان.‏

إن كل هذه الحقائق تصب في اتجاه واحد وهو توريط لبنان في الأزمة السورية من جهة، وجعله ممراً ومقراً لضرب سورية، وخلق منطقة عازلة بشمال لبنان، تكون مرتعاً خصباً لاستهداف سورية عسكرياً، والانطلاق إلى تنفيذ بقية الخطة الأميركية الصهيونية، ألا وهي تقسيم سورية ولبنان إلى دول وطوائف.

وبما أن زيارات المسؤولين الأميركيين للبنان عادة ما تترجم إلى مشكلات داخلية وتوترات على الساحة اللبنانية فلم يكن مستغرباً أن يلجأ بعض المحسوبين على ما يسمى قوى 14 آذار إلى تسعير خطابهم السياسي والمذهبي وتوتير الأجواء وقطع الطرقات والاصطدام مع الجيش اللبناني في المناطق الشمالية، التي تشهد تسللاً ونشاطاً متزايداً للإرهابيين العابرين للحدود من أماكن بعيدة ممن تلقوا الأوامر لارتكاب أعمال القتل والخطف والإرهاب في سورية بمباركة أميركية غربية وتمويل خليجي.‏

فرجل المهمات القذرة جون ماكين النائب عن الحزب الجمهوري المعارض ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، يتكفل شخصياً بالدور الميداني وما يترتب عليه من إشراف مباشر على عمل المجموعات المسلحة الإرهابية ومن يسهل عملها في شمال لبنان من رجال عصابات وزعماء ميليشيات سابقة، لذلك لم تكن مطالبته الوقحة بمنطقة عازلة في شمال لبنان سوى جزء من المخطط الذي جاء لتنفيذه والإشراف عليه ورعايته بشكل مباشر.‏

المراقبون للحدث اللبناني وتشعباته رأوا في التصعيد المفتعل في بيروت محاولة للتحرش بحزب الله ''المقاومة اللبنانية'' وجرها على طريقة 7 أيار 2008 إلى اقتتال داخلي يجعلها مكشوفة أمام العدو الإسرائيلي، وعلى إثر ذلك يقوم الجيش اللبناني بالانسحاب من طرابلس وأحيائها المتوترة لإطفاء الحرائق في العاصمة، وعندها تقوم المليشيات المسلحة التابعة لتيار المستقبل والتي ظهر أعضاؤها في اشتباكات مسلحة بباب التبانة والطريق الجديدة وحلبا بالسيطرة على عاصمة الشمال ''طرابلس'' وتحويلها إلى ملاذ ومنطقة آمنة وقاعدة لانطلاق المعارضة السورية المسلحة، ومن هناك يتم نقل السلاح والإرهابيين إلى داخل سورية من أجل تأجيج الأوضاع الأمنية.

أجواء الفتنة والتحريض ضد الحكومة والجيش اللبنانيين يعمل عليها مسؤولو تيار المستقبل، وكأنهم تلقوا أمر الساعة من أسيادهم في السعودية لتأجيج الأوضاع في لبنان، على أمل التأثير على مجرى الأحداث في سورية، من منطلق أن لبنان خاصرة سورية الرخوة ويمكن جره بسهولة إلى أتون الحرب الأهلية، وعندها يمكن أن تشتعل المنطقة ومن ضمنها سورية، إلا أن أصحاب المشروع السعودي الأميركي الصهيوني في لبنان أعجز من أن يحققوا مآربهم المريضة، لأن المقاومة اللبنانية التي أفشلت مخططات إسرائيل وحروبها تعي جيداً أهداف هذه المخططات الشيطانية وهي قادرة على إفشالها، وقد أدرك اللبنانيون أهمية تلاحم الجيش والشعب والمقاومة في تحصين لبنان وحمايته مما يحاك ضده في الدوائر العربية والغربية الطامعة.‏

في لبنان تعمل إسرائيل على تصعيد التوتر بين الطوائف المسيحية والإسلامية المتعددة، ولبنان هي نقطة الانطلاق لسورية وتقسيمه إلى عدة دول هو طريقة لبلقنة سورية و تحويلها إلى عدة دول صغيرة طائفية. فأهداف خطة ينون هي تقسيم لبنان وسورية إلى عدة دول على أساس الهويات الدينية و الطائفية وربما توجد نوايا بإبعاد المسيحيين السوريين أيضاً.‏‏ فالرئيس الجديد للكنيسة المارونية السريانية، وهي الأكبر بين الكنائس الشرقية الكاثوليكية المستقلة، عبر عن مخاوفه من إزالة العرب المسيحيين من المشرق والشرق الأوسط. فالبطريارك مار بشارة بطرس الراعي و الكثير من الزعماء المسيحيين في لبنان وسورية يخشون من سيطرة الأخوان المسلمين على سورية. و كما في العراق، تقوم جماعات غامضة اليوم بمهاجمة الجاليات المسيحية في سورية. و كذلك عبر مسؤولو الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية بما فيهم بطريارك الأرثوذكس الشرقيين في القدس عن قلقهم. و يشارك المسيحيين العرب في مخاوفهم الجاليات المسيحية الآشورية و الأرمنية.‏‏

فتحالف 14 آذار بقيادة الحريري، يعمل يداً بيد مع الولايات المتحدة و إسرائيل و بعض الدول العربية والمجموعات التي تستخدم العنف و الإرهاب في سورية، و يوجد تعاون و محادثات سرية بين الأخوان المسلمين وما يسمى المجموعات السلفية في سورية من جهة والحريري وأحزاب سياسية مسيحية في 14 آذار من جهة أخرى، و لهذا السبب انقلب الحريري وحلفاؤه على الكاردينال الراعي. فالحريري و14 آذار من جلب فتح الإسلام إلى لبنان و يساعد الآن أفراد منه في الهروب و القتال في سورية.‏‏

لقد تم التخطيط لتهجير مسيحيي الشرق الأوسط من قبل واشنطن وتل أبيب و بروكسل. و ذكرت الأنباء أن الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي أخبر البطرك الراعي في باريس بإمكانية استقرار الجاليات المسيحية في المشرق والشرق الأوسط في الإتحاد الأوروبي، وهو ليس بالعرض السخي، بل إنه صفعة على الوجه من قبل نفس القوى التي قامت عمداً بخلق الظروف لأجل استئصال المسيحيين من الشرق الأوسط، و الهدف هو إعادة استقرار المجموعات المسيحية خارج المنطقة و بذلك توصف الدول العربية بأنها إسلامية حصرياً، وهذا يتوافق تماماً مع خطة ينون الإسرائيلية الإستراتيجية الرامية لضمان تفوق إسرائيل بإعادة تشكيل بيئتها الجيوسياسية عبر بلقنة الشرق الأوسط والدول العربية وتحويلها إلى دول أضعف و أصغر.‏‏

هذه الحقائق السابقة تضع لبنان وتيارات المستقبل بأحزابها ومساراتها على فوهة بركان قد ينفجر بأي وقت يصدر الأمر بذلك وتعطينا فكرة عن مدى ما يقوم به هذا التيار مع حلفائه في 14 آذار من دور هدام في لبنان من خلال المساهمة الفعالة في نشر الفكر الوهابي القادم من مشيخة قطر والسعودية. فالشحن المذهبي والطائفي في طرابلس لا يمكن أن يكون وطنياً وإنسانياً وتعاظم هذا الدور الذي سبق لعبه بقذارة في حرب عام 2006 من قبل السلفية التكفيرية الوهابية المتلاحمة مع تيار المستقبل حيث صارت الذراع العسكرية لهذا التيار. واليوم لا الدولة ممثلة برئيسها وحكومتها استطاعت أن تفرض الأمن المطلوب داخلياً بقوة، ولا السياسيون استطاعوا أن يوفروا غطاء للجيش ليقوم بمهامه الوطنية في حفظ السلم الأهلي في هذه الأوقات الصعبة.

إن ما يقلق ويزعج السوريين هو موقف الفئات المقابلة من اللبنانيين الشرفاء الذي يعتبرون أنفسهم أصدقاء سورية وأنهم جزء من هذه المشكلة التي تمر بها سورية. فلا نشك لحظة بصدقية أقوالهم وقناعاتهم بما يعبرون به في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية ونحن واثقون بأنهم يتمنون الخير والانتصار لسورية وشعبها وأن مصيرهم مرتبط بالمصير السوري شاؤوا أم أبوا.

ولكن وسورية في أوج هذه الأزمة هل تكفي تلك التصريحات والمقالات وهذه المشاعر والعواطف الجياشة؟ ماذا ستقدم أو تؤخر في هذه المعمعة؟ لقد وصلنا إلى مرحلة الفعل ورد الفعل أي إن لتلك القوى أن تجابه وتقاوم بشكل جدي، ما يحصل الآن على الساحة اللبنانية، فعندما كانت الأمور العدوانية على الساحة السورية فقط لم تطلب سورية من أحد أن يقف أو يساعد أو يمد يد العون لشعبها وجيشها فهي ليست بحاجة لأحد. فكان الشعب السوري يسر للمواقف السياسية البحتة وسماع الآراء الداعمة والمشاعر القومية الفياضة، أما اليوم أيها الشرفاء فقد (وصل البل إلى ذقونكم) فقد أصبحت عصابات ما يسمى بجيش العهر والمجموعات التكفيرية وعناصر القاعدة المرتزقة من مشارق الأرض ومغاربها في مدنكم وساحاتكم وشوارعكم وربما غدا في منازلكم، يعيثون فساداً في لبنان.

فهل نكتفي اليوم بالتنديد بتلك العصابات ونكشف عوراتها ونشير إليها؟ هل تصرفتم أو قمتم بأي إجراء فعلي تجاه ما يجري في بلدكم؟ لقد سيطروا على الشمال وتمددوا إلى بيروت ووصلوا إلى صيدا فماذا تنتظرون؟ أإلى أن يسحب البساط من تحت أقدامكم؟!

اليوم لم تعد الكلمة فقط هي التي يؤخذ بها، بل يجب أن تكون موجوداً في الشارع لتمنع عربدة تلك الفئات على الساحة وبخاصة أنه لا توجد دولة بكل معنى الكلمة تستطيع أن تقوم بردع هؤلاء وإيقافهم عن عربدتهم ولم يعط الجيش تلك الصلاحيات الكافية من الجهات السياسية للقيام بواجبه الوطني على أكمل وجه وهذا ما لا حظناه في الآونة الأخيرة عندما سمح لبعض قطاعات الجيش بالانتشار على الحدود الشمالية، فإذاً ما العمل؟

ألم تأخذوا بعين الاعتبار أنه يجب عليكم أن تكونوا جاهزين لحماية ظهر المقاومة الصامدة في وجه العدو الإسرائيلي في الجنوب من عبث المتآمرين والحاقدين في الخلف، الذين يتحينون الفرصة للانقضاض على المقاومة غدراً وخسة ليحققوا ما لم تحققه إسرائيل وأميركا وكل من وقف في صفهم، يا إخوتي اللبنانيين الشرفاء عندما نطرح مثل هذه التساؤلات لا نقصد بها أن تنزلوا إلى الشارع وتحملوا السلاح وتعلنوا حرباً أهلية كما يشتهي البعض ويخطط له، لكن بتنظيم صفوفكم وتوحيد جهودكم وتحضير أنفسكم ومتابعة المتربصين بكم كي لا يأخذوكم غيلة وغدراً.

لبنان اليوم أسير العقل العربي الوهابي الذي يرى في الوضع السوري ملاذاً له، وبالتالي لابد من ربط عجلته به... ثمة متوهمون أن تصدير الأزمة إلى لبنان مفيد في هذه الظروف، كي يظل الوضع السوري على حماوته، وإن كان البعض يقرأ بأن تخفيف الأزمة في سورية وإيجاد الطرق الكفيلة بوضع سكة سلامتها على نار هادئة، يعني استمرار لبنان في العاصفة لا بل تحميتها كي تصيب، وتعطب، ولا بد بالتالي من إيجاد الطرق الكفيلة بنصب الفخاخ أمام حزب الله، فكل ما يجري في سوريا بات متعلقاً به، وكل ما يجري في لبنان يطاله تحديداً، يراد له التفكيك والانحلال، وبعدها شطبه من معادلة المنطقة... لكن كثيرين ينسون المعادلة الإيرانية القائلة، بأن أمن سوريا من أمن طهران، وأمن حزب الله من أمن إيران.

إن الأحزاب والتيارات السياسية التي يطلق عليها إسم 14 آذار وكل من يتغطى بعباءتها قد انضوت اليوم تحت هدف واحد ورؤية واحدة ألا وهي محاربة سورية وكل من يقف بصفها من اللبنانيين بكل صراحة ووضوح وقد استعدوا لكل طارئ وهم جادون في تنفيذ مخططاتهم العدوانية وقد بدؤوا بتحركاتهم المشبوهة. أما الأحزاب والتيارات الوطنية والعروبية المقاومة فلم نلحظ تشكل أي جبهة موحدة أو تجمع وطني أو توحيد جهود لهذه الأحزاب والتيارات لمجابهة المخطط الأميركي الصهيوني في هذه المنطقة ولم يستعدوا ليوم عاصف ربما يكون لابد منه، باستثناء حزب الله الذي يعمل دون أن يطلب من الآخرين شيئاً.

فجوكر التطرف التكفيري الوهابي يستخدم اليوم كمتظاهر سلمي مقتول وكمنشق بطل، وثائر بيمناه شعار الحرية على قنوات التضليل وبيسراه سكاكين ورصاص الغدر تحت جنح الظلام، كما يستخدم كطفل بريء يواجه الآلة العسكرية أو امرأة ثكلى، كل ذلك بتدريب وتمويل ورعاية وغطاء عربي ـ خليجي وإقليمي ـ تركي وبطبيعة الحال أميركي ـ أوروبي، والمستفيد الأول وربما الأخير ''إسرائيل''... الخنجر الاستيطاني في قلب الأمة الذي يتهيأ الآن تحت ضجيج هذه الزوابع لإعلان ''يهودية إسرائيل'' وطرد ما تبقى من عرب 1948 ومن ثم عرب الـ67 إلى الأردن... كوطن بديل...

هل يعلم قادة العرب ذلك...؟ بالتأكيد يعلمون... وإلا فلم هذا الصراخ ضد سورية... عربياً وإقليمياً ودولياً... وأبسط محلل في هذا العالم يدرك أن هذا المخطط المخيف لا يمكن أن يمر وسورية بكامل قوتها عدة وعديداً... دولة ومجتمعاً وموقفاً.

أعداء سورية يريدون كسب نقاط جديدة من البوابة اللبنانية الرخوة ولبنان سوف يكون الخاسر الأكبر في معادلات المنطقة إن لم يستطع توحيد قواه في مواجهة القوى التي تعمل لضرب خط المقاومة في المنطقة و إثبات الوجود و أن لبنان بإمكانه أيضاً تجاوز كل التبعات و الوقوف بصدق على خيار النأي بالنفس الايجابي الذي يفشل قدرة الآخرين الإضرار به.‏

فلبنان ذو الجغرافيا المتداخلة مع سورية والتركيبة الاجتماعية المتقاطعة مع التركيبة المجتمعية السورية بالإضافة إلى تاريخه المشترك مع سورية وانتمائه العربي، كل ذلك لا يسمح له أن يكون عدوا لسورية أو خنجرا في ظهرها، ولكن للأسف هو ما تعمل عليه واشنطن وعملاؤها اليوم، ولكن لأن سورية هي العمق الاستراتيجي والحضن الوحيد للبنان فإنه لن يستطيع لعب الدور الذي ترسمه واشنطن له، فعندما يتهدد استقرار سورية سيتأثر لبنان مباشرة وسيتهدد استقراره فكيف إذا تم وضعه في مواجهة مباشرة مع سورية كما تفعل واشنطن الآن من خلال تهريب السلاح والإرهابيين عبر حدوده الشمالية.

ولهذا يجب أن يعي اللبنانيون بأن ما يقدمه شركاء المؤامرة في لبنان من دعم مباشر وتسهيلات للإرهابيين سينعكس عليهم مباشرة، إذ كثيراً ما وقع هؤلاء ضحية لغبائهم وجهلهم بطبيعة العلاقات بين البلدين، حيث لم تستطع واشنطن ولا غيرها إنقاذهم، وما عليهم سوى استرجاع بعض ما جرى بالماضي.

إن ما يجري الآن في سورية وشمال لبنان من تحركات حاقدة، يضع العالم الحر أمام تفاصيل المؤامرة بشكل شفاف، حيث لم يعد أعداء الأمة يتورعون عن ارتكاب أبشع جرائم الحرب والممارسات اللاإنسانية والسياسات اللاأخلاقية، لوضع المنطقة في عين البركان. ويقيناً أن وعي أبعاد هذه المخططات، سيشكل عقبة كأداء تحول دون وصول المآرب السلطوية والاستغلالية والطائفية إلى غاياتها التدميرية. ولكن... التاريخ يؤكد أن سورية ليست كبادية آل سعود أو واحة حمد أو إمبراطورية أوباما أو مستوطنة نتنياهو، لذلك فإنها قاب قوسين أو أدنى ستنتصر على طواغيت الغدر ''الكبار في فظاعة مجازرهم والصغار في أخلاقهم وإنسانيتهم'' وستمنحهم أكاليل من العار بعد أن يقعوا بشرك مكائدهم التي حاكوها لسورية.‏

 

مصطفى قطبي

باحث وكاتب صحفي من المغرب

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved