مضى شطرَ وهجِ المرافئِ
يبغي الوصولَ إلى مدنٍ لا يُساورها النومُ
تلهو على سندسِ الضوءِ بين مروجِ الشَّمَال
تقايضُ كلَّ صلاةٍ بشدوِ البلابلِ في مطلعِ الفجرِ
أغنيّةٍ من عنينِ النواعيرِ منتصفِ الليلِ
أو أنّةِ الناي خلفَ التلالِ تُناغي الرعاةَ وقطعانهم
تؤجّجُ فيهم مشاعرَ شوقٍ إلى وطنٍ مُستباح
تقابلُ كلَّ سجودٍ على الأرض بالرقصِ فوق سطوحِ الغمام
لتعكسَ فيها مرايا الضبابِ وجوهاً لآلهةٍ لاذت بزاويةٍ من مغارٍ قديم
تجرجرُ تابوتَ أحلامِها فوق موجِ السَّديم
تراقبُ زهوَ الينابيعِ تنسابُ جذلى على نغمِ الفجرِ بين الجبال
لتروي السنابلَ فوق سفوحِ التلالِ
لينهمرَ الخبزُ في جَفَنَاتِ الجِياع
لتنهارَ أعمدةُ الليلِ تحت معاولِ نورِ الصباح
ويسّاقطُ الغيثُ فوق جميعِ البِطاح
يعودُ المهجَّر من رحلةِ التِّيهِ
يَمحي فصولَ الضَياع .
*****
أجدّدُ جلدَ أشعاريَ بين حينٍ وحينْ
فأكتبُ يوماً قصائدَ تنثالُ كالومضِ فوق أجيجِ الأحاسيسِ
ممزوجةً بأريجِ البنفسجِ في يقظةِ االصبحِ
تجري ظلالا من الكلماتِ على صفحاتِ المياهِ
لتضرمَ فيها الحرائقَ والسِّحرَ والإفتنانْ
وحيناً أطرّزُ ثوبَ القصيدةِ بالزهرِ من كل صنفٍ ولونْ
لتعبقَ بالعطرِ والطيبِ
تختالُ مثلَ الطواويسِ بينَ الخمائلِ قبلَ حلولِ المساء
كغانيةٍ تتمايلُ غُنجاً أمام لفيفٍ من العاشقين .
*****
سماءُ بلادي منمّقةٌ بالشظايا
وكلُّ بناءٍ عليهِ زخارفُ من قومِ عَادْ
وكل جدارٍ عليهِ نقوشُ بني كلبٍ
وفي كلِّ حيٍّ تسيلُ دماءُ بني قحطان
وفي كلِّ ركنٍ جريحٌ يُكابدُ أقسى صنوفِ العذاب
ولا من مستجير
وفي كل زاويةٍ من زوايا الشوارعِ والطرقاتِ
أجثاثُ قتلى بلا قدمين
ورأسٌ بلا جسدٍ
وأجنحةُ الموتِ تخفقُ فوق عمومِ البلاد
وفوق رؤوسِ العباد
ورائحةُ الدمِ تعبقُ في زمهريرِ الرياح
كأن ملاكَ الكوارثِ قد مرّ من ها هنا
/أو أن سلفادور دالي قد أقام معرضا للوحاته السوريالية/ .
*****
يحلّقُ نسرُ النبؤاتِ في ذاتهِ الأزليّةِ فوق تخومِ السماواتِ
يئتزرُ الرعدَ
ينتعلُ االبرقَ
يفتحُ عينيهِ... ينظرُ نحو الجبالِ القَصيّةْ
فينهمرُ البيلسانُ على شُرفاتِ الكهوفِ العَصيّةْ
وتخفقُ شمسُ الشُّموسِ على مقلتيهِ
ويومِضُ في شفتيهِ رنينُ الكلام
يطلُّ الربيعُ على خطوهِ فوق متنِ الغَمام
يرفرف في الأفُقِ الرَّحْبِ فوق مباهجِ دارِ السلام
ليفتحَ لعشتارَ بوّابةِ الياسمينِ
لتختالَ في موكبِ الفجرِ فوق بساطِ النجوم
ويوقدُ قنديلَ قلبهِ فوق ناصيةِ الحُلمِ في ملكوتِ الظلام
ينير دروبَ رُعاةِ القداديسِ نحو الطقوسِ التي لم تزلْ مُثمِرةْ
ونحو نباتِ الخلودِ الذي لم يزلْ هائماً في قرارةِ بحرٍ سحيق
ليرتعشَ الكونُ مختلجاً تحت وقعٍ صرير مزاليجِ بابِ الجحيم
ويمسحُ أغبرةَ الموتِ عن وجههِ
يمتطي صهوةَ النارِ
يطوي طقوسَ المعابدِ تحتَ جناحيهِ
ويتلو وصاياهُ في محفلِ العاشقين
ثم يغادرُ زنزانةَ الأرضِ نحو الأقاصي البعيدة
ليركنَ في واحةِ الضوءِ تحت الظلالِ الرغيدة .
****
وأنا على شاطئٍ البحر في نُزهةٍ في بلادِ الغياب
التقيتُ بحسناءَ أبهى من الطاووسْ
وأجملَ من زهرةِ الجُلّنار
كأنَّ جمالَ جميعِ النساءِ تناسخَ عنها
تجمّدَ زهرُ القرنفلِ في شفتيها
وذابَ رحيقُ الرياحينِ في ثغرها
وسالَ أريجُ الخزامى على خدّيها
وغرّدَ طيرُ الكناري على جفنيها
فكلُّ الجمالِ وكلُّ الجلالِ تجسّدَ فيها
ولكنْ
على الرغمِ من كل هذا الجمال
وهذا الجلال
وهذا البهاء
وهذا السناء
فسنبلةُ القمحِ في وطني أجملُ الغانياتِ
وأبهى من الحُسنِ ... من كلِّ فاتنةٍ في السماء .
*****
سلاماً أيا دوحةَ الرافدين
سلاماً على شارعِ الموكبِ الملكيّ المهيب
سلاماً على كلِّ حبَّةِ رملٍ على شطِ دجلةْ
على باسقِ النخلِ فوق ضِفافِ الفراتْ
سلاماً على درَّة الكونِ... تاجِ الحضاراتِ
ينبوعُ نورٍ... ونار
بوّابةُ الأبجديّةِ.... مُنتَجَعُ الأُمراءِ
ومُنتزهُ الفقراءْ
غداً... عند بدءِ الشروقِ العظيمِ من الغربِ
حيثُ الزغاليلُ تلتقطُ الحبَّ من بَيدَرِ الشمسِ
تبني ركائزَ أحلامها في ذرا ناطحاتِ السحابْ
لتُبْسِطَ أجنحةَ السِحْرِ فوق الربوعِ اليبابْ
يومها....
سيهتفُ صوتٌ من الغَيْبِ من فوق زَقّورةَ أورْ
سلاماً ومجداً لآشورَ يَمْخُرُ بحرَ العوالمِ في زورقِ نُورْ
ليصطادَ آلهةَ الشَّرِ في غَيْهَبِ الدّيجورْ .
سدني- استراليا
Adamhomeh@hotmail.com