قرات باهتمام مقالة الأستاذ خالد جواد شبيل:"بين تائيتين" التي نشر منها حتى الآن ، ثلاثة اجزاء،على بضعة مواقع إلكترونية. والمقصود بالتائيتين:قصيدة "انا وليلى واشطبوا اسماءكم"الشهيرة،للأستاذ حسن المرواني، التي ألقاها في قاعة الحصري- كلية التربية (الملغاة)- سنة 1971م ومطلعها: "ماتت بمحراب عينيك ابتهالاتي***واستسلمت لرياح الياس راياتي" وقصيدة"الضياع "لـ ( كاتب هذه السطور)التي ألقيتها، في نفس المكان،في مهرجان شعري،باشراف الدكتـورة عاتكة الخزرجي. سنة1969 م .ومطلعها: "ملت من النغم المحزون ناياتي ***وأتعبت فرسَ الأحزان آهاتي" ولم يقصر الأستاذ شبيل مقالته على التائيتين المذكورتين وحسب، بل اضاف إليهما قصيدتين أخريين : واحــدة نونية عنوانها " الحلم - الكابوس" للأستاذ المرواني .وبدايتها: "ووقفت مقرور الشفاه حيال موكبك الحزين" وأخرى ميمية عنوانها "قافلة الأحزان "( لي). ومطلعها: "حملت شراع الموت في صمت آلامي*** وارضعت من ثدي التباريح اعوامي" وتناول -بعد إضافته القصيدتين- القصائـــد الأربع: (الضياع- انا وليلى - قافلة الأحزان - الكابــوس) بالتحليل والمقارنة سعيا للوصول إلى استنتاج نهائي لإغناء حاضر النقد الأدبي والإجابة عن اسئلته.. وأود هنا أن أتدخل - بعد ان اشكر للأستاذ شبيل جهده المحمود، واستاذنه- مركزا بالتدخل على تقييـم مقالتــه المتمحورة حول إشكالية تائية الأستاذ المرواني .فاقول .إن زميلي المرواني شــــارك بقصيدته تلك " انا وليلى ..."- وهي القصيدة الوحيدة التي شارك بها خلال سني الجامعة - وإني شاركت معه،ايضا، بقصيدتي "قافلـــة الأحزان" سالفة الذكر ،في مهرجان شعري سنوي ، اقامته إدارة كليتنا ســــنة 1971م، وحضره نائب رئيس الجمهورية . ففاز هو (المرواني) بالجائزة الأولى ، وفزت انا بالجائزة الثانية.ولكم سرني فوزه ،حينذاك، لما بيننا من ود أخوي متين ! رغم اختلاف قناعاتنا السياسية.ثم تناوبت قصيدتانا على دور الشهرة لأســـباب فنية ولأسباب غير فنية.اما الأسباب الفنية ،فلأنهما ممتازتان باعتقاد الجمهور الشعري. واما الأســـباب غير الفنية فقد أعلت الظروف السياسية قيمة قصيدتي منذ الساعة الأولى من إلقائها، وكتبت لها الشهرة بين الناس:لأنها عبّرت عن احتجـاج الشعب العـراقي،على عودة حزب البعث الى السلطة سنة 1968م،بعد المجازر التي ارتكبها سـنة 1963م ،ولأنها مثلت طموحات قوى المعارضة السياسية في الجامعة اساتذة وطلابا،ولأنها كانت الوحيدة التي بلغت أعلى درجة من التحدي الفردي لســلطة حديدية قمعية بحضور ممثلها الرسـمي في المهرجـان نائب رئيس الجمهوريـة صالــح مهـدي عماش، وبحضــور ممثلها االحزبي رئيس الإتحاد الوطني صلاح الســمرمد، وبحضـــور ممثلها الجامعي العميد الدكتـــور محمود غناوي.وما كان لي أن أصمد في موقعي الوطني بعـد ذلك التحدي،وعقباه المرّة؛ لولا رعاية الوطنيين من اســـاتذتي .واخص منهم بالذكر إسـتاذيَّ:الدكتــور ابراهيــــــم السامرائي الذي نبهني صراحة إلى مالم انتبه إليه من خطر، بحدب ابوي،والدكتـور داوود سلوم الذي ساندني وقواني،ولولا مؤازرة الوطنيين من زملائي وزميلاتي ،واخص منهم بالذكر:زميليّ غانم نوري، وفرحان قاسم .أولئك هم العراقيـــون الاحـــرار الذين لم يثنهم عن حب الوطن واهله ترهيب،ولا ترغيب..ولكنَّ قيمة قصيدتي وشهرتها المذكورتين آنفا لم تدوما طويــلا بل أخذتا تخفتان بعد ان قضى حـزب البعث الحاكــم على المعارضة الســياسية الداخليــة حتى نسي القصيدة عشـاقها أو قل تناســوها.ولم يعد هنـاك من يذكرها إحترازا من شـبهة المعارضة لحكم مسـتبد دموي،ولم أعد أذكرها،ايضا، لأحد خوفا من شرها.لقد انتهى دورها الســياسي،إذن،ولم يبق منها غير الجانب الفني الأدبي في بيئة لاتكاد تحترم إلا ذا قوة او ذا مال. ثم جاء دور قصيدة زميلي الأستاذ حســن المرواني التي أعلت قيمتها ظروف اخرى،لأنها كانت تعبر عاطفيا عن غالبية الشــــباب العـــراقي:عن خيبات آمالهم في تجارب حبهم، وعما يعانونه من كبت وحرمان ويأس امام قيــــود الواقع وشروطه..لقد هبت بها الريح الوجدانية على قلوب العاشقين والعاشقات،فاشتهرت في العـــــــراق ثم اشتهرت في غيره.وما زادها شـهرة على شـهرة إدعاء الشـاعر الراحل هادي التميمي انها له،وادعاء نجل الشــاعر الراحــل خالد الشــطري انها لأبيه.وما أثار دوي إدعائهما من تساؤلات ســاخنة لدى المختصين بالشـــان الأدبي،وغير المختصين حول "عائديــة القصيـــدة"،والتاريخ الشـــــعري لقائلها الأستاذ المرواني..ولم يدعِ القصيدة،على ما اعلم ، شــخص ثالث.ولكن تهمة باطلة غير مباشــرة دارت حول اسـمي، بدون حق، داخل العـراق وخارجه(انظر مقالة:"انتحل قصيدة انا وليلى"- فالح حسون الدراجي - المؤتمر- العدد342- سنة2003م). ولولا معارضة الاستاذ المرواني قصيدتي"الضياع"،والصداقة التي جمعتنا خلال الدراسة الجامعية ،لما دارت حولي تلك التهمة الباطلة. ولما اشتد النزاع بين الاســـتاذ المرواني وبين خصومه ،حول عائدية القصيــدة،احتكم الطرفان المتنازعان إلى وســــــائل الإعلام لغياب الجهة المختصة.وقد تفوق الاســـتاذ المرواني على خصومه إعلاميا بعد ان اســتقوى بشهادات الشهود من اصحابه-وكنت واحد منهم-واستنصر بذوي الاقلام المؤيدين له في الصحافة وغيرها.ولكن تفوقه الإعلامي الكبير لم يغير من الأمر شيئا ،بل زاد الشــكوك شكا آخر،لأن طريقته الدفاعية و طريقة مؤيديـه من كتاب المقالات كانتا تبسيطيتين،ذواتي نزعة لفظية،تعتمد على الرواية،دون عناية بالحقيقة والموضوع.ولم اقرا مقالة خليقة بالإهتمام مثل مقالة الاستاذ خالــد جــواد شـبيل،لأنها اول مقالة تعبرعن مسؤولية ادبية،وعن اهمية نقدية على الرغــــم من بعض ملاحظاتي الشـــكلية على بعض تفاصيلها.ومن تلك الملاحظات انها أوحت للقارئ في جزئها الثالث اني منحاز للشــــعر العمودي دون الحديث ،بقولها عني:"حتى في شـعر التفعيلة الذي يجنح إليه احيانا مجاراة للحداثة."والحق ان التجربة الشعرية هي التي تقرر شكل القصيدة عموديا أو تفعيليا، ولسـت انا.وسيان قصيدة العمود والتفعيلة عندي.انما أنا منحاز حقا للقصيدة الحية الجميلة التي تفرض حياتها وجمالهاعلى المتلقي.وأوحت للقارئ،ايضا،في جزئها الثاني اني اقلد المتنبي بقولها عني:"وهذه الأنا بها نكهة ابي محسد" وأنا لااستنكف من أبي محسد العظيم بل أفتخر ولكنْ شتان بين الأنا المتفائلة والأنا المتشائمة.كما ان المقالـــة صرحت للقارئ باني خلف لأسلاف ميسورين،ووريث لأسياد متقدمين.ولايتوهمن القارئ اني فوق الفقراء،بل انا خادمهم الممزوج طيني في طينهم حبا واملا وكدحا. قلت:"لم اقرا مقالة خليقة بالأهتمام مثل مقالة الاستاذ خالد جواد شبيل" إي والله.لم اقـــرأ مثلها. لأنها تتبنى المنهج النقدي الجديد:وهو يتركب في مجمله من مستويين نقديين(خارجي وداخلي) يترابطان فيما بينهما،ويتداخلان في بنية لغويـة واحــدة في المقالــة،لاســتنباط قيمة القصائد الاربــع المنقودة واستخلاص دلالاتها العميقة والسطحية معا.إذ يســـتند المســـتوى الخارجي ،إلى معطيات الظـــروف الشـــخصية،والإجتماعية ،والإقتصادية،والســـياسية،التي انعكســـت على شـــعر كل من الشـاعرين المنقودين (المــرواني والياســري) للمقارنة بينهما ،وغيرها.ويســتند المســتوى الداخلي إلى معطيات مضامين القصائـد ،واشكالها الموسيقية واللغوية والتصويرية لتحليلها ومناقشتها وتقييمها.. وقد اثبت الناقد في توظيف منهجه النقدي تمكنا متميزا وقدرة متفردة في فهم النص الشعري العربي من خلال تفكيك القصائد الاربع(الضياع- انا وليلى- قافلة الاحزان- الكابوس)إلى اجزائها المكونة، واعادة تركيبها بمهارة وحنكة تدلان على معرفتــه بكلا الشعر القديم والحديث،وعلى اتســـاع ثقافته.فهو متصل بالنص والمصـدر ولكنه،بنفس الوقت،منفصل عنهما. له تجربته العميقة ،وشخصيته المستقلة.ولو كانت لي سعة من الوقت لفصلت وبينت اكثر ،قبل ان انتقل أخيـرا إلى استخلاص القيمة الأدبية لمقالته... وهي تتجلى عندي في انها تشـكل ،لموضوع تائية الأســـتاذ المرواني"انا وليلى" رؤيا جديدة ،تختلف بالنــوع عن كل ماكتب عنها،من مفاهيم مكررة وجاهزة.وفي انها تقدم رؤياها بمنهجية غير سائدة.وفي هاتين النقطتين وحدهما،تكمن حداثة كتابة الناقـد الأســـتاذ خالد جواد شـــبيل.إنه يتجاوز السـائد التقليدي في الأدب العربي،في كتابته عن الشاعر الحي لا الميت.لقد اعتدنا أن ننفي الشـــعراء في حياتهم،ـوألا نؤكدهم إلا بعـد موتهم.ألم نقتل المتنبي،ونشـرد الجواهــري،ونجوع السـياب، ونســجن النواب؟بلى...وبتجــاوزه ذلك يرتبـط بالإنســان تقاطعا مــع الإملاءات الإيديولوجيــة والتجاريــة اللتين أخضعتا معظم مفكرينا ومتكلمينا لارادتيهما. فصاروا لايفكرون إلا بذهنية المذهب، ولا يتكلمون إلا بلغـة المـال ،ولاينتجون إلا ثقافة العبودية والأوهام. إني أجلّ الأستاذ شــبيل وأكبره لأنه فكر باللامفكر فيه،وتكلم عن المســكوت عنه.إن ماينقصنا هو التفكير والكلام،ولئن كان في الكـــلام مظهرنا الإنســاني(حسب ارسطو) ،فإن في الفكـر جوهــرنا.وليس مهما أن نتفق او نختلف بل المهم ألا نتنازل عما يحقق جوهــر كينونتنا البشرية ومظهرها.وبهذه المناسبة ادعو الاســتاذ العزيز حســـــن المرواني إلى أن يتدخل مبديا رأيه ،بما كتب عنه، لنتنور بكلماته ونستانس بأفكاره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ