طلعت يعقوب قدوة للثوريين الفلسطينيين والعرب

2011-03-13

في السابع عشر من تشرين الثاني - نوفمبر الجاري تحل الذكرى الثانية والعشرون لرحيل القائد طلعت يعقوب الأمين العام لتنظيم جبهة التحرير الفلسطينية ..


رحل الفدائي المقاتل والمناضل المبدئي الملتزم ، ابن المخيمات والقواعد ، رمز جيل العمل الثوري التحرري الأصيل ، قبل أن يكمل رسالته وفي عجالة فاجأت كل رفاقه ، وأحبته وكل من عرفه وعمل معه لأجل فلسطين كل فلسطين.. إذ كان مازال أمامه الكثير الكثير من العمل الجليل ، وكانت أمامه أيضاً مهمة صعبة ومعقدة لكنها جليلة وتستحق التضحية والعطاء ، فكان من المفترض ان تكون جبهة التحرير الفلسطينية ميناءا يسارياً لتجميع كافة السفن الثورية الفلسطينية والعربية وحتى العالمية.

حرصت الجبهة بقيادتها الثورية الملتزمة على القيام بذلك في بيروت الأممية الثورية المقاومة ، وفي جنوب لبنان الثورة الملتهبة.. لكن بروز ظاهرة معينة شملت بعض الناس في التنظيم خلال سنوات 1977 - 1981، أوقفت عجلة التقدم الجبهاوية وأخرت في إعادة تكوين التنظيم على أسس أصلب وأمتن وأكثر حصانة وممانعة .. ثم جاء غزو لبنان سنة 1982 فخروج المقاومة الفلسطينية من هناك الى الدول العربية المختلفة، كي لا يساعد على حسم الأوضاع داخل التنظيم. فعملية تنظيفه من كافة عوامل الفتنة والشقاق والانشقاق والتبعية للقيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك لبعض الأنظمة العربية كانت ملحة وضرورية ، وهذا ما أثبتته الأيام والسنوات اللاحقة ، فعندما قام بعض رفاق طلعت من هؤلاء بالذات بخيانته وبالانشقاق تحت شعارات زائفة وبائسة ومنافقة ، ثم الالتحاق بالقيادة المهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية ، تلك القيادة التي كانت منشغلة بالتسويات وبفتح باب حوار مع الاداراة الأمريكية ولو على حساب الثوابت الوطنية الفلسطينية. فكان الانشقاق والالتحاق ورفع شعارات ذات طابع نفاقي مثل الدفاع عن القرار الفلسطيني المستقل ، والدفاع عن وحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني ..الخ


كان طلعت يعقوب وهذا الأمر يعرفه كل من عاش تلك الحقبة من الزمن الفلسطيني الصعب، مع رفاقه الأمناء على رسالة كامل التراب الوطني الفلسطيني، أحرص من المنشقين عن الجبهة على وحدة وديمومة وقوة منظمة التحرير الفلسطينية.. لكن القيادة الفاشلة التي لم ولا تؤمن بالعمل الديمقراطي ولا بالعملية الثورية الحقيقية استطاعت أن تحول المنظمة من بيت جامع ووحدوي الى بازار للفاسدين والمفسدين في فلسطين، والى سوق نخاسة ، فصارت مؤسسات المنظمة وسفاراتها وممثلياتها ومكاتبها في كل العالم ، نسخة طيق الأصل عن أمراء الأجهزة وقادة المصادفة الذين تحكموا ومازالوا يتحكمون بمنظمة التحرير الفلسطينية وبمصير ملايين الفلسطينيين.. مع أنها قيادات منبوذة أوصلت شعب فلسطين الى زمني "الأوسلة" و "العبسلة" ، حيث أصبحت الخيانة الوطنية تحظى بموافقة ومباركة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية..


قبل رحيل طلعت يعقوب بيومين او اقل كانت دورة المجلس الوطني الفلسطيني ال18 في الجزائر العاصمة حيث أعلنت بيان الاستقلال والدولة الفلسطينية ، ولا يعرف كثيرون من الفلسطينيين أن ثمن هذا الإعلان الهزلي والورقي كان الاعتراف بالقرارين 242 و338 وبالكيان الصهيوني ، وبالتخلي عن الأراضي الفلسطينية التي احتلت سنة 1948 والاكتفاء بالقبول بدولة على الأراضي التي احتلت سنة 1967 . ومع كل هذه التنازلات وبالرغم من تقديم تنازلات أكبر منها واخطر فيما بعد ، إلا أن الصهاينة لم يعطوا القيادة الواهمة اي شيء عملي وفعلي. فأصبحت فكرة الدولة في خبر كان ، ثم تطورت خطوات الانزلاق نحو الهاوية من مؤتمر مدريد مرورا بالحوار مع الإدارة الأمريكية ، فزواريب ودهاليز أوسلو الخلفية والخفية، الى دوامة الحكومات الصهيونية المتعاقبة فمستنقع الوحل العميق ، حيث تدور الآن المفاوضات على دولة من وهم ، دولة مسخ ، بعدما كانت دولة من ورق وعلى الورق.


لذا نقول ونردد أن التاريخ سيذكر طلعت يعقوب ورفاقه، خاصة حينما يكتبه مناضلون ومختصون شرفاء واتقياء ، لأنه كان لطلعت يعقوب وتنظيم جبهة التحرير الفلسطينية وللحكيم جورج حبش وتنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين موقفين شبيهين رائدين ومميزين في تلك الدورة للمجلس الوطني الفلسطيني. حيث رفض كل منهما التصويت على كل قرارات المجلس الوطني كرزمة واحدة ، كما كان يريد المرحوم ياسر عرفات، من أجل تمرير كل ما يريده. وكان كل من الحكيم جورج حبش وطلعت يعقوب يعرفان أن في التصويت تخلي عن الثوابت والمبادئ والقيم الثورية الفلسطينية واعترافاً صريحاً بالكيان الصهيوني. وهذه اشياء من المستحيل أن يقبلا بها او يوافقا عليها .. فكيف الحال ونحن نتحدث عن قائد فدائي مبدئي أصيل، كما كان طلعت يعقوب. وكما كان ولازال رفاقه القابضون على جمر الثورة المستمرة.


من المواقف النادرة والتي فيها معاني إنسانية نبيلة وعظيمة للراحل طلعت يعقوب ، أنه كان يعاني من آلام مزمنة في أمعائه وبنفس الوقت كانت والدتي تعاني من آلام شبيهة ، وكان طلعت كلما اشترى الدواء المذكور يحسب حساب والدتي في مخيم عين الحلوة ،والتي لم يكن يعرفها ولم يكن رآها أو تعرف عليها سابقاً .. بل عرفها فيما بعد، مرة عندما جاءت تزورني في بيروت المحاصرة سنة 1982 والأخرى عندما قام الراحل طلعت يعقوب قبل رحيله بزيارة عائلتنا في مخيم عين الحلوة منتصف الثمانينات من القرن الفائت.


في سنة 1984 كانت تدور في براغ و وارسو مباحثات لإعادة توحيد جبهة التحرير الفلسطينية وذلك بمبادرة من طلعت يعقوب ورفاقه ، وشاءت الأقدار أن أسافر للعلاج بعد اصابتي في بيروت المحاصرة الى وارسو. حيث سكنت مع الرفيق طلعت في غرفة مزدوجة يفصل بينها باب خشبي يفتح على الغرفتين وذلك لمدة ثلاثة أيام. قبل أن أصل كانت المباحثات بين الطرفين أوشكت على الانتهاء ،وكانت ترسخت لدى طلعت قناعة بأن هؤلاء انشقوا ولن يعودوا لأنهم يبحثون عن الحياة الدنيا وعن الأموال والراحة والرخاء. عند خروج الجميع من الغرفة قال لي : يا رفيق نضال لا تثق بفلان وفلان .. هؤلاء ماعادوا مَعنا ولا مِنا..هذه الكلمات ظلت راسخة في عقلي سنوات طويلة وأثبتت الأيام صحة رأي وتحليل الراحل ابو يعقوب. لذا لم تربطني بالفلانين اي علاقة جدية..


طلعت يعقوب الذي عرفته عن قرب وعشت معه سنوات نضالية أعتز بها دائماً وابداً ، عاش نظيف الجيب والكف والعقل والقلب والموقف. ورحل كما جاء تاركاً خلفه زوجة وأطفالا بلا شقة سكن وبلا دار أو بيت .. صغيراً كان أم كبيراً ، وبلا حتى القليل من المال لمساعدتهم على الحياة. رحل كما جاء وكما عرفناه وأحببناه ، لذا عزز رحيله من تمسكنا بمواقفه وبالسير على خطاه ، مناضلين ثوريين ، نتنكر لأنفسنا ولا نبحث إلا عن تحرير فلسطين.


المجد لك يا رفيقنا الأمين وإنا على الدرب سائرون حتى نستعيد كل فلسطين


* مدير موقع الصفصاف


www.safsaf.org

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved