الحواجز (5)
اقتربت المجندة من الطفلة بالقرب من باب ( المقلاة ) جهاز المسح الضوئي بالطريقة الطولية والعرضية دون تشغيل المقلاة كي تتأكد من جسدها الصغير وبطريقة مرتبكة ارتباكاً لا يليق بمن يحمل سلاح وعتاد أمام طفلة لا تتجاوز الأربع سنين , قلت انه الجبن الذي رواه أجدادنا لنا يتجسد أمامنا ونراه حقيقة معاشة , بعدما كانوا قد حدثونا بأوصاف يهود حيث الجملة الشهيرة ( أولاد الميتة ) كناية عن ضعفهم وجبنهم ومع ذلك وصلوا الى ما وصلوا اليه بعد تسخير امكانيات الشرق والغرب لخدمتهم .
وبعد طول عناء , دخلنا الى الصاله وهي أشبه بزنزانة أخرى وتقع ما بين الباب السابع والثامن وفيها الشباك ما قبل الأخير ومتاح لك أن ترى ما بداخله ليس بالوضوح الكافي حيث ترى المجندة وهي تتأكد منك وتقارن الصورة الآلية مع شخصيتك الحقيقية , وتوقف الأمر عند ابنتي وكانت تحملها جدتها وحصل سجال بينها وبين المجندة كونها غير مسجلة بتصريح الدخول لأراضي 48 ومسجله بهوية أمها , وتم حله ببضع دقائق , وذكرني هذا بواقعة أخرى لعلي تعرضت لها بمقال آخر في دولة عربية .
خرجنا من الباب السابع ( المقلاة ) الى الباب الثامن حيث توجد غرف متعددة تماماً كنقاط الحدود في المطارات حيث يتم تسليم الهوية والتصريح مرة أخرى ووقفنا أمام البصمة وبشتى أنواعها وبعدها ختمت المجندة بالموافقة , وانتقلنا الى الباب الأخير حيث خرجنا الى أرضنا أرض فلسطين أرض ال 48 ووجدنا قريبنا (خال الزوجة) بانتظارنا .
وذهب بنا الى بيته العامر والذي صمد فيه مدافعاً عنه عام 1948 هو وآبائه ومعظم أبناء هذه المدينة العريقة حيث وقفوا بوجه العدو يذودون عن حمى الوطن واستبسل الرجال والشيوخ والنساء والشباب وكل من يعيش على تلك الأرض وأكبر دليل أنهم بقوا في أرضهم وبقيت الأرض لهم وبهم .
ذاك زمان قد مضى وبقي منه الذكريات المؤلمة ووَقَفَتْ فيه الكلمات داخل حناجر المظلومين وهم يسحقون وينظرون للأرض وهي تُتْرك وحيدة وحزينة وينهبها العدو الغاصب والذي لم يكن قد أصبح كياناً بعد .
بقي الأجداد والآباء ليخرج من أصلابهم ما يقض مضاجع المحتل قائلين أننا نحن أصحاب الأرض وما أنت الا دخيل سوف يأتي اليوم الذي ترحل فيه أو تُرَحّلْ لتعود من حيث أتيت , تأملت طويلاً والسيارة تسير داخل مدينة الطيرة وعدت للوراء لما قبل عشر سنوات وأكثر حيث كانت زيارتي الأخيرة فوجدتها وقد تغيرت وتطورت وشعرت أن هذا التغير صاحبه ارتقاء فكري لدى المواطن أتمنى أن يكون بنفس المستوى أو يزيد .
وذهبنا للجدة المريضة ولم تلبث سوى بضعة أيام إلا وغادرت هذه الدنيا وهي قابضة على مفتاح بيتها حيث بقيت صامدة وثابتة ولسان حالها يقول أوصيكم بأن تثبتوا وتصبروا وتبقوا على العهد , رحمها الله رحمة واسعه وألهمنا وذويها الصبر والثبات بكافة أشكاله.
لذا إن من يملك القرار لا يعرف ومن يعرف لا يملك القرار . وددت أن يعرف كل من في الأرض أن هناك شعب يستحق الحياة . مهلاً تستطيع الآن شرب القهوة Dr.mansour_sal@yahoo.com