((عندما تعود الي الوطن، لاتوجّه وجهك صوب البيوت والمدن والحدائق، اعطِ وجهك المقبرة) هذه الجمل الشعرية المفعمة أسىً وحسرات، قالها لنا وجهاً لوجه الشاعر عبد الرزاق الربيعي، العائد من رحلة الغربة التي بدأت عام 94، يوم استطالت تحت خطوه الطرقات، ليحط الرحال بدءاً في عمان، تلك المدينة التي كانت يومها تفتح أرصفتها بما أوتيت من سعة، للشتات العراقي الزاحف من بلاد البترول والنخل والمقدسات ! بصفتها (وياللحسرة) المنفذ الوحيد لخروج العراقيين من عنق زجاجة الحصار المرير، في عمان اتكأ عبد الرزاق على حروفه، ويالَقلق الشاعر حين يجعل من حروفه متكأً لجسده الواهن !!، وآماله الكبيرة، حاول، وحاول طويلاً أن يسند بها قامته، فانبري يكفكف نزفها، علَّــها تقوى على حمله، أو تكون له البراق الجديد، بعد أن أشاحت عمان الوجه كعادتها، أنـّــا اذن لبراق الشاعر أن يكون كبراق نبي ! أمام هذا راح الشاعر يتدحرج (فوق رمال خشبية، حيث السراب،والحسرات الرنانة) ببراق أقصى مابطاقته أن يهبط به في صنعاء، وشتان مابين صنعاء وعمان الجاحدة، عمان التي تنكّرت للعراقيين، فلم يند لها جبين جراء مآسيهم، على الرغم من ملايين براميل البترول التي كانت تصلها هبة، أو بأبخس الأثمان من العراق، لتدفيء بها عريها، وتلجم بها جوعها، وأذكر أني يوم زرت عمان (مضطراً كآلاف العراقيين مثلي)، دخلتُ مطعماً، وما أن أمسكتُ بقدح الماء، حتى صرخ بي صاحب المطعم القصير، الممتليء كثور:( أيش يازلمة، فاكر نفسك جنب دجلة والفرات،) سحب القدح من شفتي، وهو يردد مستهزءاً ( هات مصاري، هات مصاري) . كيف اذن لاأقول شتان ؟؟ فصنعاء عاصمة الألفة، والحاضنة الوديعة للعراقيين،آوتهم من شتات، وآمنتهم من خوف، لاغرابة أن يعيش العراقي في صنعاء مرفوع الهامة، ولاغرابة أن لايشعر وهو فيها بالغربة، فلطالما وجدت (في سنوات عيشي فيها) العربي عامة، والعراقي خاصة وهو ينعم بحب اليمنيين وثقتهم، فانتشر عبد الرزاق مع اخوته (حاتم الصكر /مجبل المالكي /اسعد الهلالي / وعلي حداد) وعدد من التدريسين والمهندسين،ضمتهم اليمن في عقد التسعينيات، ليسيحوا في أرضها، وليمطروها شعراً ونقداً وأدباً وعلما . من باب رد الجميل لهذا اليمن المضياف، لكن تنهدات الحروف، وصولة الآمال التي لاتهدأ، أودتا بشاعرنا هذه المرة الى تخوم الربع الخالي، حيث مسقط العمانية،عاصمة أخرى، وعلاقة جديدة، أخذته مسقط، احتضنته، فمرَّ عقدٌ من سنوات العمر، والربيعي للحظة مقيم فيها، وهاهو اليوم أمامنا في ملتقى صديقه الشلاه علي، فجأة وبدون ميعاد، ليس على النت، هاهو قريب مني، وعلى يساري صديقي/ صديق حروفه الشاعر محمد كاظم جواد، رابط الوصل الوفي الذي شدّني بتلابيب حروف الربيعي وألقها(.والتقينا ياعباس أخيراً في بابل الجمال) خطّها الربيعي (اهداءاً لي)على ( خذ الحكمة من سيدوري) مجموعته الشعرية الجديدة، التي تكلف بطباعتها المركز الثقافي العربي السويسري،الذي يديره الأستاذ علي الشلاه، أدار باقتدار حفل توقيع المجموعة وقدّم لها بتميّز الشاعر صادق الطريحي، حفلُ خلا من سدنة اتحاد ادباء بابل (سوى واحد منهم حضر، لقدرته الفائقة بالرقص على الحبال)، ربما لخوفهم من أن الشلاه الصاعد تواً للبرلمان، سيكتسح بملتقاه الجديد اتحادهم الكسيح . لم تكن أمسية بل سمفونية شعر، عزفتها شفاه الربيعي، وهي ترتجف حباً، وشوقاً لبابل وشعرائها, رددتُ في نفسي، أنت معنا اليوم ياعبد الرزاق، ولقاؤنا بك هو حسنة المربد الوحيدة، مربد الديناصورات، مربد شعراءالأنترنيت، ونقاد(سوق مريدي)، كان اللقاء قصيرا، وقبل أن تحل الخامسة عصريوم الجمعة 26مارس، غادرنا الى بغداد، لتظل نشوة اللقاء به تزيدني فرحاً وغبطة، ياللحسرة! انه فرحٌ مالبث أن أفسدهُ عرّاب الإتحاد(وأمينه) المالي، وهو يبلغنا عن تاريخ الإنتخابات، التي من المزمع اقامتها في مقر الإتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين، لإختيار هيأته الادارية الجديدة، شريطة أن يدفع كل عضو( مقدماً) مبلغ ستة آلاف دينار لهذا العرّاب، لتذهب هي الأخري لجيوبهم النهمة كسابقاتها، الثمانية عشر الف دينار) مثلا. اذن نحن الآن أمام خيارين، اما الدفع، أو عدم الذهاب والمشاركة فتُصادر أصواتنا، ويكون الطريق مفتوحاً أمام السماسرة لينصبّوا خرِفـا جديداً، كرئيس للاتحاد، وبطانة جديدة غير تلك التي طالها الخرف هي الأخرى.وربما وهو الأرجح سيستمر(الاتحاد) برئيسه( الحالي) الخاوي وذات البطانة مع اجراء تغيير شكلي / صوري، لتبقي الحانة وجلاسها،عامرة بالنشوة، ويبقي مردودها المالي، يؤول لذات الجيوب . من أجل هذا هبت الفروع، واسْتُنْفِرَ رؤساء اتحاداتنا الأشاوس، ففي بابل مثلا أرسل الكواز الموقر، (أمينه) السعيد، بهذا الشرط، وهويعرف، أن الانتخابات ستكون هزيلة كانتخاباتنا البرلمانية ! فالأتحادات الفرعية سادتي (على الأقل مالمسته في اتحاد ادباء بابل، ورئيسه الذي اعتلي الرئاسة باستجدائه لأصوات بعض ادباء الغفلة الذين ترشحوا وإياه)، اتحادات خاوية، لاشأن لها سوى الترويج لدهاقنة الاتحاد العام، والسير عبيدا لتعاليمهم (الكهنوتية)، طمعا بأمسية ٍ أو فتات، بعد هذا كله أستميحكم عذرا سادتي، وعذراً ياعبد الرزاق، فهذا ماأحزنني ودفع بي لتسطير مواجعي، فإن هم سرقوا فرحتي بلقائك، لكنهم لم يسرقوا تواصلي بالفرح معك، لذا لن أعبأ بهم، وباتحادهم، استنكر عليهم انتخاباتهم،سأقرأ حروفك، لآخذ حكمة سيدوري، من شفاهك التي تقطر شعراً ومحبة. وسأعطي كما طلبت وجهي المقبرة،لأني سأرى بالتأكيد أناساَ أفضل مما أرى الآن.