تعتبر وظيفة التعليم والتثقيف من أهم الوظائف التي تقوم بها وسائل الإعلام قاطبة منذ منتصف القرن الخامس عشر الذي شهد ولادة المطبعة على يد جونتبرغ، وبداية عصر الصحف الورقية، وما تلاها من تطورات عظيمة تمثلت في ثورة الاتصال التي شهدت ثورات متلاحقة ومتعددة كان آخرها ثورة الانترنت والإعلام التفاعلي الجديد.
وفي هذا الإطار يرى علماء الاتصال ومنهم ولبر شرام أن وسائل الإعلام تساعد فعليا في كل أنواع التعليم والتدريب وقد أثبتت فاعليتها في ظروف متعددة سواء أكان ذلك في مرحلة التعليم المدرسي - فيما بات يطلق عليه الصحافة المدرسية- أو في مرحلة التعليم الجامعي المعروف بالتعليم الالكتروني أي استخدام وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة في التعليم وذهبت بعض المؤسسات التعليمة إلى ابعد من ذلك بان أوجدت لها صفوف افتراضية على شبكة المعلومات الالكترونية - الانترنت- وأسست لها فضائيات تعليمية تعني بشئون التعليم في بلدانها بما يحقق خدمة المجتمع ويعمل على ترقيته وتنميته.
فالتعليم بوابة النهضة والتقدم وبه تبدأ عملية التحديث والتطوير في شتي مجالات الحياة المختلفة، وهذا ما جعل تطويره وتحديثه قضية ذات أولوية دائمة في برامج وسياسات كل البلدان المتقدمة والتنموية، وليس فقط في الدول الساعية للتمنية بل ربما تحظي بقدر كبير من الأهمية في الدول المتقدمة حتى تحافظ على مستوى تقدمها وهو ما يمكن ان نلمسه في دولة مثل أمريكا التي أصدرت تقرير (أمة في خطر) أبان عهد الرئيس ريجان لينبه كل المؤسسات المجتمعية الأمريكية إلى ضرورة الإسراع لتدارك خطر ضعف المجتمع.
فإذا نظرنا من هذه الزاوية إلى واقع التعليم الفلسطيني والعربي نري أن التطوير مسألة ملحة يجب أن تهتم بها وسائل الإعلام قاطبة، فتعبير امة في خطر الذي سبقتنا إليه أمريكا بأعوام كثيرة يعد أبلغ تعبير عن مغبة استمرار الأوضاع الراهنة في التعليم العربي.
كما من المعلوم أن تطوير التعليم ومنظومته لا ينحصر فقط في نشر التعليم والتوسع في إمكانياته ومؤسساته، وإنما يجب أن يمتد بالضرورة إلى نوع التعليم وآفاقه التطويرية، بالإضافة إلى ذلك فان تطوير التعليم يجب أن يتأثر في سياق تطوير وتحديث كل الأنظمة الأخرى - ويكون متفاعلا معها ومرتبط بها- وليس منفصلا عنها وهذه العلاقة العضوية بين النظام التعليمي كنسق اجتماعي وبين الأنساق الاجتماعية الأخرى ومنها وسائل الإعلام التي توضح الدور الملقي على وسائل الإعلام المختلفة في قضية التطوير.
وذلك من خلال استغلال التطوير الذي شهدته وسائل الإعلام وتقنيات الاتصال الحديثة التي تحدثنا عنها في بداية الحديث عن هذا الموضوع. حيث أسهمت بشكل كبير في رواج استخداماتها التعليمية وخاصة في أشكال التعليم عن بعد كمكمل للتعليم التقليدي في سياق التعليم متعدد القنوات والمكمل للتعليم في المؤسسات التعليمية النظامية.
وفي الإطار نفسه نجد أن وسائل الإعلام المختلفة قدمت إمكانيات عظيمة في مجالات التربية والتعليم والتي لو أحسن استخدامها والاستفادة منها لأسهمت بشكل فعال في رفع مستوى التحصيل الدراسي وتحسين العملية التربوية ومعالجة الكثير من المشكلات التي يعاني منها قطاع التعليم الجامعي وقبل الجامعي، وكذا منظومة التعليم العربي بشكل عام ومنظومة التعليم الفلسطيني بشكل خاص.
وعند محاولة حصر مشكلات منظومة التعليم الذي تعاني منه فلسطين نجد أنها متشابهة مع المشكلات التي تعاني منها الدول العربية من تسرب الطلاب من المدارس وتعليم الاناث ومشكلات الثانوية العامة التي تركز عليها هذه المقالة باعتبارها نموذجا لتطوير عملية التعليم ، وهنا رصد الدكتور كمال علاونة العديد من المشكلات التي تواجه طلبة الثانوية العامة وأجملها فيما يلي: -
1. قلة الإرشاد المدرسي: حيث يعاني طلبة الثانوية العامة من نقص شديد في الإرشاد والتوجيه العام حول ما هي الثانوية العامة ، فالبعض يعتبر نفسه فشل فشلا ذريعا إن لم يجتز هذا الامتحان الوزاري أو جزء منه ، علما أن بإمكانه أن يعاود الكرّة تلو الأخرى في حالة الفشل في اجتياز مادة معينة أو أكثر أو حتى الرسوب بشكل كبير . فلا يعني أن رسب الطالب في مادة أو مواد معينة نهاية الحياة بل يجب أن تكون حافزا للجد والاجتهاد للحصول على درجات عالية في إكمال التوجيهي بعد فترة وجيزة من إعلان نتائج الثانوية العامة خاصة أنه يتاح للراسب إعادة مادتين بالامتحان الوزاري بسبب الرسوب أو عدم الحصول على علامة مرتفعة .
2. كيفية الدراسة : كيف يدرس الطالب ، نهارا أم ليلا أم في كليهما ؟ وما عدد الساعات اللازمة للدراسة وكيفية توزيع أوقات الدراسة ؟ يفترض تخصيص مرشدين اجتماعيين وتربويين لإرشاد هؤلاء الطلبة أثناء دراستهم في المدارس وخاصة في السنة الأخيرة قبل تقديم الامتحان الوزاري لشهادة الثانوية العامة . والوقت المناسب للدراسة هو بعد الاستراحة من العناء المدرسي ، وتناول الطعام والشراب المناسب والصلاة المكتوبة ، والساعات الأكثر استيعابا للطالب هي ساعات ما بعد صلاة الفجر . وقد تبين من استقراء آراء بعض المتفوقين في الثانوية العامة في السنوات السابقة أن مدة دراستهم لا تقل عن أربع ساعات يومية أولا بأول وخاصة في ساعات النهار والصباح الباكر . فعملية تنظيم الوقت العام ووقت الدراسة مهمة جدا .
3. عدم الخوف من الامتحان الوزاري ، لأنه قد يكون أسهل من الامتحان اليومي أو الفصلي في الدراسة العادية، وهناك سوء فهم وخوف عام من امتحان الثانوية العامة الرسمي بفعل تخويف الطلبة السابقين أو الأهل أو المعلمين، ولكن في حقيقة الأمر أنه امتحان عادي لا أكثر ولا أقل ولا يختلف عن الامتحانات الأخرى إلا في كونه ينظم في موعد محدد لجميع الطلبة وتخصيص أيام ومواعيد معينة لكل مادة دراسية، والتصحيح أكثر عدالة كونه يوجد أكثر من مصحح لكل مادة ويتم مراجعة كل ورقة من مصححين آخرين دون معرفة صاحب الكراس المصحح من أي كان إلا بعد الانتهاء الرسمي من التصحيح النهائي .
4. المعدل العام : الدراسة المنتظمة والفهم والاستيعاب الملائم للحصول على معدل عالي يؤهل الطالب للالتحاق بالركب الجامعي في التخصص الذي يريد والجامعة التي يختار . فقد تبين أن المتفوقين في الثانوية العامة في سنوات خالية يرغبون في دراسة الطب والصيدلة والهندسة للفرع العلمي ، والبعض الآخر يرغب في دراسة الاقتصاد والتجارة . وأما المتفوقين من الفرع الأدبي فيبدون اهتماما في دراسة اللغات والتجارة والاقتصاد والقانون والصحافة وغيرها .
5. مرض الطالب في فترة الامتحان الوزاري : قد يتعرض الطالب لمرض طارئ قبل أو إثناء تأدية الامتحان الوزاري برمته أو جزء منه ، وفي هذه الحالة يتوجب على الطالب تقديم ما يمكن تقديمه في السنة ذاتها وعدم الانسحاب من تأدية بقية المواد الدراسية، وكما يقول المثل الشعبي ( خيرها في غيرها ) ( والفشل طريق النجاح المتميز) .
6. الامتحان الوزاري ليس المعيار والمقياس الوحيد : قد يحصل الطالب على معدل عال في الثانوية العامة ، وعندما يلتحق بالجامعة يتقلص معدله في الفصول الجامعية، وعلى العكس من ذلك قد يحصل الطالب في الثانوية العامة على معدل منخفض إلا أنه يحصل على معدلات مرتفعة في الجامعة .
7. تخصيص مدرسين أكفاء لتدريس طلبة الثانوية العامة من المتخصصين في مجالات معينة من ذوي الخبرة والنباهة والاضطلاع على أسئلة الامتحانات السابقة ومن المصححين السابقين .
8. لجوء الأهل إلى تخصيص مدرسين خصوصيين لتقوية أبناءهم الطلبة في المواد التي يواجهون صعوبات في فهمها كاللغة الإنجليزية والرياضيات والفيزياء والكيمياء وسواها .
9. بث الأمل والتفاؤل العام في نفوس الطلبة : ينبغي أن يتمتع الطالب بمعنويات عالية وبأمل وتفاؤل عاليين لاجتياز مرحلة الثانوية العامة كمرحلة مخاض بين المدرسة والجامعة ، فلا يأس مع الحياة ولا قنوط ويجب أن يؤمن الإنسان بقضاء الله وقدره وأن لا يستسلم لليأس والقنوط فإن رحمة الله واسعة ، وقد يكون الرسوب في الامتحان نوع من العذاب الإلهي للإنسان لارتكابه بعض الذنوب أو ابتلاء للإنسان لتكفير ذنونه وأيا كان السبب يجب أن يكون الطالب صلبا أمام المشكلات متفائلا صابرا محتسبا مبادرا للعيش في حياة مستقرة وآمنة مليئة بالطمأنينة ، فقد يكون الفشل مرة واحدة طريق النجاح الأبدي في الحياة الدنيا والآخرة .
10. الدور المهم للأهل والأقارب . تبين من استقرار آراء المتفوقين في الثانوية العامة أن لإدارة المدرسة والأهل ( خاصة الوالدين ) والأقارب دور مهم في تشجيع التحصيل التعليمي على الدراسة والمواظبة ومتابعة الدروس وتوفير الجو الدراسي في البيت . كما إن للمعلمين والمعلمات الدور اللائق في عملية الإرشاد والتوجيه والإشراف للحصول على معدلات عالية والتفوق .
وبعد هذا الرصد الرائع والتحليل العميق للدكتور علاونة، يبرز سؤال ملح جدا ما هو دور وسائل الإعلام؟ وكيف تسهم تلك الوسائل في تطوير منظومة التعليم، وتعالج تلك المشكلات التي تواجهها هذه المنظومة؟ وللإجابة على تلك الأسئلة نضع عدة مقترحات لكل وسيلة من وسائل الإعلام الفلسطينية، حيث من خلالها تستطيع إن تسهم في تطوير منظومة التعليم والرقي بالأجيال الشابة التي هي عماد المستقبل الفلسطيني ودولته المقبلة.
أولا: الصحافة المدرسية: تستطيع الصحافة المدرسية القيام بما يلي:-
1. عرض نماذج لطرق الدراسة عبر وسائلها المطبوعة والمسموعة في المدرسة والتي يمكن أن تكون منبرا مهما يتعلم منه الطلاب.
2. تناول موضوعات مختلفة لها علاقة بطرق التفكير السليم والتركيز والعمل على تحديد الأوقات الملائمة للدراسة وتقديم إرشادات في هذا الخصوص.
3. يمكن أن تكون منبرا توضيحيا يسهم في تحفيز الطلاب على الاستفادة من تكنولوجيا العصر.
الراديو المسموع: ويقوم بما يلي:-
1. يستخدم كنشاط تعليمي متكامل او كوسيلة تعليمية متكاملة الأنشطة.
2. يستخدم كوسيلة تعليمية مساعدة حيث يتلقي الطالب الدرس في المدرسة ويواصل الاستماع لبرامج الإذاعة المحلية في هذا الخصوص.
3. تستخدم الإذاعات المحلية كمنابر لتقديم دروس مجانية في الموضوعات المختلفة طوال العام وتخصص فترات أكثر تركيزا قبيل بدء الامتحانات النهائية.
التلفزيون: ويقوم بما يلي:-
1. إنتاج برامج تعليمية لمختلف الموضوعات والتخصصات.
2. يقوم بتيسير متطلبات التعليم الذاتي وتجاوز عقبات عدم الحضور والتغيب اللاإرادي.
3. التسجيلات التلفزيونية ممكن أن توضع على أقراص مدمجة بحيث يسهل الرجوع إليها وقت الامتحانات.
4. يعمل التلفزيون على توسيع خبرة الطالب ويوفر معلومات مرئية تزيد الإيضاح.
5. يتغلب على مشكلة نقص المدرسين المتخصصين او زيادة أعداد الطلبة في الفصل، وما يترتب عليه من مشكلات في الاستيعاب.
شبكة الانترنت والكمبيوتر:- ويقوم بما يلي: -
1. توفير أقراص مدمجة لنماذج امتحانات سابقة وحلول نموذجية لها.
2. يمتاز بسهولة ومرونة وتوفير في الوقت مما يتطلب أن يتم توفير المنهاج العلمي على اسطوانات تستخدم منزليا.
3. يمكن تقديم اختبارات الكترونية للطلاب بحيث تسهم في كسر حاجز الخوف من الامتحانات النهائية.
وأخيرا أري أن هذه المقترحات تحتاج إلى تكاثف جهود الدولة كلها من اجل المساهمة في تطوير المجتمع والعمل على تكوين جيل قادر أن ينتج ويسهم في البناء، وإلا عليه العوض.

