
تظن جماعة الإخوان المسلمين أن إدارة الدولة كإدارة جمعية، وأن حجمهم يجعل رؤيتهم للآخرين كأنصاف أو رقم يسهل تجاوزه، وحشد كل الطاقات والآراء ضد الموقف المضاد على أنه المستبد سياسياً، والغير قابل لوجودهم وبالديمقراطية المفروضة، ورفع الشعارات المثارة دينياً وإنسانياً، بحيث يُظهرون أنفسهم (الصوت الممثل للإسلام والجانب المقهور) فماذا يُطلق على الصوت الآخر حينها؟
الثورة لم يقم بها فصيل واحد أو تقم بها جماعة محددة، كذلك من يقف ضد الممارسات ذات الصوت الواحد في العملية السياسية ليس فصيلاً واحداً ذا توجه واحد أو ما يطلقون عليه ((الثورة المضادة))، والرمي جزافاً عليه من عواطف المشاهدات أو من قاعدة تشكله التي مازالت محفورة في تفكيره مع إظهار تحرره وقبوله بكل التوجهات.
الأسطورة اليونانية كثيرة الشبه بأسطورة الإخوان المسلمين، فإيكاروس لم يقبل برأي الآخر( الأب) جاعلاً طموحه – مرجعيته، ووضع أركان مرتكزاته ( أجنحة الطيران ) من الشمع، وحين وصل إلى الشمس ذابت أركانه الشمعية فكان زواله وسقوطه. لم يعتمد الإخوان المسلمون ( الجناح السياسي ) على مرجعية التآلف والتعدد بزمن التجديد السياسي، وقبول الصوت المنادي بالتغيير مراراً، وإنما ظلت مرجعيته قوالب الشمع التي ذابت أمام حقيقة الشمس المتحررة من الدهاليز المظلمة والأروقة المشكلة بالأحجام التي ترفض النمو.
من النقص أن نصنف طرفاً سياسياً خالصاً ( بالمؤامرة على الإسلام )، ( وحتى بالمؤامرة على الإخوان ) لتعطيهم حجماً ليس حجمهم، فما الذي قدمه الإخوان على مسار تاريخهم حتى يتم التآمر عليهم؟!
المؤامرة الحقيقية- احتلال العقل العربي بتشعب آرائه وجمود تفكيره بانتزاع انتمائه قبل الاستيلاء على أرضه ومقدراته، ونزع الثقة بين الشعوب مع بعضها، وخلخلة قوته التي يستند عليها .
موقف الإخوان بأنهم الضحية والذئب المتهم في دم لم يُقترف ابتعاد عن الحقيقة أو جزء كبير منها، والمكابرة على حال إقناع الذات- انفصام سياسي بين الفعل والتوهم بعدم الفعل.
(من لا يرى الواقع كما هو لا يمكن أن يصنع أو يتخيل المستقبل.....كمال الهلباوي- أحد قادة الإخوان المسلمين السابقين) هذا هو الحال الذي مر على الإخوان المسلمين في نظرتهم للواقع، لذا كان المستقبل لهم صارخاً وصادماً، استنفدت معه كل وسائلهم والأوراق التي طرحوها، فأعادتهم إلى نقطة البداية بل رمت بكيانهم إلى أبعد من نقطة البداية ومما يتصوره، وعاد المراحل طوال، وسياستهم كمثل المستحيل حين يسبق المكان الزمان وهذا مناف للحقيقة، فالزمان سبق مكانهم الذي لم يراوحوه، ومع كل ما استخدموا من وسائل للوصول (....نحن نتحالف مع من يستطيع أن يقربنا إلى دوائر صنع القرار....مأمون الهضيبي- أحد مرشدي جماعة الإخوان المسلمين السابقين ) ظل في دائرته المغلقة فكيف الخروج من دائرة لا تحدد نقطة بدايتهم أو نهاية هدفهم المشروع وهنا يعتمدون على تبرير فساد وسائلهم التي جعلوها وصولاً إلى ( الله غايتنا ) التي طالما تواروا تحت مظلتها لتحقيق مآربهم. إيكاروس لم يعد أسطورة الطموح لإفراطه فيه فقتله وإن كان طموحه المشروع( علمياً) والإخوان لم يعدوا أسطورة لأنهم قتلوا أنفسهم بطموحهم اللا مشروع ( سياسياً ) .