يوم لا ينساه النرويجيون !

2021-07-23

النرويج بلد اسكندنافي من أهدأ بلدان العالم، قلما يرد اسمه في نشرات الأخبار، فهو بلد مسالم، وكان الى حد عقود قليلة يعتمد الصيد لامتلاكه ساحل كبير على بحر الشمال وعلى المحيط الأطلسي، والزراعة وصناعة القوارب، وكان السويديون يتندرون على النرويجيين بكونهم فلاحين لاصناعة لهم.. حتى تفتقت فكرة للدكتور المهندس العراقي البصري فاروق القاسم المقيم فيه والحامل لجنسيته أن يقنع الحكومة بتخصيص مبلغ للبحث عن النفط في البحر، وافقت الحكومة بعد تردد، وهكذا أصبحت النرويج بلداً بتروليا غنياً – لا ينتمي إلى أوبك- وغدت النرويج بلد الرفاه الإجتماعي الذي يحظى بإعجاب العالم بما في ذلك شقيقته الكبرى السويد ! وغدا يستقبل اللاجئين الذي يعيشون في ربوعه الجميلة كأهله برفاه دون تمييز!

وقعت النرويج تحت الإحتلال النازي مثل شقيقتها الدنمارك، وعرفت المقاومة النرويجية المشرّفة للإحتلال التي قادها ملك النرويج هاكون السابع من منفاه في لندن؛ ونجت من الإحتلال الشقيقة الكبرى السويد لشبهة قوية مفادها أنها خضعت لشرط ألمانيا النازية بالسماح لها باستخدام أراضيها وطرقها وأهمها السكك الحديد السويدية لنقل وتمويل الخطوط العسكرية الألمانية، ومازال النقاش والإختلاف بين الساسة والمؤرخين السويديين حول صواب النهج السويدي من عدمه ! ومع ذلك فإنك تجد هناك مجموعات من اليمين النازي ينتهج خطاً عنيفاً معاديا للديمقراطية ولسياسة استقبال اللاجئين !

في يوم 22 تموز/يوليو2011 قام المواطن النرويجي ذو التوجه النازي المدعو أندرس بيرينغ بريفك بارتداء ملابس شرطة خاطها بنفسه وأصطحب بندقيته الأوتوماتيكية ليقود شاحنة مملوءة بالمتفجرات ويركنها أما مجمع رئيس الوزراء ويقوم بتفجيرها، ما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص وإصابة العشرات بجروح بضمنهم حالات خطرة.. ثم واصل إلى جزيرة أوتويا حيث اعتادت أن تستضيف مهرجانات العمال والشبيبة، وفي يوم جميل كانت الشبيبة تحتفل، فوصلها وراح يصلي هؤلاء المسالمين بنيران كثيفة من بندقيته الأوتوماتيكية لمدة ساعة ونصف الساعة فقتل تسعة وستين شخصاً وجرح المئات..

وقد وُجّه نقد لاذع للشرطة لتقاعسها وعدم توفير الحراسة الكافية وخاصة وأن اليمين النازي على قلته فإنه معروف بالعنف والتحريض على الأجانب وبث روح العداء لسياسة الدولة الديمقراطية المتساهلة في استقبال اللاجئين وتوفير السكن والعمل لهم ! واعترفت الشرطة بتقصيرها ونقدت نفسها وأصبحت أكثر مراقبة وتحجيما لليمين الذي أصبح معزولا من قبل الجماهير النرويجية الواسعة..

القي القبض على المجرم وقدم م للمحاكمة واعترف بجريمته المزدوجة التي راح ضحيتها سبعة وسبعون شخصاً ناهيك عن العشرات من الجرحى المتضررين، والملفت أن المجرم أنكر كونه مذنبا !! حكم بإحدى وعشرين سنة  بالسجن الشديد قابلة للتمديد..

أمس صادفت الذكرى السنوية العاشرة لهذه المجزرة المفجعة حيث تم الأحتفال على أعلى المستويات الرسمية وحضرها بعض الضحايا ممن شهد الواقعة لأدانة الجريمة والتشديد على عزل النشاط اليميني المتطرف العنيف، كما أقيمت القداسات في عموم كنائس البلاد، وكان من المقرر أن يفتتح النصب التذكاري الذي يحمل أسماء الشهداء لكنه للأسف لم يكتمل بسبب جائحة كرونا..

 ولئن كانت هذه الجريمة قد أدينت من أوسع قطاعات المجتمع والأحزاب والمنظمات السياسية فإنها من ناحية أخرى قد ألهمت الآخرين من اليمينيين المتطرفين، فما زال اليمين المتطرف ينشط بعنف وينسق في معاداة ذوي الأديان المختلفة والثقافات الذين يمارسون طقوسهم بمعابدهم بسلام وأكثر المستهدفين هم العرب المسلمون فما زالت الأسلاموفوبيا تتسع في أُوربا واستراليا وحتى نيوزيلاندا حيث نفذت جريمة ضد المصلين المسلمين ! كما أن التضييق على المتحجبات لا يني يزداد بشكل مجاف للديمقراطية، ولا أظنها ستنتهي مالم ينسق المهاجرون على مختلف انتماءآتهم العرقية والدينية والتحالف مع القوى الديمقراطية وخصوصاً اليسارية للتصدي للعنصرية بكل أشكالها، والمشاركة في الحياة السياسية والثقافية ولا أقل من ممارسة حق الإنتخاب لمن يتوسمون فيهم الخير والنزاهة..

23 تموز 2021

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved