زفت ثقافي

2008-10-04
الخميس : 26 ـ 2 ـ 2009

 

زفت ثقافي

 

 

"ما يعرف قبيلاً من دبير"

(الميداني ـ مجمع الأمثال: 3)

 

"هذا كلام زفت".

ولولا لطف بعض المارة، لأخذ الشاب الصعيدي بتلابيبي، وهو يقول: "كلام زفت وقطران".

كنت أسير في أحد أكبر شوارع المدينة، عندما اصطدم بي ذاك الشاب، فقلت: "يا هذا، صح فيك المثل: ما يعرف قبيلاً من دبير". وشكراً للأقدار اللطيفة أن أحد عيالي لم يكن معي، فلو كان بجانبي أحدهم لتحولت ليلتي الى زفت وقطران.

في الحق، كنت مأخوذاً بأخبار الزيت والقطران والزفت، طيلة أيام الأسبوع الأسبق، حتى اختنقت فخرجت الى ذلك الشارع، حين اصطدم بي ذلك الشاب، فأردت ممازحته، وأطلقت المثل ذاك.

اعترض الشاب بشدة، وقال: "سأجعل ليلتك هذه زفت". قلت: "يا صاحبي، تمهل قليلاً، هذا مثل عربي شهير، قلته في حضرتك من دون أن أنسى نفسي، ولا الأصمعي أيضاً".

"الأصمعي؟" سأل الشاب مستنكراً.

"نعم. هو".

"ده. زفت أسود".

أخذت بالكف اليمنى للشاب وقلت: "القبيل: ما أقبل به من القبل على الصدر. والدبير: ما أدبر عنه. وقال الأصمعي: هو مأخوذ من الشاة المقابلة والمدابرة، فالمقابلة التي شقت أذنها الى قدام، والمدابرة التي شقت أذنها الى خلف".

ولولا تدخل أحد الشباب لكنت منقولاً على محفة الى أقرب مستشفى. ولكن الله لطف بي، وأخذ الشاب بيدي اليسرى، وهو يقول لي: تغيّرت الدنيا يا عم، وزمانكم ولّى".

وكان الشاب محقاً، فالعبد الفقير الى الله، يقف شعر رأسه عندما يستمع الى حديث في التلفاز، يدلي به أحد الذين يعنون بثقافة الجماهير، وهو لا يجيد قراءة ما كتب له.

يعني: هذا كاتب يكتب له، كما حدد ذلك أحد الأخيار، في يوم من الأيام.

ويكاد جلدي ينسلخ من عظامي، عندما أقرأ كلاماً مرصوفاً بعناية في جريدة أو مجلة، زبدته أن تطور المسرح في "جزر القمر"، لم يتطور لولا أن أحدهم كتب "قصيدة تفعيلة" في ثمانينات القرن الماضي.

كلام زفت، حقاً.

قال الشاب، وهو لبناني، ملاطفاً: "هذا اختراع لبناني بامتياز. هناك مال سياسي، ومال انتخابي، ومال ثقافي. والله يدري ما هو اختراعنا المقبل؟".

قلت: "نعم، أصبت كبد الحقيقة".

ثم ودّعني الشاب اللبناني باسماً: صاحب الكلمة الشريفة، لا يتزفت".

نعم، هذا صحيح يا ابن أخ، ولكن حيثما تدير بصرك، فثمة المال الثقافي، والزفت الإعلامي، والمال النقدي، وكله متداخل في كله، وبعضه جزء من كله، حتى صار تشخيص الزفت من الجص، مسألة المسائل.

نهاركم أبيض.

 

 

 

 

جمعة اللامي

www.juma-allami.com

juma_allami@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved