إنهم لاجئون يفرون من بلدان تشهد حروباً ونزاعات مسلحة تحصد البشر والشجر، فلم يحدث في التاريخ أن اجتمع كل هذا العدد من الناس هرباً من أوطانهم ليقولوا بصوت واحد عبر رسالة يوجهونها إلى قادتهم وإلى قادة العالم وإلى الرأي العام يقولون فيها" لقد فشلتم" فقررنا أن نصنع مستقبلنا بايدينا .
لاجئون من سورية وأفغانستان وهم يشكلون أكبر مجموعتين من اللاجئين في شتى أنحاء الاتحاد الاوروبي والعالم، لاجئين من العراق واريتريا ومن الصومال ومن دول شمال وغرب افريقيا، وهناك قادمون من دول لاتتحدث العربية يدعون أنهم لاجئون سوريين أو عراقيين أو يزيديين .
بعد مرور سبعين عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية، وربع قرن على اغلاق آخر فصول الحرب الباردة ، يبدو أن مستقبل القارة الأوروبية على الصعد السياسية والاقتصادية والاستراتيجية غير واضح المعالم، بل أن ماحصل خلال عام واحد فقط من تدفق مئات الآلاف من اللاجئين ان لم نقل الملايين إلى اوروبا وإلى بلدان محددة بعينها قادمين من أماكن مختلفة، ولكن العدد الأكبر منهم هم من الفارين من نار الحرب في سورية، نقول أن هذه الموجات البشرية القادمة قد أحدثت نوعاً من الالتباسس والغموض حول العديد من القضايا منها علاقات دول الاتحاد الاوروبي فيما بينها، ومدى الالتزام بالاجماع الاوروبي، وموقف دول اوروبا الشرقية من قضية اللجوء، مروراً بالوضع الاقتصادي والمشكلات التي تعاني منها بعض دول الاتحاد، وصولاً إلى الغموض الذي بات غير واضح لأول مرة فيما يتعلق بالمستقبل السياسي للاتحاد .
ومع بداية استخدام العنف من قبل بعض ماكان يعرف دول اوروبا الشرقية سابقاً وخاصة من قبل السلطات المجرية وافراد شرطتها التي تعاملوا مع اللاجئين بطريقة عنيفة ومهينة،حينها ظهرت إلى العلين الخلافات الاوروبية الاوروبية حول قضية اللجوء، وأبرزهذه الخلافات كان بين دول مجموعة فيسغراد التي تضم المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا التي رفضت مبدأ تقسيم أعباء اللاجئين عبر توزيع قسري للحصص، هذا الرفض يقابله تسامح وتفهم من قبل دول أهمها ألمانيا وفرنسا والسويد وهولاندا لموضوع استقبال اللاجئين الهاربين من الحرب في سورية والعراق، هذه الدول هددت بفرض عقوبات مالية على الدول الأعضاء التي تستفيد من منح التنمية التي يقدمها الاتحاد إلى أعضائه، وعادة ما تأتي هذه الأموال من الدول الغنية في الاتحاد مثل المانيا والسويد والدانمرك .
وبين مطرقة خلافات دول الاتحاد الأوروبي المتعلقة بقوانين اللجوء والتي وصلت إلى تهديد اتفاقية شينغن للتنقل الحر، وبين سندان لائحة دبلن التي تنظم اللجوء في الاتحاد الأوروبي، تستمر المعاناة الإنسانية لمئات آلاف الفارين من بلدان مزقتها الحروب وأغرقتها في فوضى تحصد أرواح العباد، الذين يسعون للوصول إلى أحد الدول الاوروبية للعيش والعمل بكرامة وأمان .
لقد بدأت مشكلة اللاجئين تتحول إلى أزمة، منذ العام 2013 بعدما تجاوز عدد اللاجئين وطالبي اللجوء وكذلك النازحين داخلياً إلى خمسين مليون للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، لكن الاتحاد الأوروبي لم يتحرك إلا بعد أن باتت هذه الهجرة تدق، أبوابه بعنف، من خلال وصول موجات مخيفة من اللاجئين الهاربين من الحروب، وتفاقم الأمر حين نقلت وسائل الإعلام التعامل اللا أخلاقي من قبل السلطات المجرية بحق اللاجئين، وانتشار صورة جثة الطفل السوري ذو الثلاث سنوات ممدداً على شواطئ تركيا، واكتشاف السلطات النمساوية لما أسموه شاحنات الموت أو شاحنات العار، بعد أن تم العثور على عشرات الجثث تعود إلى لاجئين فارين مكومة في تلك الشاحنات وقد قضوا اختناقاً، هذه الأحداث السريعة المتتالية شكلت نقطة تحول حقيقي ومفصلي في الموقف الرسمي والشعبي الاوروبي من قضية اللاجئين، فقد خرجت مظاهرات في النمسا ولاحقاً في مدن فرنسية تطالب بفتح الحدود أمام اللاجئين وإنقاذهم من موت محتمل، وتم رفع شعارات عديدة منها أنه لاوجود لإنسان غير شرعي، وأوقفوا المجزرة ، حتى ألمانيا ذاتها التي يدخلها معظم اللاجئين قد شهدت بدورها مظاهرات تطالب قادة دول الاتحاد الاوروبي بالتحرك والتعامل الإنساني مع اللاجئين والعمل بشكل مشترك للتخفيف عن المأساة التي يعيشونها، كما طالب المتظاهرون شن حرب على تجار الموت من مهربي البشر، وقد شاركت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بنفسها في استقبال اللاجئين، وأبدت مشاعر ومواقف مساندة لهم، وأعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن استعداد بلاده لاستقبال اللاجئين في إطار نظام المحاصصة الأوروبي، كما أعلن ديفد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني في عن استقبال بلاده حوالي عشرين ألف لاجئ سوري، حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تسمح سوى لألف وخمسمائة لاجئ سوري في الدخول ‘لى أراضيها منذ العام 2011, أعلنت أنها سوف تستقبل عشرة آلاف لاجئ العام المقبل .
بلغ عدد الواصلين إلى الاتحاد الاوروبي عبر البحر المتوسط منذ بداية العام 2015 حتى منتصف شهر سبتمبر، إلى مايزيد عن 440 الف مهاجر ولاجئ، وصل منهم نحو 320 الف إلى اليونان والباقي إلى ايطاليا، بحسب آخر أرقام المنظمة الدولية للهجرة، وتشير تقديرات المفوضية العامة للاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن السوريين يمثلون حوالي نصف هؤلاء، يليهم الأفغان بحوالي 13 في المائة ثم الأريتريون 8 في المائة ثم النيجريون 4 في المائة فالصوماليون حوالي 3 في المائة .
يتوجه معظم اللاجئين إلى ألمانيا والسويد، فألمانيا التي توقعت أن تستقبل هذا العام حوالي 800 ألف لاجئ قد تجد نفسها مضطرة إلى استقبال مليون مهاجر كما أعلنت سيغمار غابرييل نائبة المستسارة الألمانية أنجيلا ميركل، فخلال أول أسبوع من سبتمبر المنصرم سجلت السلطات الألمانية دخول 37 ألف لاجئ جديد، كما سجلت البلدان الواقعة على طريق اللاجئين وبشكل خاص النمسا تدفقات قياسية غير مسبوقة بأعداد اللاجئين الوافدين إليها .. وكانت المجر قد استقبلت حوالي 6000 مهاجر قبل يوم من قيام السلطات هناك بإقفال الثغرات الحدودية مع الجارة صربيا، وكذلك لوحظ دخول حوالي 23000 لاجئ إلى جزيرة ليسبوس اليونانية في شهر سبتمبر الماضي .
وقد بحث وزراء داخلية الاتحاد الاوروبي منتصف سبتمبر الماضي توزيع 170 ألف لاجئ يتواجدون في المجر واليونان وايطاليا على 28 دولة وهم دول الاتحاد، من دون الوصول إلى أية اتفاق، ومازالت دول مثل المجر وبولندا وسلوفاكيا والتشيك وانضمت لهما لاحقاً رومانيا والدانمرك تعارض هذا الاتفاق الذي سوف تستقبل بموجبه في حال إقرارة ألمانيا 32 الف لاجئ وفرنسا 25 الف لاجئ واسبانيا 15 ألف، فيما يتوزع باقي اللاجئين على بقية الدول .
وأجد أبرز الإشكاليات في موضوع تنظيم اللجوء والهجرة هو عدم وجود معايير موحدة واضحة، فكل دولة لها قوانينها الخاصة، ويسعى فريق مكون من عشر منظمات دولبة أبرزها المنظمة الدولية للهجرة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، هذا الفريق يسعى من العام 2006 لوضع سياسة شاملة من اجل اعتماد معايير واحدة، وكذلك توحيد جهود الدول والمؤسسات والتنسيق فيما بينها وتبادل البيانات وتحليلها، ويمتد نشاط الفريق إلى تعزيز حقوق الإنسان المهاجر وحمايتهم، ومحاربة الاتجار بالبشر.
كما تختلف طريقة الدول في تعاملها مع طلبات اللجوء والهجرة للحصول على الإقامة القانونية، حيث قد تستغرق دراسة هذا الطلب في دولة مثل تركيا حوالي من عامين إلى تسعة أعوام، بينما في دولة كالنروج تشترط الايكون مقدم طلب اللجوء قد قام بالتبصيم في احدى الدول الموقعة على اتفاقية دبلن، وأن لايكون لديه مكان إقامة خارج بلده، وليس متهماً في قضية جنائية، وان يكون بالضرورة متواجداً على الأراضي النروجية، وأن يخضع لاستجواب حول كيفية وصوله إلى البلد .
حتى أن الأمر قد وصل في بعض البلدان إلى الاختلاف بين الأحزاب السياسية فيما بينها، وأعضاء في البرلمان الاوروبي، حول ما إذا كان هؤلاء الذين يصلون إلى أوروبا لاجئون أم مهاجرون، وبطبيعة الحال هناك فرقاً مهماً بين المصطلحين، وتعرف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اللاجئين هم أشخاص تركوا بلدانهم خوفاً على حياتهم وحريتهم من الصراعات المسلحة أو من الاضطهاد والقمع لذلك اضطروا إلى عبور الحدود بحثاً عن الأمان في دول أخرى، وعلى هذا الأساس يتم الاعتراف بهم دولياً بوصفهم لاجئين ومن حقهم الحصول على المساعدة من الدول ومن المفوضية ومن المنظمات الأخرى، لأن أوطانهم في وضع خطير وهم يحتاجون إلى ملاذ آمن .
هذا وقد حدد القانون الدولي تعرفاً للاجئين، وتعد اتفاقية عام 1951 وبروتوكولاتها لعام 1967 بالإضافة لنصوص أخرى كاتفاقية منظمة الوحدة الافريقية لحماية اللاجئين، هذه الاتفاقيات الدولية هي المراجع القانونية الاساسي في حماية اللاجئين .
أما المهاجرون فوضعهم القانوني يختلف عن وضعية اللاجئين، لأنهم أشخاص غادروا بلدانهم اختيارياً لا قسراً، بهدف إيجاد فرص عمل وتعليم أفضل من أجل تحسين مستواهم المعيشي، ويمكنهم- بعكس اللاجئين- العودة إلى أوطانهم دون مشاكل متى شاؤوا، وبالتالي الدول غير ملزمة بتقيدم المساعدة لهم ولايحق لهم المطالبة بها .
إن أي خلط بين اللاجئين والمهاجرين يمكن أن يؤدي إلى عواقب سيئة على حياة اللاجئين وسلامتهم، وغالباً مايتم الخلط بين المفهومين لأسباب سياسية بهدف التملص من المسؤولية القانونية تجاه اللاجئين في توفير الحماية لهم ومساندتهم في محنتهم .
ونحن نتحدث هنا عن الجوانب القانونية لقضية اللجوء، لابد وأن نشير إلى أمر غاية في الأهمية جعل معظم اللاجئين الواصلين إلى المجر وإيطاليا واليونان من قبل يفرون من رجال الشرطة التي كانت تلاحقهم من أجل إرغامهم على إعطاء بصمات اصابع اليد للسلطات المحلية، لأن اللاجئين يعتبرون هذه الدول هي دول عبور في طريقهم نحو وجهتهم النهائية التي عادة تكون إما ألمانيا أو السويد أو الدانمرك قبل أن قامت الدانمرك بتشديد إجراءات اللجوء، هذا مابات يعرف برهاب البصمة، أي الخوف من أن تتمكن سلطات دول العبور من أخذ بصمات اللاجئ، لأن ذلك يعني ببساطة نهاية حلمه في اللجوء إلى الدول التي ذكرناها ، وذلك بسبب أن أول إجراء يتم اتخاذه من قبل السلطات السويدية على سبيل المثال هو تحقيق أولي وأخذ بصمات الأصابع العشرة لطالبي اللجوء، وسرعان ما يتم التأكد إن كل مقدم الطلب قد بصّم في دولة أخرى أم لا، لأن هناك نظام واحد أوروبي مشترك لتبادل المعلومات، فإن كان لدى اللاجئ بصمة في دولة أخرى يطلب منه مغادرة السويد خلال أسبوع .
وتختلف الطرق والاساليب التي يصل عبرها اللاجئين إلى الدول التي تشكل حلماً لهم وتتنوع باختلاف مكان القدوم وبتنوع الأساليب التي يبتدعها مهربو البشر للحصول على آخر ورقة نقدية في جيوب اللاجئين ، فمن زوارق الموت إلى شاحنات العار إلى السير على الأقدام اياماً عديدة، إضافة إلى تهريب الناس عبر جوازات سفر مزورة أو تأشيرات دخول عبر المطارات لمن يستطيع أن يدفع هذه الخدمات الباهظة التكاليف والتي لايمتلكها سوى قلة من اللاجئين .
جرائم تهريب البشر ومسؤولية المهربين عن حياة اللاجئين وعن مضاعفة مأساتهم، كانت عناوين لمواضيع تم التوقف عندها من قبل دول الاتحاد الاوروبي للتعامل الصارم مع هذه الجرائم، وفي وقت سابق كانت كل من ألمانيا وسويسرا وإيطاليا قد اتفقتا على تشكيل قوة مشتركة لمحاربة شبكات تهريب البشر عبر المتوسط، والتي يعتقد أن معظمها يأتي من السواحل الليبية، وفي نفس السياق اتفق وزيرا داخلية كل من فرنسا وبريطانيا في منتصف آب الماضي على محاربة شبكات المهربين، وأعلن عن تفكيك حوالي عشرين شبكة لتهريب البشر في منطقة كاليه شمال فرنسا، ومن المعروف أن 21 دولة من الاتحاد الاوروبي قد بدأت العام الماضي بتسيير دوريات بحرية في عرض البحر المتوسط، غير أن الاتحاد أعلن هذه المرة عن استعداده للانتقال إلى الهجوم في أعماق البحار لملاحقة شبكات التهريب، بل قد تم مؤخراً إصدار قرار من مجلس الأمن يجيز للاتحاد الاوروبي مصادرة قوارب المهربين بالقوة تحت الفصل السابع، والتي تصل عائداتها السنوية نحو سبعة مليارات دولار سنوياً حسب تقدير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة الذي اشار أن هذه الحصيلة الضخمة تشمل مسارين، الأول من افريقيا باتجاه أوروبا، والثاني من جنوب القارة الافريقية إلى أمريكا، وتشير دراسات إلى أنه يتم سنوياً تهريب مايقارب 55 ألف مهاجر أو لاجئ من شرق وشمال وغرب افريقيا إلى اوروبا، ويقدر عائدها بنحو 200 مليون دولار، ومن المعلوم أن المهربين لايهتمون بظروف الرحلة أو سلامة اللاجئ بعد أن يتقاضون منه مبالغ طائلة، بل يتعاملون مع اللاجئين كفطعان ماشية، ويتم استخدام قوارب مكتظة غير مجهزة لمواجهة حالات الطوارئ، وفي بعض الحالات يجبر المهربون ضحاياهم للسير في الصحارى او بجانب سكك القطارات لمسافات طويلة، أو يقومون بشحنهم في حاويات وقد يموتون داخلها اختناقاً .
وتصل تكلفة الرحلة من تركيا إلى ألمانيا على سبيل الثال ابتداء من سبعة آلاف يورو إلى عشرة آلاف، وقد تصل إلى ضعف هذا الرقم في بعض الحالات .
وقد أدى غرق أكثر من خمسة آلاف لاجئ في هذا العام في مياه المتوسط إلى قيام رئيس الوزراء الاسترالي توني أبوت إلى دعوة دول الاتحاد الاوروبي لتبني الطريقة التي اعتمدتها بلاده لإبعاد اللاجئين عن بلاده عبر اعتراض قواربهم في عرض البحر بعيدا عن السواحل الاسترالية ولاستجوابهم والبت في طلباتهم في عرض البحار، وهي طريقة أثارت غضب واحتجاج منظمات حقوق الإنسان ضد الحكومة الاسترالية، واعتبرت أن هذه الطريقة تعد انتهاكاً عديم الحياء للاتفاقية الدولية للاجئين .
إن تصريحات رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان العنصرية في الدعوة إلى الحفاظ على الوجه المسيحي للقارة الاوروبة، وتعامل حكومته اليمينية المتشدد مع اللاجئين وتنكرهم للقانون الدولي، يعكس بصورة بشعة الاختلافات والتباينات في مواقف الدول الاوروبية تجاه قضية اللاجئين، فمن دول ترحب بحرارة إلى دول رافضة بالمطلق وبينهما دول ترحب بخجل وأخرى ترفض باستيحاء، وتشير هذه التباينات إلى وجود عوامل أخرى لاتقل أهمية عن الاعتبارات الإنسانية، وبعيداً عن مواقف بعض الأحزاب الاوروبية التي تعتمد في خطابها على التعصب الديني والتمييز العنصري في محاربة اللاجئين اللذين تستخدمهم هذه القوى في خلق ذرائع لتبرير فشل السياسات التي تعتمدها على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعيدا عن هذه الأسباب فإن هناك العامل الاقتصادي الذي يحكم المواقف السياسية لدول الاتحاد الاوروبي، فليس مفاجئ أن الدول التي تحارب اللجوء بضراوة هي دول اوروبا االشرقية التي تتشابه فيما بينها في معدلات الدخل االتي تقل كثيراً عن معدل دخل دول اوروبا الغربية، ويكفي ان نجري مقاربة بين دولتين واحدة في اوروبا الشرقية وهي المجر التي يبلغ دخل الفرد فيها 12,5 ألف دولار وبمعدل بطالة يتجاوز 11 في المائة، بينما يبلغ متوسط دخل الفرد في ألمانيا 36,4 ألف دولار وبمعدل بطالة 5,3 في المائة، وهذا ربما يفسر جانباً من غضب حكومات دول اوروبا الشرقية التي تريد أن تكون فرص العمل في الاتحاد لأبنائها الذين يهاجرون الى الدول الغربية بحثاً عن فرص عمل أفضل بأجور مرتفعة، وأن لاتكون فرص العمل هذه في ألمانيا وفي السويد والدانمرك للقادمين من خارج المنطة .
إضافة إلى ماتقدم، فإن هناك مقاربة في تحديات التنمية المستدامة للدول الاوروبية بشرقها وغربها التي تواجه تحديات ديمغرافية تتمثل في انخفاض معدلات النمو السكاني فيه، فخلال العشر سنوات الأخيرة انخفض معدل النمو من0,6 إلى 0,4 بالرغم من دخول أعداد كبيرة من المهاجرين إلى هذه الدول، يترافق هذا مع ارتفاع في نسبة السكان الذين تجاوزت أعمارهم 65 عاماً من 17,3 في المائة إلى 19,4 في المائة من إجمالي عدد السكان .
وبالتالي فإن الدول الاوروبية التي ترحب باللاجئين تفعل ذلك لاعتبارات انسانية ولاعتبارات أخرى تضمن استمرارها وتطورها، وهي اعتبارات مشروعة لأنها تحقق المنفعة المتبادلة، وبضخ دماء جديدة في الجسد الذي بدأ يهرم، ويوفر فرص عمل لمئات الآلاف من القادمين الجدد، أما الدول التي تعتمد سياسة متشددة مع اللاجئين وتتشبث بأصولية إثنية أو دينية أو ثقافية وتقفل ابوابها في وجه المهاجرين سوف تخاطر في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية .
حسن العاصي
كاتب فلسطيني مقيم في الدانمارك