استيقظ زيتو الأعرج من نومه، صوت تساقط المطر على سطح كوخه الطيني عكر مزاجه، نهض من على سريره، سار ناحية الباب، وقف محدقا في السماء، بدت الغيوم في قية السماء كقطعان خراف تطاردها ذئاب مسعورة، وكعادته كل صباح نهض حاملا نايه قاطعاً المسافة بين قريته ومركز الناحية القريب هناك يرقص ويغني فيما يتحلق الأطفال من حوله يرمون له بقطع النقود ذات الفلس والفلسين وعند المساء يقفل عائدا إلى القرية .
فحينما همَّ زيتو الأعرج بالخروج هذا الصباح، أتاه صوت أبوه : إلى أين أنت ذاهب في هذا اليوم الماطر يا بني ؟! نصف ساعة وستصحو السماء يا أبي أجاب زيتو وأضاف أُنظر… أُنظر كيف الغيوم تركض في قبة السماء يا أبي. لا هذا لا يعني بأن السماء ستصحو، فقد تصحو أو قد تزيد قتامة واكفهراراً هذا ما علمتنا إياه الحياة يا بني قال أبو زيتو .
لم يأبه زيتو بكلام أبيه بل ملأ جيوب سرواله بحبات الشعير وخرج عابراً سهولاً وودياناً يطعم طيور البراري حبات الشعير كعادته كلما قصد مركز الناحية . في مركز الناحية تحلق جمع غفير من الأطفال، حوله، عزف زيتو على نايه ورقص فرحاً إلى أن هده التعب وفيما هو على هذه الحال، استقر حجر طائش رماه أحد الأطفال النزقين، استقر قي جبينه فنزف من الدم قليلاً .
الريح تعول والسماء تزداد قتامة، قفل زيتو الأعرج عائداً إلى قريته، مرت ساعة ساعتان ثلاث وأوشك الظلام يلقي بعباءته الدكناء على السهل والجبل والشجر وعلى كل شيء . في الكوخ كان والد زيتو يدخن غليونه قال لزوجته والتي كانت جالسة قبالته قلقة متوجسة نفذ صبري يا امرأة سأذهب لأعرف ما الأمر نهض وعلق بندقيته في كتفه وخرج، رافقه شاب من شباب الجيران في العشرين من عمره وشيخ في السبعين، غادر الثلاثة القرية متوجهين إلى مركز الناحية .
في أحد الوديان كانت جثة زيتو الأعرج ملقاة على الأرض وقد نهشتها الطيور الجارحة والضواري، حمل الرجال الثلاثة ما تبقى من جثة زيتو وقفلوا راجعين فيما كانت طيور البراري في وكناتها تنعي زيتو الأعرج الذي أحبها كثيرا .