8 مارس صوت المرأة فوق الربوة

2018-11-05
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/e127ce14-d8b9-45a0-8f37-b2ea20e0bcda.jpeg
في اليوم الوطني للمرأة المغربية الذي يصادف العاشر من أكتوبر من كل سنة، كان  لابد ان نقف عند محطة إعلامية حقوقية سياسية أرست أرضية صلبة لمنح المرأة المغربية في هوياتها المتعددة صوتا مسموعا وموثقا  ألا وهي تجربة جريدة 8 مارس التي صدرت لمدة 13 سنة منذ نونبر 1983 وتوقفت  في عام 1995،  وخصصت لها مؤسسة الربوة للثقافة والفكر احتفاء خاصا حيث  تخللته شهادات مختلفة سواء من مؤسسات هذه التجربة الإعلامية التي حيكت  بأقلام مناضلة  وحقوقية وسياسية او من مواكبي التجربة التي  لازال أثرها ساريا لما اضطلعت به من ريادة ثقافية وحقوقية غنية ومؤثرة في قضايا المرأة .

وحول التجربة اغتنمت  فيه الدكتورة ثورية السعودي شهيد لتتحدث عن الصحافة النسائية كمادة إعلامية موجهة لفئة النساء، وغالبا ما تحاول تقديم نمط لصورة المرأة النموذجية داخل المجتمع، حسب توجه القائمين عليها، وتكوينهم، وأهدافهم، وحمولاتهم الفكرية والإيديولوجية . ويمكن تقسيمها إلى 3 أنواع :
 
النوع الأول هو صحافة ذات طبيعة تجارية، تستعمل المرأة كأداة استهلاكية لمنتوج السوق ومرتبطة بالفكر التقليدي الذي يكرس الأدوار التقليدية للمرأة : ألمرأة الأم، الزوجة، ربة البيت . كما أن هذه الصحافة تعتمد على مفاهيم ذكورية تقلص دورها كمنتجة وتبرز قوتها بهدف نيل إعجاب الرجل وإثارته . وصورة المرأة النموذج التي تقدم على أنها المرأة المشترية، المستهلكة . ومهم جدا أن تكون جميلة، ربة بيت ممتازة، زوجة وأما نبيهة . ويستدعي كل عنصر من هذه العناصر شراء هذه المادة أو تلك، هذا المنتوج أو ذاك . ووراء الصور والصفحات هناك رجل خفي ينتج، يعمل، ويقسم الأدوار .
 
كل هذه النصوص لها هدف واحد هو تجميل صورة المرأة في عين الرجل، مما يدل على أن الصحافة النسائية التجارية تكرس صورة المرأة الشيء، ألجسد، ألجنس عبر الحكي والصورة والألوان، وعلى أن المرأة تشكل سوقا حقيقية لترويج بضاعة تشييئها .
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/23ba0276-d206-421e-8fd1-5a1c51f90342.jpeg 
الصنف الثاني من هذه "الصحافة النسائية" يتميز بكونه يحمل قضية أساسية يدافع عنها، ومن بين أهدافه تحرير النساء من ربقة القهر والتهميش الذي يعانين منه بإبراز الأدوار الإجتماعية التي يقمن بها، وتتوجه هذه الصحافة إلى عقل المرأة وذكائها، ولا تكتفي بالتنديد بالتهميش الذي تعاني منه خصوصا إقصائها من مواقع القرار، بل تساهم في إبراز الكتابات النسائية في شتى المجالات والتي تعبر على تفتق مواهبهن . 
 
يحمل النوع الثالث والأخير من هذه الصحافة نفس خصائص الصنف الثاني السالف الذكر، إلاّ إنه يستفيد من مداخيل الإشهار، كما أنه يحاول أن يهتم بصورته الإعلامية لدى الجمهور، لذا فهو غالبا ما يكون مستقلا ماديا. وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك من يجعل مجلة كلمة ضمن هذا التصنيف .

وفي كلمتها قالت المناضلة  لطيفة جبابدي،  أن 8 مارس لم تكن مجرد جريدة بل كانت حركة واسعة لأجل تحرير الشرط النسائي  وكانت انتفاضة ضد النظام الأبوي وكانت تجسيدا للوعي النسائي الجديد، ومن العوامل الموضوعية لنشأة هذه التجربة والتي أتت بمبادرة  من مناضلات على واجهات  متعددة من حركة حقوقية، وأحزاب سياسية يسارية واتحادات طلابية ونقابية حاولت الدفع بقضية المرأة، لتحفضات كانت بخصوص قضية المرأة حتى من بعض من يناضل في اليسار، لذا فالقناعة التي حصلت لدينا آنذاك أن لابد أن نمسك بالمبادرة بأنفسنا، وأن نطلق دينامية خاصة بعيدا عن إطارات الحزبية، لذلك بدأت النقاشات والدراسات، مستعينين بالتجارب الدولية وبكل الأدبيات التي تخص الحركة النسائية، وتبلورت فكرة ضرورة العمل النسائي المستقل، وخرجنا بأعداد الجريدة التي طرحت كل القضايا حتى التي كانت في عداد الطابو كمدونة الأحوال الشخصية، والعنف، وغيرها من المواضيع التي طرحناها، ليس فقط على صفحات الجريدة بل امتد ذلك لندوات  يحضرها حشد كبير من المهتمين ومن ثم استطعنا خلق نقاش عام لكل الجوانب التي تخص قضية المرأة .

كما تحدثت الاستاذة الجامعية كنزة القاسمي عن جريدة 8 مارس النسائية اليسارية، كمحطة نضالية مشرقة في تاريخ الحركة النسائية المغربي، تزعمتها ثلةٌ من مناضلات منظمة العمل الديمقراطي الشعبي آنذاك، والمدافعات عن قضايا المجتمع المغربي، ووقفت عند خطها التحريري للجريدة  الذي ينضوي ضمن الاتجاه العلماني الحداثي الذي عمل على تأصيل التنوير والعقلانية بالمجتمع المغربي، وذلك عبر تناوله لقضايا مجتمعية .
 
فتنوعت المواضيع، وتباينت أبعادها من الوطني إلى القومي إلى البعد الانساني، حيث  دأب النضال عبر خط جريدة 8 مارس، ( وواكبته نضالات اتحاد العمل النسائي ) على المطالبة باستمرار بملاءمة القوانين المغربية مع الاتفاقيات والمواثيق، فاستطاع هذا النضال النسائي المساهمة في إنضاج الشروط الثقافية لإجبار الدولة على مواصلة الالتزام بالمصادقة على المواثيق والعهود الدولية لمناهضة التمييز المبني على النوع، وتبني ما سميَ إلى اليوم بمقاربة النوع الاجتماعي لرد الاعتبار للنساء في ظل وضعية عامة سائدة تتميز بالشرعنة الدينية للهيمنة الذكورية .
 //api.maakom.link/uploads/maakom/originals/3c362d64-bf60-4c8a-861b-0125cf2af593.jpeg
ومن ثم يمكن اعتبار الدعوة للمراجعة الشاملة والجذرية لمدونة الأسرة للملاءمة مع روح الدستور والمواثيق الدولية، التي أطلقتها رائدات جريدة 8 مارس، عبر اتحاد العمل النسائي، هي مكسب ثقافي تاريخي، ينبغي التشبث به في ظل الظرفية الحالية .
 
من جهته اشار الكاتب والمحلل السياسي  محمد الحبيب طالب، أن جريدة 8 مارس، مثلت صوتا نسائيا إعلاميا نوعيا، ومغايرا لكل الأصوات الإعلامية المهتمة بشؤون المرأة إلى يومنا هذا . فإذا كانت جميعها لا تخرج عن التنميط المعتاد الجامع بين معيارية "امرأة البيت" ومعيارية "امرأة السوق" في تقليدانية تلفيقية متجددة، تجعل من التحديث مجرد فرقعة من فرقعات الموضة، وتجعل من الثقافة الإستهلاكية حداثة، ومن حياة "النجوم" تعويضا استيهاميا لبؤس النساء الفعلي، فإن جريدة 8 مارس من حيث الشكل والمضمون كانت في كل هذا ضد هذا التنميط المعتاد والجاري به العمل... فكانت ذات قضية تحررية إنسانية جذرية في مواجهة هذا الاستيلاب المزدوج بين "امرأة البيت" و "امرأة السوق" .

   أما الاستاذ الجامعي  محمد معروف الدفالي فاعتبر أن صدور هذه الجريدة منعطفا في تاريخ نضال النساء المغربيات من أجل مختلف الحقوق، ومحطة بارزة في تطور الوعي النسائي بالمغرب، بلوَرتها درجة الوعي التي صاحبت بداية عقد الثمانينيات في أوساط المثقفين المغاربة، عموما، وذوي التوجه اليساري منهم، على الخصوص، كما يحق له أن يرى في ذلك الصدور، نوعا من السير على خطى الحركة النسائية العالمية المشار إليها، وعملا من أجل أقلمة خطوطها العريضة مع واقع بلادنا، وتطويرها في أفق حركة نسائية واعية بحقوقها، مناضلة من أجل تحقيق تلك الحقوق على أرض الواقع، في إطار إدراك باستحالة تقدم أي مجتمع ترزخ فيه المرأة تحت أي شكل من أشكال الدونية والتمييز .

وإذا كانت الشروط والظروف حائلا دون استمرار جريدة " 8 مارس " في الصدور، فلا يمكن، بأي حال من الأحوال، التغاضي عن الدور الذي قامت به، في حياتها القصيرة، من أجل المساهمة في إرساء دعائم حركة نسائية قوية وفاعلة، كما لا يمكن عدم وضع الدور الذي لعبته في تطور الوعي النسائي وفي استقطاب الكثير من النساء، والرجال، للحركة، في إطاره الاعتباري .
 
الأستاذة نزهة العلوي الفاعلة السياسية والمحامية، واحدى مؤسسات المنبر تحدثت بدورها عن الاكراهات التي عاشها جسم الجريدة اذ اشارت الى كون الصدور المنتظم شهريا لجريدة 8 مارس، يخفي الكثير من الصعوبات التي كانت تقاومها هيئة التحرير الوطنية، ومعها اللجان المحلية ولجان الدعم والقراءة .  وكيف كانت أشكال المقاومة التي أظهرتها تلك النخبة من النساء التي سهرت بكل قواها على إخراج الجريدة في مواعيدها المحددة، ( التطوع النضالي، طبيعة أركان الجريدة، العمل الميداني، القرب من جميع فئات النساء... ) .

 فيما ذهبت مداخلة الدكتور عدنان الجزولي الى تفكيك مجموعة من العناصر والأسئلة الأساسية التي يطرحها التأمل في ظاهرة جريدة 8 مارس، ومحاولة إعادة تركيبها للوصول إلى إضاءات تساعد على فهم مختلف أبعاد حضور هذه الجريدة وتأثيراتها المتعددةا. ويمكن حصر بعضها فيما يلياا:
 
كيف استطاعت جريدة ورقية تصدر مرة في الشهر إطلاق دينامية اجتماعية متصاعدة في زمن سياسي صعب ومستبدا؟
كيف تمكنت جريدة من حجم صغير أن ترج عدة دعائم اجتماعية كانت تعتبر نفسها خارج أي نقاش، وأن تستخرج من أحشاء المجتمع أهم القضايا التي كانت تميز الوضع الاضطهادي للنساء المغربيات، وتضعها من ثم على قائمة النضالات ذات الأولوية ؟
كيف تم التقاط الجوانب السوسيواقتصادية للشرط النسائي رفقة الجوانب السياسية والقانونية ومختلف التمظهرات الاجتماعية لأوضاع الحيف التي كانت تخنق وضع المرأة في المجتمع المغربي، وتبرر دونيتها تحت مختلف الذرائع الأيديولوجية ؟
 
 فيما تحدثت الاعلامية التونسية رشيدة النيفر عن انطلاق الصحافة النسوية بصدور نشريات غير منتظمة ولكنها كانت تمثل تحديا كبيرا للإمكانيات المحدودة للمجموعات النسائية التي تشكلت هنا وهناك في أرجاء البلاد المغاربية، وأيضا ترجمت حرص هذه المجموعات على التشبث بالاستقلالية وعدم الرضوخ للوبيات السياسية والمالية التي تقف عادة وراء المؤسسات الاعلامية .
 
وفي هذا الخضم نشأت جريدة8 مارس لتشكل نقلة نوعية ولتكون حافزا لبروز عناوين أخرى ومنها مجلة نساء التونسية وقد لعبت هذه الصحف دورا بارزا في بناء حركة نسوية مغاربية مستقلة، وتعانقت الصحف وتوطدت العلاقات لبلورة فكر نسوي يستطيع أن يشكل رافدا لحركة نسوية مغاربية، وانطلقت سلسلة من اللقاءات المغاربية احتضنها النادي الثقافي الطاهر الحداد، تمحورت حول اشكاليات المرأة والجنس، والمرأة والسلطة، لتفضي إلى طرح طبيعة النسوية التي نريدها . 
 
وقد كان الطرح متقدما على وقته باعتبار أن النسوية العالمية كانت لا تزال مهيمنة وبحكم ثقل وزن الإيديولوجيات التي كانت تعيش أيامها الأخيرة، فعرف المسار انتكاسة، وتقوقعت الحركة على المستوى المغاربي، ولكن هذا لم يمنع من تواصل الحراك بأشكال جديدة، واليوم وجب التوقف عند هذه التجربة الرائدة لفهم أسباب التراجع، واستشراف الآفاق الممكنة لاستعادة الديناميكية النسوية المغاربية .

 واختتم اللقاء بتوصية ضرورة اعادة اصدار الجريدة الكترونيا مع احترام خصوصية المرحلة والمناخ الاعلامي والسياسي والحقوقي الراهن .
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/61b4c68a-d25b-4d73-8810-49836ab36533.jpeg 
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/156026a5-cbf0-4cdf-bba0-8ccc55c61a33.jpeg 
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/a74a8ba1-5139-4b0b-ad6c-052d55a6aaa4.jpeg

فتيحة النوحو

صحفية، شاعرة، وكاتبة، حاصلة على الإجازة في شعبة العلوم السياسية عام 1993

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved