انتهى عرس الكتاب بحرارته 27، وبمواكبة شاملة من الاعلام المكتوب المرئي والسمعي والالكتروني لمختلف فعالياته وبرمجته، ومع ذلك لم تخمد حسرة البعض كون الرباط اختلست المعرض الدولي للكتاب والنشر من الغول الاقتصادي" مدينة الدا رالبيضاء "
ماذا سرق من الكتاب : هل كسرة حبره أم ضمة كتبته ؟
رغم كل ما نثر من سجال لغط وتذمر، لا يمكننا إلّا أن نسطّر أن عاصمة الأنوار استحقت هذا الحدث -وإن عرضياً- كاحتفاء بكونها عاصمة الثقافة الأفريقية والإسلامية لعام 2022، وكان معرض الكتاب من بين العديد من الأنشطة المدرجة في إطارهاته الاحتفالية التي تشهدها عاصمة المملكة المغربية، فتحقق لها ذاك الاستثناء التنظيمي الأنيق، فكان العارض والزائر والمساهم في أريحية تامة، وذلك حسب بوح الكثير ممن أثرنا معهم هذا التهجير المؤقت لتظاهرة ثقافية احتضنتها الدار البيضاء في شهر فبراير من كل عام .
السؤال الذي يستوقفنا : لماذا استكثر البعض على الكتاب "منصة السويسي" بحي اكدال الراقي وهو الذي طالما داست الأرصفة صفحاته بعدما انحبست عن حبره العيون المطالعة ؟
كيف لمساحة مجالية فارغة أن تحدد نخبوية المعروض من شعبيته ؟
هل تحدد الأحذية الواطئة بالنظر لعنفها أو نعومتها طبقية المنتوج ؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها تديننا نحن كأفراد نمارس عملية التسعير لأية سلعة وأن كانت نحن، لذا فبالأحرى أن نسعرها بتشريف، وذلك بالتعامل بإيجابية واحترام مع أي فضاء أولاً، فحيث ما نوجد نحدد ونتموقع بالنظر لسلوكنا .
ربما هناك من يعاني من رهاب الفضاء خاصة اذا لم تكن به تجويفات تواري علاته ؟ أو من يتوجس من تغيير ثقب القفل ؟
الحياة بنفسها كناية عن معرض مفتوح في فضاء مطلق لكتب إنسية تحمل بين دفتي جيناتها متون نفسية متناقضة مستهجنة عجيبة، تفاجئنا كل ثانية بعوارض تُربك نمطية زمكاننا ومع ذلك نتأقلم مع كل عارض أو نجاري أو نواري كل وافد منا يجد ضالته في تركيبات سيكولوجية تثيره وتهمه، ويلج أجنحة نقاش ذهنية تمس انشغالاته، ويجب التعاطي مع معرض الكتاب الذي أقيم بالرباط على "غير العادة " بنفس الإحاطة بعيداً عن أي تشنج .
دور النشر والمؤسسات الخاصة والعامة التي أثثت فضاء السويسي ساهمت كل بحسب جهودها في تقديم خدمات معرفية ثقافية فكرية ترفيهية لكل الفئات العمرية، فالوزير الوصي على القطاع محمد مهدي بنسعيد كان يتفقد أجواء المعرض بشكل دوري، وكنا نصادف حضوره في كل أيام المعرض، الكثير من الأنشطة برزت بشكل ملفت أكثر من مثيلاتها خاصة التي اهتمت بفئة الأطفال القادمة من هامش المغرب والمبادرة تحسب للمجلس الوطني لحقوق الإنسان من خلال نافذة تعابير الحق حيث اكتشفنا مواهب مبدعة في كل التعابير الفنية والأدبية في مجال الشعر والمسرح والموسيقى والرسم .
وعلى سبيل المثال وليس الحصر هناك أروقة قدَّمت كتبا للعرض فقط، كرواق النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي بادرت بعرض كتب لإعلاميين كتاب، ومنهم الراحل الوزيرالأستاذ محمد العربي المساري، فضلاً عن رواق مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية للأمن الوطني، التي قدَّمت مؤلفات لكتاب من سلك الأمن، منها إصدارات أدبية وروائية بأسماء نجهلها تمامًا، في حين لم نكن نقرأ إلّا للمفتش كولومبو الراحل ميلود الحمدوشي، والذي حضرت كتبه في الرواق رغم غيابه، إلى غيرها من الاروقة وقاعات الندوات والموائد المستديرة وليالي الشعرالتي واكبها الزملاء إعلامياً، وكانت مفيدة حتى التي ولَّدت لنا أسئلة أخرى من قصر طرحها .
كذلك رواق المركز الثقافي الإيطالي قدم عرضا شاملًا من كتب ونزال ثنائي عبر ثيمة جسر الحوار بين كتاب مغاربة وايطاليين إلى عرض للأزياء الإيطالية فضلاً عن المطبخ الإيطالي بوصفات تطبيقية يحضرها ويتذوقها الجمهور .
منصة السويسي بالرباط أعادت موازين الحدث الثقافي ليس بالفاعلين البارزين في العلن فقط، لكن أيضًا بجنود الخفاء الذين لا يمكن أن لا نلتفت لهم ولخدماتهم ونحن نشغل فضاء المعرض انطلاقا - من خلية الإعلام والمكلفين والمكلفات بالاستقبال، رجال الامن، الحراس الخاصين، المنظفات والعاملات المكلفات بالمراحيض المؤقتة اللواتي كن في مستوى الحفاظ على طهارة مكان مأمولة في حضرة الكتب .
طبعا هناك الكثير مما يحاط به والذي تكفل به الزملاء في يوميات المعرض لكن رغبتُ أن أسهم بانطباعي المتواضع في حدث ثقافي غمره جو الصيف بحرارة اللقاء والسجال .
تقاطعت الهواجس والكتاب المشجب ؟
