ما من شك أنه حدثت تطورات كبرى في مسيرة فن القصة القصيرة في الوطن العربي، من ناحية تقنياتها وأساليبها الفنية الجمالية والتعبيرية . ومن يقرأ قصص حنا مينا وعبد السلام العجيلي وسعيد حورانية وزكريا تامر وحسيب كيالي ووليد اخلاصي ومحمد زفزاف وأحمد حسين ومحمود شقير ويحيى يخلف ومحمد علي طه ومصطفى مرار ويوسف جمّال وسواهم الكثير، ونقارنها بقصص محمود تيمور وخليل بيدس ومحمود سيف الدين الإيراني، التي كتبت قبل أكثر من نصف قرن، نجد اختلافًا وبونًا شاسعًا من ناحية بنائها القصصي وأسلوبها السردي ولغتها .
فقد انتقلت القصة القصيرة العربية من الشكل الكلاسيكي التقليدي المعروف إلى أشكال مختلفة من ناحية التقنيات الفنية والتجديدية في الشكل، وباتت تعتمد السرد الحديث، واستفادت من المشهدية السينمائية والتقطيع السينمائي، وتحولت اللغة فيها من لغة خبرية إلى لغة إيحائية محملة بلمحات شعرية، وزال الترهل النثري الوصفي فيها . ولجأ الكتاب السرديون إلى استخدام الضمائر المختلفة في السرد واستفادوا من منجزات علم النفس لاستكناه واستبطان النفس الإنسانية عبر التداعي الحر .
وتنوعت الكتابة القصصية الحديثة من واقعية وتعبيرية ورمزية، ووصلت إلى لون جديد من الكتابة الإبداعية تتمثل بالقصة القصيرة جدًا، بما يعرف قصة الومضة، التي تشهد رواجًا في الوطن العربي هذه الأيام . وثمة كتاب قصة جدد على قدر من الإقتدار والموهبة يكتبون نصوصًا بمستوى فني متقدم .
ومن نوافل القول، أن نهضة القصة القصيرة العربية الحديثة هي وريثة للسنوات التي أعقبت هزيمة حزيران العام 1967، ولعل لهذا علاقة بكون القصة القصيرة ومضة مكثفة يمكنها أن تلاحق التغيرات المتسارعة على أرض الساحة العربية، ويظل الإلتصاق بهموم الإنسان العربي المتألم الموجوع المستلب والمسلوب الإرادة الطامح لحياة أجمل وأفضل، دور أساس كمضمون لهذه القصة، بينما تبقى لطموحات الفن القصصي المعبر والمعاصر والمؤثر دور أساس كشكل، من خلال ترابط هذين العنصرين بأصالة وانفتاح يمكن للقصة أن تنهض وتطور أكثر وتصبح ذات نكهة إنسانية متقدمة .