الدكتورة هناء القاضي ليست الوحيدة التي تعمل في مجال الطب وتتعاطى الكتابة الشعرية الإبداعية، فقد سبقها القاص والروائي السوري الدكتور عبد السلام العجيلي، الذي تعتبر كتاباته من ضمن أغنى وأهم الروايات الأدبية في تاريخ الأدب العربي، والشاعر المصري الدكتور ابراهيم ناجي، صاحب " الأطلال " التي تغنيها كوكب الشرق الراحلة أُم كلثوم، الذي قال معبراً عن حيرته وتمزقه بين الطب والأدب بأنه يزاول الطب كأنه فن، وفي فلسطين عرفنا المرحوم الدكتور سليم مخولي ابن كفر ياسيف الذي كان طبيباً، لكنه لم يتخل عن قلمه ولا عن ريشته، وعرف عنه الذكاء والعزم وكذلك الشاعر الفلسطيني جمال سلسع، والطبيب الفحماوي زياد محاميد، وغيرهم الكثير .
وهذا الأمر يذكرني حين كنت طالباً على مقاعد الدراسة الثانوية، حيث سألتني احدى الصديقات الشاعرات : ماذا تريد أن تتعلم بعد ان تنهي دراستك، فقلت لها : أفكر بدراسة موضوع التمريض، فجن جنونها، وتساءلت : كيف للشعر والأدب يتفقان مع الطب وادوات التشريح، فقلت لها بالعكس ما أقرب الطب الى الشعر والأدب، فالإحساس الانساني هو الموجه والبوصلة اليهما ..!!
هناء القاضي شاعرة عراقية متخصصة في فسيولولوجيا الأعصاب، تعيش وتعمل في الاردن، تقرض الشعر الحر، وتكتب النصوص النثرية والخواطر الأدبية، وتنشر كتاباتها في عدد من الصحف والدوريات الثقافية العربية والمواقع الالكترونية .
انها طبيبة تداوي جراح الجسد، وشاعرة تعالج آلام القلب والروح، اقتحمت عالم الشعر، وارخت أشرعة سفينتها، وامسكت الريح من خصرها لتوجه أسطولها الابداعي الى أين تحلم وتشتهي .
وهي شاعرة مدججة بعشق الكلمة التي تتكشف في لحظات التجلي والإتحاد مع الذات، وتستمد قصيدتها من ينابيع شاعريتها الملهمة وفكرها المنفتح .
هناء القاضي شاعرة رقيقة ومرهفة يحمل شعرها مع القيمة الجمالية قيماً انسانية، فإبداعها يمتزج بروحها الإنسانية الدافئة، واننا نستشف في نصوصها نزعتها الإنسانية التي تلون قصيدتها وتظهر كل الوضوح فيها .
يقول الأديب الروائي الفلسطيني غريب عسقلاني : " الشاعرة هناء القاضي امرأة تقف عند حواف قرص الشمس، مع بواكير صبح ندي منذ بكارة الزمن .. طفلة بضفائرها الذهبية وشبراتها الملونة وعينيها الضاحكتين، تجدل من ضفيرة الشمس جديلة، ولا تحترق ! كل ما يصدر عنها وجيب كغكغة أطفال عصافير خارجة للتو من نبع البراءة .
ويضيف : " كلماتها عارية من نبض لهفتها اليه أو عليه .. تعيش صراحة لطالما افتقدها الشعراء بين غامض الكلم وإبهام الصور وزخرفة مشاعر تبدو على غير ما هي عليه .. أما هي فتحمل فيضها لرجل يلوح في ضباب اللحظة، يسربله الإلتباس، ساكن فيها بين وهج الروح وثنايا الذاكرة .. يقف على بعد نبضة من قلبها " .
صدر لهناء القاضي ٣ دواوين شعرية ورقية هي : " سيدي البعيد، كم ساذج أنت، أيلول وضوء القمر "، وصدر لها ايضاً نصوص مشتركة مع الروائي الفلسطيني الغزي غريب عسقلاني، وهي : " رسائل من الغربة، الأميرة والنورس، وسبع حالات للوردة " . وهذه النصوص المشتركة تنزف وجعاً إنسانياً مجدولاً في ضفيرة خيوطها الشعر والتداعيات، ومفتوحة على فضاءات متعددة، تنفلت من قصيدة النثر وتتجاوز قيود السرد الى عالم الشعر والرجوعيات التأملية .
هناء القاضي تكتب قصائدها بعفوية وصدق وشفافية يفتقدها الكثير من شعراء اليوم ، تكتب كل ما تحس وتشعر به في أعماقها ولا تتخفى وراء الصور، وهذه القصائد مشحونة بالبوح، وما يميزها صدقية المشاعر وانسيابها كالماء العذب الصافي في التأثير والوصول إلى عمق القلوب .. تقول هناء في قصيدتها " أنت والريح " التي تسيل عذوبة ورقة وأحاسيس أنثوية مرهفة ومتأججة :
يطرق وحشتي
وجهك الحلم .. القادم مع الريح
تثمل حجرتي يضوع عطرك
فتشرق الأقمار
وتضيء القناديل في عتمة الروح
يا ربيع العمر يا بهجة الواني
من منا ضيع الثاني
الريح لهاث الليل الوحيد
ووجهك
يخلق قريباً مني وبعيدا
قل
إننا لسنا هذيانات السراب
لسنا قرابين المنفى
في محراب الغياب
قل
اننا ما زلنا في الوجد حكاية
مخادعة هذه الريح
تأخذك
قبل أن أسمع الجواب
د. هناء القاضي تفرد أجنحة الشعر بلمسة اشتهاء واشتياق وحنين للوطن العراقي، لنخيل بغداد والبصرة، ولدجلة والفرات، وتحمل أغاني الحب على كمان الرعشة الى سدرة المنتهى، وتصلي بدفء الكلمات للحياة والإنسان والوطن والطبيعة والمحبة والجمال، إنها عصفورة عراقية تحط على فنن شجرة الشعر في عمان بثقة الواثق، من جناحيها ترسم روح الجمال والحسن والإحساس بموسيقى لافتة وشاعرية حقة مميزة صادقة، وبلغة رومانسية حالمة تحلق في سماوات الخيال وعالم الابداع . فللصديقة د. هناء القاضي المحبة والتقدير والإعجاب بحروفها التي تنقشها على صفحات القلوب المعذبة، ولها مني تحية فلسطينية حميمية .