قرأت لأدباء وشعراء وفلاسفة ومفكرين وعلماء من شتى أنواع البلدان، وأكثر ما ألهمني الكتابة الإنسانية البيانية الواضحة دون تعقيد ودون اللجوء إلى قواميس فالسهل البسيط الممتنع يعرف طريقه للقلب والروح والإحساس مهما كانت وتباينت الضمائر الناقدة التي تبحث عن الشوائب في ظلها فهناك فرق كبير بين ناقد وحاقد في زمن الفوضى والفساد والجهل الذي يعم المكان والزمان .
عصمت شاهين دوسكى كلماتك قصائدك ليس " البيان الشيوعى " لكارل ماركس بل انه بيان لأصحاب الضمائر الحية، ولكن أصحاب الضمائر الحية يعانون الآلام والأوجاع والجراح ويشاركون بعضهم بعضاً بقرص الرغيف اليابس ...هؤلاء اللذين نصبوا قسراً على إدارة أمور ومعاش الناس فاسدين لقد قالها السيد المسيح عليه السلام .. ماذا لو فسد الملح ...... وإذا فسد الملح فسد كل شيء نعم.....ولكن هناك أصحاب الضمائر الحية ولكنهم يحتاجون إلى بيانكم الفكري الإنساني كما يحتاجون إلى رغيف الخبز والماء وتسحروا ... وهناك شيء واحد يذكرنا بعضنا ببعض هو الموت والمرض، أما الوعي أهم من الخبز وإيقاظ الوعي هي مهمة الكتاب وهم برلمانات شعوبهم للاعتراض على الفاسدين وسارقي المال العام والنفط وخالقي دواعش الدمار والخراب لكل شيء جميل عاشت الأنامل وعاشت أنفاسك الحية، وعاشت البيانات الإنسانية من إنسان خرج من معطف الجراح والخراب والدمار ليكتب قصيدة تسحروا ويفجر بيان الصيام .
من قصيدة .. تسحروا
( تسحروا
هذا بيان سهل مني
أبصر الدجى عني
من لم يهتم بشأن أمتي
قالها : ليس مني
**************
تسحروا
مرت قوافل الأمم ، تشردوا
ماتت ضمائر الخلق وغدوا
من خراب لخراب تجردوا
خلت الديار ، أين قصدوا ..؟! )
عصمت دوسكي لديه ملكة ما يثير خلالها اهتمامات تصب في صالح الإنسان المقهور الذي جار عليه الزمن البائس والذي يقتل ويحرق ويغيب ويسجن ويقتل غدراً . أرقى مخلوقات الله هو الإنسان، كل ذلك لأجل حفنات من دراهم أو كرسي زائل أو مال حرام ناسين الحياة تسع الجميع بالمحبة والتعاون وتقسيم رغيف الخبز مع الجار والصديق وبناء جنة أرضية بدلا من جنة خيالية موعودة لم يره احد وصدق القائل " متر من الأرض تسع عشرات المحبين والكرة الأرضية بأسرها لا تسع متباغضين " والقول الآخر المضاد " لا تنم بجوار جائع فيأكلك " والمثل الأخير عربي قديم، فلا المال يدوم ولا الكرسي يدوم . قد تكون الحياة فوضى خيالاً عند الدوسكي لكن يشير من خلال الخيال إلى الفوضى الحقيقية الواقعية لكن الفوضى إن دامت دمرت .
من قصيدة فوضى
(تخيًل نحمل أكفاننا
بين اليقظة والوسن!!
نسير في الطرقات بلا كفن !!
لكن الكفن ..
يعشق فينا الكفن !!
************
تخيًل الحب بين أسوار وقيود !!
كيف يرتقي الحب ..
يطلق إعصار الحب
والقلب دامي
والإحساس مضطرب
بين سجان وجلاد وحلم مفقود .. ؟!!
***********
تخيًل الضمير ميت ..
نبحث عنه نجده وحده بين القبور !!
ينتظر قيام الساعة ..
ليكون شاهداً على الناظر والمنظور !! )
قلم نابض بالحياة، الأمل من خلال الألم بالنور من خلال الظلمة معرفة وغوصاً في أعماق النفس البشرية للبحث عن الخلاص المأساوي والاجتماعي والثقافي ويصطاد اللآلئ الفكرية التي لا تأتي بسهولة بل بخبرة غوص للأعماق عميقة الأثر، والكشف البياني تدرجاً إبداعياً تصاعدياً للصعود بها للسطوح الأنيقة النظيفة والمفروشة بالإحساس، ليقدمها للقراء بعفوية وصدق وسهولة وهو دأب الشاعر الذي لا يتلاعب بالمشاعر والأذواق، عصمت الدوسكي تتجلى حساسيته في هذا الشأن إحساس مفرط كأغلب المبدعين فى مجال الكتابة والمسؤولية أمام الذات والضمير النقي أولا… يمضي في مجرى نهر صاخب من الآهات والأنات والمناداة والمناجاة في هذا العصر الذي أصبح الفساد والجهل يحرق جمال البيانات الفكرية والحسية والفيضانات المضادة التي تجرف وتدمر البيوت وتمحو آثار حضارة الإنسانية .
من قصيدة حضارة القشور
( ما بال حضارتك روتين قاتل
وهزيمة من فعل وفاعل
حياة مملة كدائرة تدور ؟
لماذا تقتلون الأنبياء
والشرفاء والعلماء
هل فيكم قلم مكسور ؟
آه يا حضارة القشور
نسيت البشر وبنيت القصور
ألا تخشين من إعصار قادم
من محتل وراء محتل ظالم ؟
من بوق يعلن يوم النشور
متى من غفوتك تستيقظين
متى من جهلك تدركين
إن الفساد لا يبقى في الزبور
انهضي تحركي صاخبة
كموج يقتلع الصخور
فما الأمل إلا أن تكوني
حضارة كبرى ترتقي
بالإنسان نحو دار معمور )
قالها الشاعر مظفرالنواب قبل خمسين عام.. لم يخجلوا ولم يتعظوا إلّا حين الفرار بجلودهم ووقعوا بين الحفر والقبور وهنا العار، نعم قل لهم ودلهم أين الفرار من حضارة القشور… كيف يملهم الحراس والأسوار والصحاب حينما تملأ الأرض بالأشرار وتلتهب تحت قدميهم النيران …الحياة مشوار ومحطاتهم بلا قرار يميلون هنا ويقعون في الحفر هناك … ويقال هنا مقبرة دفن فيها من مسحوا عن وجدانهم الحياء وكتموا صوت الضمير وأصبحوا نعلاً وشتيمة على طول الدهر … كفى فساداً وسرقة ودعارة وخراب .. اخدموا شعبكم، الشعب الذي ذاق المر من وجودكم ومنهم الحر والأبي وابن الأصل، يموت ولا يركع لمن بيدهم الحلوى والمال تعود للأحرار… مثلما الفقر ليس عاراً ولا ذلة، كذلك الحضارة تبقى بالإنسان قدوة وحرة .
عصمت شاهين دوسكي وحق فرعون.. والقيصر العار.. وخوفوا مصر الذي بنى من جماجم العمال الأهرامات… وعمال بابل الذين بنوا طرق وشوارع بأمر حضرة الأمير.. صدقتم في بيان الحضارة وصدقتم في بيان قشور الحضارة ..