أبو عليوي/قصة قصيرة

2022-02-05

بيت طين

عُرف حسين بلقب أبو عليوي، ذلك الشاب ذو الخمسة عشر عاماً، الذي يسكن في أطراف المدينة المتواضعة ذات البيوت التي صُفت بطريقةٍ عشوائية، بيت العائلة  فقير مبني من الطين والصفيح، يتكون من غرفتين صغيرة دقت بطانيات عسكرية على الأبواب، وفرشت بطانيات على الأرض هي الأخرى، الغرف تفتقر للأثاث، وقد استخدمت في زواياها صناديق الخضار كطاولة رتبت عليها فرش النوم، والأغطية التي وضع عليها شرشف مزخرف، أما الجدران فقد دقت عليها مسامير لتعليق ما تيسر من الملابس، وهنالك مجموعة الملابس اليومية، وفي ركن الغرفة مجموعة أخرى من الملابس المعلقة المخصصة للمناسبات، وقد غلفت بكيس بلاستيكي كبير ليحميها من الغبار، بجانبها قرآن وضع في كيس من القماش الأخضر، وعلق هو الآخر جوار آية الكرسي المطبوعة على ورق سميك، والمثبتة بأربعة مسامير دون إطار يحميها . 

يوجد جوار تلك الغرفتين ما يشبه حماماً صغيراً، مع حصيرة صغيرة، يوجد داخلها زوج من الماعز، وكلب صغير للحراسة، أما سور البيت فهو عبارة عن أعمدة منحنية، رصفت عليها بقايا خردة السيارات، وأبواب، وكراسي، وأسلاك شائكة من مخلفات العسكر .

عائلته صغيرة جداً تتكون من الأب، والأم، وأخت تكبره بسنتين، رغم أن العوائل الفقيرة عادة تكون منتجة للأولاد، تحت شعار: (اليجي يجيب رزقه وياه) .

ولكن ما حدث بعد أن ولد أبو عليوي أن الأم أصيبت بتكيس في المبايض، مما منعها من الحمل، ولم تجد علاجاً لحالتها....

 يمتلك الوالد دكاناً صغيراً في السوق القريب لبيع الخضروات، يخرج إليه منذ الصباح الباكر، ويصطحب معه أبا عليوي، حاملين معهما العصي سلاحاً منقذاً من هجمات الكلاب السائبة التي  تجتمع من كل صوب، ومكان بهذه المنطقة البائسة .

  منذ سن الخامسة وأبو عليوي يعاني من مرض الصرع، وبسبب ذلك عاش طفولة قاسية وموجعة، لم يستطيع مواصلة دراسته بسبب المرض، وتنمر الأولاد عليه دون رحمة، هذا ما جعله يتجه للعمل في السوق، ليساعد أبويه بترتيب المكان، ورش الخضار بالماء لتبقى طازجة، وكذلك يقوم  بمساعدة كبيري السن بحمل أكياس التسوق، حيث يوصلهم إلى مساكنهم القريبة في نفس الحي الطيني، ويحصل على مكافأة صغيرة، تتمثل بقطعة نقود صغيرة، أو قطعة حلوى، وأحياناً يسعفه الحظ بقطعة خبز تمسح  بالدهن الحر مع قليل من السكر، وهو ما يعتبر طعاماً ملكياً عند الفقراء .

يحدث أن يقع أبو عليوي في السوق صريع نوبة من تلك النوبات، فيجتمع عليه المارة يمسكون به، بعضهم يرش على وجهه الماء، وآخرون يمسحون على جبينه حتى تنتهي نوبته  اللعينة .

ذات يوم طلبت منه امرأة أن يرافقها لحمل الأغراض إلى مكان سكنها على أطراف العشوائيات، مشى الاثنان سالكين الطريق الوعر المغطى بالحجر، والعاقول، ومستنقعات مائية صغيرة ذات رائحة كريهة، تجمعت عليها أسراب من البعوض الذي اتخذ هذه المستنقعات قاعدة انطلاق لهجمات ليلية على ساكني تلك الأحياء الفقيرة الذين لا يملكون أي أسلحة لمقاومة هذا الغازي الليلي، غير أقمشة مشبكة رقيقة جداً يتخذونها درعاً يتقون به هذه اللسعات الشرسة .

أوصل أبو عليوي المرأة إلى منزلها، فمنحته مبلغاً كان أكبر مما اعتاد على الحصول عليه خلال سنوات عمله، مما جعله سعيداً جداً . 

  تمتم في نفسه : يا إلهي، كم أنا سعيد هذا اليوم، حصلت على الكثير وقرر أن يشتري شيئاً لأخته التي تهتم بأعمال البيت لتشاركه الفرحة .

في طريق العودة شاهد شاحنة كبيرة يروم سائقها الانطلاق باتجاه السوق على الطريق الإسفلتي القديم، وقرر أبو عليوي أن يتعلق خلف السيارة ليخفف عن نفسه عناء المشي محاولاً أن يتجنب ما أمكنه رؤية السائق له، فوجد لنفسه مكاناً في الخلف، وتمسك به وثبت رجله على ضوء السيارة الخلفي البارز، حتى انطلقت السيارة على الطريق الإسفلتي المحفر، وفجأة شعر بدوار، وألم في رأسه، وعلم أن نوبة الصرع قادمة لا محالة، فصرخ بأعلى صوته بالسائق :

 توقف توقف.. أرجوك .

 لكنه سقط قبل أن يصل صوته أذني السائق، وضرب رأسه بقوة على الاسفلت الذي لم يرحمه.... 

 

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved