أحمد المديني تجربة نصف قرن من الإبداع القصصي والروائي(2)

2021-12-01

 

الاستاذ: احمد المديني.

كلمة الأستاذ المحتفى به أحمد المديني

أيها السادة والسيدات يجب أن أشكركم جميعا على حضوركم واستجابتكم لدعوتنا، واحب أن أشكر اصدقائي وزملائي السادة الاساتذة على هذا الكرم الذي غمروني به  وهذا الاحتفاء، اعرف أنهم اغدقوا علي بما في وسعهم من عواطف ومن علاقات طويلة من عمر طويل جمعني بهم وبغيرهم من الأصدقاء الموجودين هنا معنا، أنا ممتن لهم ولا استطيع أن أجازيهم على هاته التعبيرات وعلى هاته التقديرات ، وعلى هاته القراءات العميقة في جزء من تجربتي، ممتن لهم وهو في الحقيقة قرؤا جزءا من تاريخنا الأدبي المغربي ، واشكر المكتبة الوطنية بطبعة الحال على ضيافتها لنا ، وفتحت لنا المجال وهذا الاحتفاء بعد شهور طويلة من الدرك ومن النكد الذي عشناه بسبب هاته الجائحة، سيحتاج الى عمر آخر كي يجيب عن  مختلف التساؤلات ، لكن هذا العمر لا يملكه ، ويملك بعض الملاحظات أو قراءة إذا كانت ممكنة لما يسميه او يختصره بأنه مسار طويل ، فإذا سمحتم لي بعشر دقائق ليقرأ عليكم ما أسميه: الحلم وقوفا، وهذا العنوان ليس لأحمد المديني ، إنه لدي تفيريت الروائية الفرنسية ريفي دوبو...سيواصل الحلم وقوفا بكلمة الحقيقة والخيال...

لم أبدأ كتابة لي أبدا بكلام غيري، لكن إذا يغني عني ويتمثل قولي وأفضل مما قد يطوله قلمي، فإنه يسوقه هنا مترجماً حرفا، لا للاستشهاد، بل يتبناه صوتا ومعنى ربما معه بعض الذين يستمعون الآن، وبعد الاستماع ربما سيوافقونني، فإن كثيرا مما نظنه من بنات أفكارنا وطرائد خيالنا سبقنا إليه رواد وفاتحوا آفاق، وبقليل من شحذ الذاكرة وفضيلة الاعتراف سنجده أدق وأبلغ، خاصة ،وقد وعينا بأن الأهم هو بلوغ المرام وشرف الرسالة، تقول الروائية الفرنسية Lydie Salvayre ،سيدي: الخطاب موجهٌ إلى ميخيل دي ثربانتيس سافيدرا، أقولها لك خاصة، فلا مزاج لي للضحك، والطرق التي تعامل بها دون كيخوطي لا تلائمني. تدّعي أن مخه مليء بالترهات التي قرأها في الكتب ويظنها حقيقية تقوده إلى أفعال حمقاء. فهل من الحمق اعتبار أن الأدب ليس كلاما لا نفع فيه، طقم مدفأة، حلية نافلة، بل هو عبارة حية، مشتعلة، وتجربة حميمية تقلب الحياة،هل التمرد على المفاسد التي نحن شهود عليها معيب، وأن نتصدى لها بالوسائل المتاحة، ولو بدفع الثمن، أومشين الوقوف سندا للمحرومين كافة؟ أم تفضل أن تصبح اللامبالاة والاستسلام والتخلي شاغلنا، ونكتفي برؤية بؤس الآخرين ما دام لا ينظر إلينا أحد أم أسوأ من هذا، لعلك تفضل عالما حيث لا نعتقد بشيء، ولا نكرس أنفسنا لأي قضية، ونتبادل التهاني عندئذ بمقت، ربما تفضل عالما لا يبقى فيه حافز للفوران، اللهم أمام أسهم ترتفع في البورصة، عالم حيث الحماس والحيوية والرغبة الحارقة المتوحشة لا تنبثق إلا إزاء مشروع حصد مزيد من المكاسب المادية، واعذرني سيدي إذ أتوجه إليك بكلمات عصري، فكتابك :القصد، رواية :دون كيخوطي دي لامانتشا، يعيدني بغضب إلى حاضرنا كدت أنسى أن أربعة قرون تفصلنا عنه (Rêver debout)

هذا مقطع من الرسالة الأولى من بين خمسة عشر رسالة تمثل متن رواية الروائية الفرنسية ذات الأصول الإسبانية توجهها لجدها الروائي الأول ثربانتيس، جاعلةً موضوعها نقض الصور والفكرة الوصمة العالقة بشخصية دون كيخوطي التي ذاعت قصتها في الآفاق بهيئة الشجاعة الخرقاء وتعريضه للهزىء جرّاء مغامراته الحمقاء يبغي منها إزهاق الباطل وإنصاف المحرومين بعد أن لعبت برأسه حكايات مغامرات روايات الفروسية الشائعة في زمنه، وأراد (ثربانتيس) من خلال حكايته الخاصة السخرية بها، ومن ثقافة وسلطة مرحلة بأكملها، جميع القراء علقت بأذهانهم صورة (الهيدالغو) بعد أن طارت بلبه وخياله روايات الفروسية وإذا به ينتفض ذات صباح على وضعه العائلي والاجتماعي الرخي فيتخلى عن وقاره ودعته ويرتدي لباس الفرسان ويمتشق سيفه ويتخذ الرفيق التابع( سانشو) ويمضي في البراري ليطارد أعداء متخيلين، لا عجب جسدهم هوسه المسكون بالحكايات في شكل طواحين الهواء فهب ينازلها عموما، هي الصورة المبتذلة المتداولة عن هذه الشخصية التراجي كوميدية ومفتاح فن الرواية الحديث انطلاقا من هندستها التخييلية ظهر جنس أدبي حديث وتطور شكلا ومضمونا، الواقع منبعه ومحتده، دائما، ومداه وأفقه تأويله وتحويله في صيغ متخيلة إما تك النقص أو تبحث عن يقيم للنفس البشرية عبر مسارات حياة مادية ما تنفك تتطور ومجتمعات وإنسان يتغير.

الطريف في كتاب( سلفير)، الذي ليس رواية بالمعنى التقليدي، أي بقصة وحبكة وأحداث وشخصيات الخ أنها في رسائلها المفترضة طبعا وهي أشبه بنوع من حلم اليقظة،الحلم وقوفا، تتصدى للدفاع عن الشخصية (الكيخوطية) ترد عنها ما تعتبره غائلة طالتها من المؤلف بتهم الحمق ،والتهور ،والمخاطرة الخرقاء، وبذلك تنقُض الأطروحة، أو التصور الشائع عند المتلقين عبر العصور، بصرف النظر عن ستراتاجيم ثربانتيس الأصلي، لأن كل كتابة تخييلية تنبني على قاعدة القلب والتحويل، وحتى المسخرة ومن يريد الحقيقة عليه أن يبتعد عن الرواية، وعن الأدب عموما، لا لأنه ضدها بل لأنه يعليها فوق الابتذال وسطحية التناول، ما تفعله الروائية الفرنسية خلافاً لكاتبات وكتاب جيلها، ومن بعدهم ممن احترفوا الحميمية وتورم الأنا ،بمحكيات الذوات والغرف محكمة الإغلاق ونفض اليد من أي التزام أو هَمٍّ جمعي، أنها بدفاعها عن دون كيخوطي الفارس الأخرق تدافع عن شجاعة غائبة وإقدام مفتقد حتى ولو بجريرة تهم الجنون والظهور، كما أمعن ثربنتس في التصوير والتشهير ببطله أضحوكة، وبذا تدافع عن قيم انهارت في العالم الحاضر وتسعى إلى إعلائها عبر استعارة روائية، هكذا الاستعارة ليست حِلية كما عند البلاغيين بل مصنوعة وهي صورة لصورة أخرى لمضمون

إن أهم ما تقوم به هذه الكاتبة التي نراها تبجل الأدب، وتسعى إليه هو إعادة الاعتبار للخيال، أخرق أو كيفما كان، فقد أطلق له ثربانتيس العنان من قلب السخرية به، أي خيال روايات الفروسية لعصره القرن السادس عشر، ومن هذه المفارقة يعطي لبطله الحق في الوجود، وبعد أربعة قرون تلوذ به الفائزة بجدارة بجائزة الغونكور سنة 2014 عن روايتها( لا تبكي) تتخذه قدوة وذريعة وقناعا كي تجهر أمام الناس وفي وجه العالم الفظ بحقائق أليمة وقاسية، كتابة بصيغة مرافعة بليغة عن متهم مغبون ـ  دون كيخوطي ـ تهمته أنه اندفع هائجا ينافح عن المظلومين ويتعرض لسطوة الحكم والكنيسة والإقطاع مستعبدة المحرومين، هو المسكون، روائيا، أي خياليا ،بأجواء ونقع الفروسية الروائية المرَضية، ومن تَماهى الخيالُ عنده بالواقع لا فرق قط، فاصطدم به بحدة ورغم هذا جرؤ على الفعل، بذا اقترنت عنده، كما يحب الفيلسوف دولوز أن يقول،الفكرة مع العمل. وبالمقابل، جاءت الكتابة صك اتهام ضد نقائض المرافعة، إنهم أعداء العدل والمساواة وخصوم الخيال، وماذا يكون غير الشجاعة سبيلا للحرية، وهل من كتاب، تقول تسأل سلفير أنبِس أستنكر معها فوق شفتيها، بلا شجاعة ؟!
نحن، أو منا اليوم، أيضا، دون كيخوطيون. ليكن، إنا نحارب طواحين الهواء ليكن، وقد جنن خيال الفروسية رؤوسنا ولن يخمد، لأن لنا في الجنون ألوانا، ومن وجد في نهج البطل السرفانتيسي هذيانا، فهو يبقى أهون بكثير من رعونة الأتباع وجشع أغنياء المطامير وخنوع العبيد. كذلك، ومرة أخرى، أستعير لسان سلفيير، لا تساهل مع كتاب الضحالة والسهولة الملفقين، متسوّلي منح الدولة وبركة (الشيوخ) اؤلئك، مُحبِّري سير مزورة ، نبّاشي قمامة، نجوم تلفزيون بالمقايضة والاستجداء. حرفتهم رخيص الكلام وإما التعيّش على فضائح تقدم لهم جائزة كي تفوح نتانة من ألسنة وأقلام للبيع. لذلك، أنا الكيخوطي الجديد أضم صوتي إليها ولا أرى من خلاص إلا في الأدب، إنه ليس القصيدة وحدها، هو ما يقرن العقيدة بالفعل، ويسمو بالمثل، ويهز الجامد ولا يساوم أبدا بالحرية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتشتمل مؤلفاته الكتب التالية:

ـ العنف في الدماغ (1971). وـ سفر الإنشاء والتدمير (1976). وـ زمن بين الولادة والحلم (1977). وـ فن القصة القصيرة بالمغرب: في النشأة والتطور والاتجاهات (1980). وـ وردة للوقت المغربي (1982). وـ برد المسافات (1982). وـ في الأدب المغربي المعاصر (1983).وـ الطريق إلى المنافي  (1985). وـ أسئلة الإبداع في الأدب العربي المعاصر (1985). وـ الجنازة (1987). وـ المظاهرة (1989). وـ احتمالات البلد الأزرق (1990). وـ حكاية وهم (1992)، وـ مدينة براقش (1998). وـ العجب العجاب (1999). وـ تحت شمس النص (2002).وـ أيام برازيلية وأخرى من يباب (2009). وـ النحلة العاملة - أو صناعة الكاتب العربي (2011)، وـ طعم الكرز (2012). وـ المخدوعون (2012). وـ تحولات النوع في الرواية العربية بين مغرب ومشرق (2013). وـ نصيبي من باريس (2014). وـ ممر الصفصاف (2014). وـ الرحلة المغربية إلى بلاد الأرجنتين وتشيلي البهية (2014). وـ نصيبي من الشرق: مصر في القلب (2015). وـ طرز الغرزة (2016). وـ خرائط تمشي في رأسي جراب المسافر (2016). وـ تصريح بالابتهاج (2017). وـ ظل الغريبـ (2017). وـ في بلاد نون (2018). وـ فتن كاتب عربي في باريس (2019). وـ مغربي في فلسطين: أشواق الرحلة المغربية (2020). وـ رجال الدار البيضاء - مرس السلطان (2021). في حين صدرت له الأعمال الكاملة عن وزارة الثقافة بالمغرب سنة 2015.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي الجوائز فقد حصد مولاي احمد  المديني العدد من الجوائز، ومن بينها جائزة المغرب للكتاب في صنف النقد والدراسات الأدبية في 2003، وكذلك في صنف السرديات في 2009. في حين اختيرت روايته (نصيبي من باريس) ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب في 2014، وروايته (ممر الصفصاف) ض

 

 

من القائمة القصيرة لجائزة (بوكر) في 2015، إضافة على فوزه بـ (جائزة محمد زفزاف للرواية العربية) في 2018، وهي الجائزة التي تسلمها (مؤسسة منتدى أصيلة) بالمغرب، وفوزه بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في 2020، والتي يمنحها (المركز العربي للأدب الجغرافي - ارتياد الآفاق)، وذلك عن كتابه (مغربي في فلسطين رحلة الأشواق المغربية.).

محمد طمطم

كاتب من المغرب/ الرباط

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved