أهمية الخيال في التفاعل الإجتماعي

2021-01-15

1

تحليل عناصر التفاعل الإجتماعي لا يعني تمزيق الروابط الإنسانية بين المُكوِّنات الإجتماعية، وإنَّما يعني وضع الطبيعة الرمزية للفرد والمجتمع تحت مجهر الشعور الإنساني، لأن الفرد يتحرَّك في المجتمع انطلاقًا مِن شُعوره الداخلي الذي يُحتِّم عليه الإنخراط في حركة التاريخ الجماعي، وأن يكون جُزءًا مِن الكُل، ولَبِنَةً في صَرْح المجتمع الحَي، الذي يُدرِك أبعادَ ذاته، ويُدرِك حُدودَ مجاله الحيوي . وحياةُ المجتمع لا تتكرَّس كواقع محسوس وحقيقة شرعية إلّا إذا أدركَ المجتمعُ كِيانَه والكِيانات المُحيطة به . وهذا الإدراك يُمثِّل الخُطوة الأُولَى لتفسير مُكوِّنات الذات، وعلاقتها بالآخَر، سواءٌ كان الآخَر داخليًّا أَم خارجيًّا . والعاجزُ عن إدراك ذاته، لن يستطيع تفسيرها، ومَن لَم يَمتلك الوعي بالذات والآخَر، لن يستطيع تكوين روابط بينهما قائمة على الإحترام المتبادل، وهذا يعني وُجود احتمالية كبيرة للصِّدام بينهما .

2

شرعيةُ التفاعل الإجتماعي مُستمدة مِن مبدأ التجانس في العلاقة المصيرية بين معرفة الطبيعة الرمزية وفلسفة السُّلطة الإجتماعية . والتجانسُ يعني وضع الخصائص الرمزية فرديًّا وجماعيًّا في القوالب الإجتماعية المُناسبة، وهذه القوالب بمثابة الحدود بين الدُّوَل . وكما أن الحدود السياسية تُوضِّح الأراضي الجُغرافية التي تُمارس فيها الدَّولة سِيادتها، كذلك القوالب الإجتماعية تُوضِّح المساحات الإنسانية التي يُمارس فيها المجتمعُ سِيادته . وينبغي التفريق في الفكر الإجتماعي بين السُّلطة والسِّيادة، فالسُّلطةُ وسيلة عملية تختص بتنفيذ الأفكار على أرض الواقع، وليس لها علاقة بالأفكار الذهنية والإرادة الداخلية، أمَّا السِّيادة فهي منظومة وجودية شاملة للإرادة والتنفيذ معًا . أي إنَّ السِّيادة هي العَقْل، والسُّلطة هي العَضَلات .

3

لا يُمكن فهم السُّلطة الإجتماعية إلّا بفهم ذراعها التنفيذي، التي تتغلغل في تفاصيل المجتمع الإنساني، لأنَّ السُّلطة فكرة ذهنية مُجرَّدة، لكن التطبيقات العملية المحسوسة هي التي تَكشف هوية السُّلطة وماهيتها . والعلاقة بين السُّلطة وتطبيقاتها تُشبه العلاقةَ بين الغاية وآلياتها، فالغايةُ لا تَكشف طبيعة الآليات، لكن الآليات تَكشف طبيعة الغاية، وذلك لأنَّ الغاية خيال حالم، أمَّا الآليات فهي الوسائل العملية لتحويل الخيال إلى حقيقة، والحُلم إلى واقع .

4

عِندما يَغرق المجتمعُ الإنساني في ضجيج الشعارات، يُصبح عاريًا مِن المعنى المعرفي، ومُفتقِرًا إلى الخيال الإجتماعي، الذي يقوم على نقدِ الأحداث السياسية، ومُساءلةِ النظريات الفكرية التي تتحكَّم بالسلوك الفردي والجماعي، وطرحِ تصوُّرات جديدة وبدائل إبداعية . وغيابُ الخيال يعني بالضرورة غياب الحُلم، وإذا خَسِرَ الفردُ حُلْمَه، خَسِرَ إنسانيته وشرعية وجوده ومشروعية حياته، وفَقَدَ القُدرةَ على تغيير مُجتمعه نحو الأفضل، مِمَّا يَجعل الفرد والمجتمع يَصِلان إلى طريق مسدود بلا حُلم ولا واقع، وينشأ النزاع بينهما، ويتعمَّق الصراع على الوهم . لذلك، ينبغي إرشاد الفرد إلى أهمية الخيال، واختراع الأحلام، وضرورة تطبيقها عمليًّا وتنفيذها واقعيًّا . وهذه هي الضمانة الأكيدة لفتح آفاق المستقبل أمام الفرد، وتعزيز ثقته بنَفْسه ومُجتمعه، وحمايته مِن اليأس والفشل .

إبراهيم أبو عواد

كاتب من الأردن

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved