شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، رغم ممارسات الإحتلال القمعية، حراكًا ونشاطًا أدبيًا ثقافيًا نهضويًا مباركًا، تمثل في صدور الصحف اليومية السياسية والمجلات الأدبية والثقافية وإقامة الندوات الأدبية والفعاليات الفنية والعروض الغنائية الملتزمة ومعارض الرسم والفن التشكيلي، فضلًا عن مهرجانات الأدب في القدس، وإنشاء دور النشر الوطنية التي عملت على نشر الكتاب الوطني وتنظيم معارض الكتب وغير ذلك .
ومن واكب الفعل الثقافي الفلسطيني عبر مراحله المختلفة يجد أن المشهد الإبداعي الفلسطيني هو مشهد متطور يزاوج بين الهم الوطني والهم الإجتماعي، ولكن هناك تباين وفجوة كبيرة بين تجارب الجيل الأدبي الفلسطيني الأول الذي ظهر بعد الإحتلال، وأسس التجربة الأدبية في السبعينيات، وبين الجيل الأدبي الجديد الذي يفتقر للتجربة ويحتاج لمزيد من الصقل وتطوير وملكته وأدواته وتجربته .
ومن نافلة القول أن الإبداعات الأدبية بمختلف الوانها وأنواعها تختلف قبل أوسلو عن التجارب الإبداعية بعده . وفي هذه المرحلة المتعثرة فإن الثقافة الفلسطينية مهملة ولا ينتبه إلى أهميتها وضرورتها أحد، والإبداع لا يجد من يدعمه بشكل جدي، وما نراه من جهود إبداعية فردية هي ثمرة جهود شخصية بحتة، في ظل غياب المؤسسات الثقافية الداعمة، واحتجاب المجلات الأدبية والثقافية والفكرية الشهرية . فالأراضي الفلسطينية تخلو من أي مطبوعة أدبية في الوقت الراهن، ولا يصدر فيها سوى 3 صحف وهي " القدس " و " الأيام " و " الحياة الجديدة "، ولم يتبق من آثار الماضي سوى ندوة " اليوم السابع " المقدسية التي نثمن جهودها المباركة في خدمة النهضة الأدبية والثقافية الفلسطينية .
وعلى ضوء الواقع الراهن البائس فليس ثمة ما يبعث على الفرح والتفاؤل والأمل في هذه المرحلة الخطيرة الدقيقة، في ظل الَإنقسام السياسي الحاد في الشارع الجماهيري الفلسطيني، وما يعصف في اتحاد الكتاب والأدباء من خلافات وأزمات وبيروقراطية . فهذه الأمور تضع الإهتمام بالثقافة على الصعيدين الرسمي والشعبي في قائمة آخر الأولويات والضرورات .
لقد استطاع الكاتب الفلسطيني التعبير عن القضية الوطنية وإيصال رسالته إلى العالم، ومرّ أدبنا الفلسطيني بعدة مراحل، وكل مرحلة عبرّت عن تداعياتها وأحداثها، فبعد هزيمة حزيران جاء الأدب تعبيرًا عن النضال والكفاح والمقاومة ضد الإحتلال، وانطلاق الثورة الفلسطينية، والإلتزام بالأدب الموجه نحو قضايا الوطن والشعب والتعبير عن حياة المخيم وما يمثله من معاناة إنسانية، وفي مرحلة الإنتفاضة عبّر الأدب عن الممارسات العدوانية والقهرية تجاه شعبنا الفلسطيني بمختلف شرائحه وطبقاته، وطرح الرؤى للخلاص من الإحتلال. أما في مرحلة ما بعد اوسلو ونشوء السلطة الوطنية الفلسطينية فكان الأدب مواكبًا للواقع الجديد وتناول مسألة العائدين للوطن وبناء السلطة وأوضاعها ومفاسدها والممارسات البيروقراطية فيها، فضلًا عن أحوال الناس المعيشية اليومية في الظروف الجديدة والعلاقة بالسلطة .
وبرأيي المتواضع بأن ثمة حاجة وضرورة ماسة لإعادة الإعتبار للأدب المقاوم والفكر الثوري في الحياة الفلسطينية، الذين تراجعا كثيرًا بفعل الظروف التي نشأت بعد اوسلو .