يبدو أن الممثل والمخرج والمؤلف الموسيقي والمنتج المخضرم "كلينت ايستودد" وجد موضوع فيلمه القادم . سيستمتع إيستوود باللعب أمام الكاميرا وخلفها مرة أخرى في فيلم روائي أخر عنوانه كراي ماتچو (Cry Macho)، موضوع الفيلم مقتبس من رواية بنفس العنوان من تأليف الكاتب الأميركي ناثان ريشارد ناش . كتب السيناريو "نيك شينك" الذي سبق وأن عمل معه في فيلم "كران تورينو" Gran Torino الذي عُرض عام 2008 . تمثيل وإخراج ايستوود، بي فانك ، وآني هير، فيلم إنساني ضد العنصرية، وفيلم "البغل" The Mule عام 2018 . تمثيل وإخراج ايستوود، بادلي كوبر، ديان ويست ومايكل بينا عن رجل عجوز مُسالم أسمه إيرل ستون لديه مشاكل مادية ضخمة، يتم الحجز على مزرعتهِ التي يزرع فيها الزهور، ويقوم بتسويقها، وأصبح بدون مأوى، يهتم بِشاحنته القٍديمة وهو يفتخر أنه سائق ماهر، ولم تُسجل عليه مخالفة واحدة، يتم استغلاله للعمل على تهريب المخدرات لصالح عصابة مكسيكية، مقابل مبالغ كبيرة هو في حاجة لها لتسديد ديونه المتراكمة، فقد تركته زوجته، وقاطعته ابنته الوحيدة لأنه لم يحضر حفل زواجها، وحدها حفيدته الشابة تكنّ له حبا عميقا، وفِي حفل خطوبتها يتعرف ايرل على شاب بعد أن سمعه يتفاخر انه سائق ماهر ويستطيع قطع مسافات بعيدة، يعرض عليه ان ينقل حقيبة من المكسيك إلى تكساس بسيارته مقابل مبلغ من المال ، في أول الأمر ايرل لا يعرف ماذا ينقل بسيارته الصغيرة ولكنه بعد أن نقل عدة حقائب وحصوله على أجرة مجزية يكتشف أنه يعمل على تهريب الهيرويين . وهي قصة حقيقية لرجل اسمه ليو شارب الذي كان جنديًا في الحرب العالمية الثانية وفي الحرب الكورية، وعمل بعد ذَلِك في زراعة الزهور ومحاولة تطويرها وتسويقها، ولكنه يجد نفسه مهرباً للمخدرات على أساس أنه لا احد يشك برجل عجوز متقدم بالعمر . ويجد ايرل الأموال الكثيرة التي يحصل عليها من العصابة جعلت منه ما يطلق علية "البغل" في عالم تهريب المخدرات، وصار ينقل حمولات أكبر فاكبر دون أن تنتبه له فرق مكافحة التهريب، فهو يوحي وجهه للأخرين بالبراءة ويتخلص بسهولة من أي مأزق بذكاء وبهدوء . ولكن حين تتصل به حفيدته وتخبره أن جدتها على سرير الموت لختار العائلة ويخاطر بالذهاب إليهم رغم ان الحمولة الأكبر موجودة في صندوق سيارته .
وأخر اخراج له دون ان يمثل فيه، فيلم بوليسي، سيرة ذاتية عن قضية ريتشارد جول The Richard Jewell ، الذي عرض في عام 2019، بطولة سام روكويل ، كاثي بيتس، جون هام ، أوليفيا وايلد . والقصة مستندة الى وقائع واقعية لشرطي سابق "جول" الذي كان يعمل حارسًا في موقع الألعاب، اكتشف حقيبة المتفجرات اثناء دورة الألعاب الاولمبية عام 1996 وعومل في بادي الأمر على أنه بطل انقذ أرواح العشرات من المشاهدين، عندما ابلغ الشرطة بوجودها وساهم بابعاد الناس من حولها، ولكن خلال ثلاثة أيام فقط تحول الرجل إلى متهم بعد أن كتبت صحيفة "اتلانتا جورنال" أنه ربما يكون هو من وضع حقيبة المتفجرات، وبدأت شرطة مكتب التحقيقات الفيدرالية تراقبه وتلاحقه أينما يذهب وفتشت كل ركن في شقته، وكان محاصرًا بالصحفيين وكاميرات القنوات التلفزيونية . وقام مصابين بالانفجار برفع دعوى قضائية عليه، رغم عدم وجود اَي دليل على ارتكابه الجريمة واجتيازه جهاز كشف الكذب عندما تم التحقيق معه . أمضى الرجل أشهر من المعاناة وأدى الإنفجار إلى سقوط قتيلين وجرح أكثر من 100 من المتفرجين في تلك الحادثة الإرهابية، وتم تبرئته فيما بعد من التهمة .
وفِي كل مرة يعلن عن فيلم جديد لإيستودد، يكتب نقاد السينما ان هذا الفيلم هو آخر فيلم روائي له كما في الفلمين الأخيرين، البغل وفيلم ريتشارد جول .!
في فيلم "كراي ماتچو" سيقوم إيستوود بتجسيد شخصية نجم مسابقات رعاة البقر سابق (روديو)، تقاعد بسبب تقدمه في
العمر، وتحول إلى مربي خيول، في عام 1978 زمن أحداث القصة، يستدعيه رئيسه وصديقه السابق ويكلفه بمهمة، أن
يساعده في إنقاذ ابنه الذي يعيش في المكسيك مع والدته المُدمنة على الكحول . ويتطلب ذَلِك اجتياز الحدود إلى المكسيك بطريقة غير رسمية واختطاف الصبي وإعادته إلى والده الذي يسكن في تكساس . بعد مغامرة اجتياز الحدود ونجاحه في اقناع الولد المراهق لمرافقته . عند عبورهما الريف المكسيكي متوجهين إلى تكساس، يواجه الرجل والصبي المضطرب رحلة صعبة مليئة بالتحديات بشكل غير متوقع، ويجد الرجل العجوز المرهق من الحياة فرصة التفكير والإحساس بخلاصه الشخصي، من خلال تعليم الصبي معنى أن يكون رجلاً صالحًا . وفِي النهاية أنها قصة اخلاقية عن شخصيتين تساعدان بعضهما العض خلال التحولات الصعبة وهما على الطريق .
حقيقة، أن سيناريو هذا الفيلم كان قد كتبه مؤلف الرواية في الثمانينات من القرن الماضي، وقد أثار اهتمام أكثر من مخرج ونجم سينمائي لعقود من الزمن، ومن الممثلين الذين رشحوا للقيام بتجسيد الشخصية الرئيسيّة، الممثل برت لانكستر، وبيرس بروسنان، وفِي عام 2011 كان من المقرر أن يبدأ الإنتاج وإخراج الفيلم من قبل "براد فورمان"، الذي اختار للدور الممثل أرنولد شوارزنيجر، ولكن لظروف خاصة تخلى المخرج والممثل عن العمل. وأخيرًا أعجب كلنت ايستودد وهو في التسعين من عمره بالموضوع وطلب من السيناريست الذي سبق وأن عمل معه أن يعيد صياغته ليتلائم مع سنه وشخصيته والزمن الذي سيعرض فيه الفيلم . وبهذا الفيلم سيصبح عدد الافلام التي اخرجها فقط في مسيرته المهنية، التاسع والثلاثون، أما الأفلام التي عمل فيها كممثل ومخرج فيبلغ عددها أربعة وعشرون فيلماً .
وبينما يمر العالم بفترة انتشار الوباء، وإغلاق دور السينما، وعودة الصناعة السينمائية الى العمل ببطء وحذر، يبدو أن كلينت إيستودد يتحرك بسرعة لبدء العمل ، فهو يسابق الزمن حتى ينتهى من تمثيل وإخراج فيلمه التاسع والثلاثين "كراي ماتچو "، فقد تم تحديد مواقع العمل وبدء التصوير في منتصف شهر كانون الثاني / يناير 2021 ، والموعد النهائي لعرضه في شتاء عام 2021، وستقوم شركة وارنر برذرز بالمشاركة في انتاجه وتوزيعه .
وبمناسبة الإحتفال بعيد ميلاده التسعين، ولد إيستوود في ايار / 31 مايو 1930 نشرت وارنر برذرز Warner Bros "في صندوق فخم وموقع، وفي إصدار محدود مرقّم (2200 نسخة)" ، والذي يحتوي على 66 قرصًا : ل "63 فيلمًا روائيًا من أفلامه التي عمل فيها كممثل والتي أخرجها أيضاً اثناء مسيرته الفنية من 1958 وإلى عام 2019، بالإضافة الى ثلاثة افلام وثائقية؛ عن كلينت إيستودد ودوره في السينما، وإيستودد المخرج، والقصة التي لم تحكى ، بالإضافة إلى كتيب ومجموعة من ملصقات الأفلام، وبطاقات خاصة والصور الملتقطة أثناء التصوير التي تعرض نظرة فاحصة أكثر تعمقًا على بعض الأدوار الأكثر شهرة لإيستودد .
فَاز كلينت إيستوود بِجائِزتي أُوسْكار عَام 1993 عن فِيلم " لن أُسَامِح " non pardonné كأفضل مُخرِج وأفضل فلم، فِي عَام 2000، حصَل على جائوة الأسد الذهبي مِن مهرجان البندقية السينمائي الدولي عن مجمل أعماله . وفي عَام 2005 على جائزتي أوسكار عن فيلم " مليون دولار عزيزتي " Million Dollar Baby ؛ جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وجائزة الأوسكار لأفضل مخرج . وفي عام 2010 حصل على الميدالية الوطنية الأمريكية للفنون لخدمته ومساهمته في الفن السينمائي . وهذه هي أعلى جائزة تُمنح لفنان في أمريكا . وقد تمّ منح إيستوود وِسام جَوقة الشّرف، أَعلى مراتِب التكريم فِي فرنسا . عَام 2007 حصل في مدينة ليون عام 2009 على جائزة لوميير في " مهرجان لوميير السِينمائيّ " الأول تكريما لكامل مسيرته المهنية في الفن السِينمائيّ. بالإضافَةِ إلى جائزة إيرفينغ ثالبيرغ التذكارية الَّتي تمنَّحُها أكاديميّة فُنون وعُلُوم الصُوَر المتحركة. وثلاث جوائز بافتا BAFTA ، وجائزتان في ايطاليا من جوائز ديفيد دي دوناتيلو ، وثلاثة جوائز سيزار من فرنسا، وتسع جوائز گولدن گلوب، وأربع جوائز ساتورن. بالإضافة إلى ذلك، كانت افلامه جزءًا من الإختيار الرسمي لمهرجان كان السينمائي خمس مرات وفاز بجائزتين في مهرجان البندقية السينمائي .
مرة أجاب عن تَجربته في الاخراج السِينمائيّ قال ؛ إنه استفاد من العَمل ومُراقبة المخرجين الذين عمل معهم، وبشكل خاص المخرج الإيطالي سرجيو ليُونّي (الذي اعطاه أول فرصة عمل حقيقية في ثلاثية ويستيرن "من أجل حفنة من الدولارات" و "من أجل بضعة دولاراتأكثر" و "الطيب والسيء والشرير") والمخرج الأميركي دون سِيجيل، (الذي مثل معه فيلم " خدعة كوجان ". و فيلم " بغالان للأخت سارة " و فيلم المحقق" هاري القذر" و فيلم " الهروب من الكاتراز " )، تعلمت من ليُونِّي إتقان إطار اللقطة بجميع أنواعها وتصميم الفضاء المُصوّر، ومن سِيجيل سرعة التّنفيذ بالإضافة إلى الطاقة والحيوية .
يبدو أن كلينت إيستوود وهو بعمر 90 عامًا انه لن يتوقف عن الإخراج والتمثيل، إنه لا يزال نشيطاً وحيويًا وقويًا. فهل سيكون هذا الفيلم أحد أفلامه الأخيرة أم سيفاجئنا بمشروع فيلم أخر ؟
