1
الواقعية في تحليل العلوم الإجتماعية لا تعني نسخَ الأحداث اليومية المُعاشة، ونقلَ الوقائع من حياة الأفراد المادية إلى عالَم الأفكار الذهنية والنظريات المُجرَّدة، وإنَّما تعني تحويل السلوك الإجتماعي فرديًّا وجماعيًّا إلى منظومة معرفية رمزية تشتمل على الهُوية الوجودية والقيم الأخلاقية والطبيعة الزمكانية ( الزمانية _ المكانية )، ثُمَّ تطبيق هذه المنظومة على أرض الواقع بشكل تدريجي، ليس بسبب ضعف المنظومة، ولكن بسبب عدم قدرة الناس على تحمُّل التغييرات الفكرية المفاجئة والصدمات الإجتماعية العنيفة، وهذا يدل على خطورة حرق المراحل، والقفز مِن طَوْر إلى طَوْر بشكل عبثي وفوضوي . ولا يوجد تغيير اجتماعي بأُسلوب الصعق الكهربائي، والتنقُّلِ عبر المراحل غير الناضجة . يجب إنضاج كُل مرحلة اجتماعية قبل الإنتقال إلى مرحلة أُخرى، وهذا يستلزم أن يكون الفكر الإجتماعي ( غذاء الواقع ) ناضجًا، حتى يستفيد جِسمُ المجتمع مِنه، تمامًا كالطعام ( غذاء الجسد )، يجب أن يكون ناضجًا حتى يستفيد جسمُ الإنسان مِنه .
2
استعجالُ الإنسان في تحقيق أهدافه وقطفِ ثمار التنمية، يُشكِّل خطرًا حقيقيًّا على أهدافه، وتهديدًا مُباشرًا للتنمية . والنهضة الإجتماعية تُشبه عملية الطبخ على نار هادئة، تتطلَّب التحلِّي بالصبر والإنتظار، والحفاظ على التوازن بين العناصر والمُكوِّنات . والتخطيطُ للأحداث أهم مِن سَيْر الأحداث، وهذا يعني أن الإنسان قادر على تجاوز نقاط ضعفه وضعف إمكانياته، إذا امتلكَ الإرادةَ الصُّلبة، والرؤية الثاقبة، والقدرة على التخطيط، والمعنويات المرتفعة، وهذا يُفَسِّر سبب نهضة دُوَل فقيرة، وانهيار دُوَل غنية، كما يُفَسِّر نجاحَ بعض الأفراد الذين لا يَملِكون مواهب، وذهابَ بعض أصحاب المواهب إلى النسيان، لأن العِبرة لَيست في امتلاك الموهبة، وإنما في تسويق الموهبة، والخُروج مِن الزِّحام، وتكوين صوت شخصي مُؤثِّر بعيدًا عن ضجيج الأصوات . والمشكلةُ المنتشرة في المجتمعات أن الأفراد ينتظرون تكوينَ ثروات حتى يبدؤوا في إنشاء مشاريعهم الشخصية، وهذا الإنتظارُ هو سبب عُزلة الفرد، وعَجْزه عن تغيير واقعه المُعاش . يجب على الأفراد أن يَصعدوا السُّلَّمَ دَرَجَةً دَرَجَةً، وأن يقوموا بإنشاء المشاريع بما يتوفَّر لَدَيهم مِن إمكانيات وموارد، بلا تأخير ولا انتظار، لأن قطار الحضارة لا يتأخَّر عن موعده، والعُمر لا ينتظر أحدًا . وعذابُ الإنتظار أكثر صعوبة من عذاب الإقتحام، وخَير وسيلة للدفاع الهجوم .
3
التدبيرُ نِصف المعيشة، وإدارةُ الموارد أهم من الموارد . وهذه الحقيقةُ ينبغي توظيفها في فلسفة المجتمع التي يظهر تأثيرُها في سُلوك الفرد وطُموحاته . وعلى الفرد أن يُدرِك أن النهضة لَيست كثرة الإمكانيات، وإنما طريقة توظيف الإمكانيات لخدمة الصالح العام، وأن المجتمع الكامل ليس الخالي من الأخطاء والعُيوب، والمعصوم من الفشل، والمُنَزَّه عن الهزيمة، إن المجتمع الكامل هو الذي يعترف بأخطائه وعُيوبه، ويقوم بتصحيحها، ويُحاول سَد الثغرات، بعيدًا عن المُكَابَرَة والتحايل والتبرير، ويَجعل فَشَلَه مرحلةً من مراحل النجاح، وذلك بالتعلُّم من أخطاء التجارب لمنع تَكرارها، ويَعتبر هزيمته حادثًا عَرَضِيًّا، ولحظة زمنية للتحضير للنصر القادم والنهضة الشاملة . والسَّعْيُ إلى الكمالِ كمالٌ . ومهما كانت الإمكانيات شحيحة، والثروات ضئيلة، والتحديات جسيمة، فينبغي ألا تُشكِّل عائقًا أمام مسيرة التنمية، فالقُوَّة الحقيقية هي الرصيد في قلوب الناس، وليس الرصيد في البنك، فهو مُجرَّد رَقْم . والإستثمارُ الفَعَّال هو صناعة الإبداع المعرفي، وتحويل الفرد مِن رَقْم هامشي إلى كيان إنساني وصانع للأمل المشرق، وهذا لا يتأتى إلا بتطوير أداء الفرد، ووضع الثقة فيه كَي ينهض بالمجتمع، ويَقُوده إلى آفاق تنموية جديدة . ومَهما عانى الفردُ من قِلَّة الحِيلة، وضِيق ذات اليد، والانكسارات والخَيبات، فعليه أن يتذكَّر السُّلحفاةَ، فهي كائن ضعيف وبطيء، ومعَ هذا لا تَندُب حَظَّها، ولا تَلُوم القَدَرَ، ولا تُقَارن نَفْسَها مع الحيوانات السريعة ذات القُوَّة والقُدرة . إنَّ السُّلحفاةَ تعرف إمكانياتها الضئيلة، وتتصرَّف وَفْقَها، وهي تسير في طريقها بلا كَسَل ولا مَلَل . ومُواصلةُ السَّيْر وعدم الاستسلام للظروف، مِن أهم الإنجازات وأكبر النجاحات . ومَن أمسكَ طَرَفَ الخَيْط، فقد نَجَحَ في نِصف الامتحان، ومَن وَضَعَ رِجْلَه على الطريق الصحيح، فقد اجتازَ الصَّعْبَ، وبَقِيَ السَّهْلُ . ومَن مَشى في النَّفَق المُظلِم ولم يتوقَّف، اقتربَ مِن رؤية الضَّوْء في آخِر النَّفَق . ومَن أدمنَ قَرْعَ باب المُستقبل، أوشكَ أن يُفْتَح . وقد قِيل : ليس الطريقُ لِمَن سَبَق، إنما الطريقُ لِمَن صَدَق .